الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

المرونة الفكرية

مخطئ كثيراً من يتعامل مع الحاضر بأدوات الأمس، ومخطئ أكثر من يظن أن الأفكار التي نشأ عليها قبل 30 أو 40 سنة صالحة للأجيال الجديدة.. فعجلة الزمن تدور للأمام، ولا شيء ثابت في مكانه.. حتى ما كنا نعتبرها ثوابت، أثبتت التجارب أنها قابلة للتغيير والتعديل، فالمعرفة بطبيعتها متجددة، ومع كل نور يبزغ في الأفق تولد قناعات جديدة وتموت أخرى.. والثابت الوحيد، هو التجدد.. أما الثبات المطلق، فهو الموت بعينه.

في طفولتنا كنا نرى المدرسة بحجم الجامعة، وعندما دخلنا الجامعة صغرت في أعيننا مدرستنا القديمة، وفي سنوات نشأتنا الأولى كان عالمنا ينحصر في الحارة التي نعيش فيها، وما إن كبرنا، وسحنا في الأرض، حتى أدركنا اتساع العالم من حولنا.

الإنسان الواعي يراقب هذه التغيرات بكامل حواسه، ويكيف نفسه معها.. أما منخفض الوعي، فيرفضها ويقاومها بكل ما أوتي من قوة.. فيندفع الأول للأمام، ويتقهقر الثاني للوراء.

لا أقول إن ماضينا كان غارقاً في الجهل، ولا أقول إن حاضرنا ناصع البياض

أقرأ كثيراً عن حوادث عنف تتعرض لها فتيات في أقطار عربية عديدة، وعندما أبحث عن الأسباب.. أجدها واهية، ولا تبرر سلوك الأهل، سواءً كانوا آباء أو أشقاء.. فسلوك الإنسان سواءً اتفقنا معه أو اختلفنا، هو نتاج أفكاره الخاصة.. ولا يمكن إصلاح السلوك، دون مناقشة الأفكار، وأسوأ أسلوب لتصحيح الأفكار، هو العنف.. وأثبتت العديد من الدراسات والتجارب أن العنف يولد العناد، والتعصب للفكرة أكثر.. بصرف النظر عن كونها صحيحة أم خاطئة.. لأن العنف وقود الكراهية، والإنسان بطبيعته لا يتقبل فكرة من إنسان يكرهه، حتى وإن كانت صحيحة.. وعندما يخسر الأب محبة ابنته، فهو في الحقيقة يفقد كل سلطته عليها.

أسمع كثيراً عبارات ساذجة لا معنى لها.. ترد على ألسنة بعض الآباء، يقارنون فيها بين أفكار أمهاتهم وبناتهم.. مثل: «الله يرحم أمهاتنا، كانت الوحدة منهم ما تطلق لبيت زوجها، إلا لقبرها!».. وينسى هؤلاء، أن الحق هو الأولى بالاتباع، وأن الكثير مما كان يحدث الماضي، أبعد ما يكون عن الصواب والعدالة.

لا أقول إن ماضينا كان غارقاً في الجهل، ولا أقول إن حاضرنا ناصع البياض.. لأن الخير موجود في مختلف الأزمان، والأخطاء لن تنقطع، مهما تطورت البشرية.. لكن الأهم الآن، أن نقتنع بفكرة التجدد، وهذا الاقتناع بحد ذاته، كفيل بمنحنا الكثير من المرونة.. وهي مرونة محكومة بحزمة شديدة التماسك من المبادئ والأخلاق والقيم.