الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الاصطفاف الأعمى

يحدث كثيراً أن ينشب خلاف بين شقيقين من أسرة واحدة، وفي لحظة غفلة يصطف كل أفراد الأسرة مع طرف ضد الآخر، لأسباب يرونها وجيهة.. منها على سبيل المثال لا الحصر.. أن الذي اصطفوا معه على حق، وأن الذي اصطفوا ضده على باطل، ومنها أيضاً أن الأول مسالم ولم يحدث قط أن افتعل خلافاً مع أحد، في حين أن الآخر مشاكس وكل يوم لديه مشكلة مع أحد.

من ينظر إلى ظواهر الأمور، قد يرى أن أفراد هذه الأسرة على حق، وإن اصطفافهم لا يعدو كونه نصرة لمظلوم على ظالم، وقد يؤدي مع الوقت إلى رضوخ الطرف المخطئ، وعودته إلى جادة الصواب.

لكن من يفكر بطريقة أعمق، يستطيع أن يتنبأ بنتائج وخيمة، قد يتمخض عنها مثل هذا الاصطفاف، من أخطرها توليد شعور بالمظلومية والقهر لدى فرد عزيز من الأسرة، ومن ثم خسارته إلى الأبد.. خصوصاً لو جاء سريعاً، ودون منح هذا الطرف فرصة كافية لتوضيح وجهة نظره وتبرير تصرفاته.

كلما كانت المناقشة أعمق، كلما أفضت إلى حلول أفضل وأكثر استدامة.

هذا التمهيد لا يعني أبداً أن نقف مع الطرف المخطئ ضد المصيب، ولا يعني أيضاً أن نتجاهل الخلاف وكأنه لا يعنينا، لكن في معظم الحالات هناك حلول أفضل من الاصطفاف السريع، وفي مقدمة هذه الحلول الإنصات لكل طرف بقدر متساوٍ، وتجرد تام من أي أحكام مسبقة.. ومن بعدها تأتي المناقشة، ومن المهم جداً أن تستند على أسس منطقية.. وكلما كانت المناقشة أعمق، كلما أفضت إلى حلول أفضل وأكثر استدامة.

قد يقول قائل: «إن هذا ما يحدث فعلاً في معظم الخلافات العائلية، وإن الاصطفاف يأتي بعد أن تستنفد الأطراف المحايدة كل سبل الحوار والمناقشة».. وقد يكون هذا الكلام صحيحاً بدرجة ما، لكنه لا يتم بطريقة جيدة، وغالباً ما يكون هناك انحياز داخلي مسبق لطرف ضد الآخر، وغالباً ما يكون هذا الانحياز محسوساً، حتى ولو لم يتم التصريح به.. ومن هنا تتولد الحساسية، وتفشل سبل رأب الصدع.

الأمر الآخر الذي تجدر الإشارة إليه، هو أن الطرف الذي نراه كثير الخطأ، هو في أغلب الأحيان يملك وجهة نظر خاصة حيال مجموعة من القضايا، ونتيجة لعدم وجود مؤيدين له، نراه يلجأ إلى لفت الانتباه من خلال تبني مواقف حادة، والتصريح بها بلهجة فيها من العدائية الكثير.. لكن لو نفذنا إلى قلبه فقد نجده ناصع البياض، ولا يحمل بداخله أي ضغينة.