الاثنين - 20 مايو 2024
الاثنين - 20 مايو 2024

خطة عالمية لتوفير الغذاء لسكان الكرة الأرضية

خطة عالمية لتوفير الغذاء لسكان الكرة الأرضية

خطة عالمية لتوفير الغذاء لسكان الكرة الأرضية

قبل أسابيع أفاد تقرير «التوقعات السكانية العالمية» الصادر عن الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم سيصل إلى نحو 9.7 مليار نسمة في عام 2050، مقارنة بـ7.7 مليار نسمة يعيشون على سطح كوكبنا الأخضر اليوم. وقال التقرير ذاته إن من المرجح أن يصل عدد السكان إلى 11 مليار نسمة عام 2100. كيف يمكن أن نطعم كل تلك الأفواه في ظل محدودية الموارد الحالية وعدم قدرة البشر على زراعة مساحات أكبر، وفي ظل تحديات التغييرات المناخية والتصحر وزيادة ملوحة الأراضي المزروعة وقلة جودتها؟

الإجابة تقدمها دراسة حديثة نشرتها دورية «ساينس» العلمية ذائعة الصيت، وجاء فيها أن الحل ربما يكمن في إنشاء نظام عالمي لمراقبة الآفات الزراعية التي تقضي على المحاصيل حول العالم.

كل عام تضرب الآفات الزراعية المحاصيل الخمسة الرئيسة التي توفر نحو نصف السعرات الحرارية، وتتسبب في القضاء على نحو 20 في المئة من تلك المحاصيل. وأدى التغير المناخي وحركة التجارة العالمية إلى انتشار أمراض المحاصيل على نطاق واسع، وغالباً ما تكون إجراءات الاحتواء وخاصة في البلدان منخفضة الدخل غير فعالة، وهو أمر يضاعف من الخسائر المحصولية ويضع أعباء اقتصادية كبيرة على المزارعين.


وتقول الدراسة إن الحل يكمن في إنشاء نظام مراقبة عالمي يعزز الأمن الحيوي للمحاصيل ويضاعف من إنتاجية الفدان، وهو ما سيحسن جودة الغذاء وكمه وطريقة نقله، الأمر الذي سيوفر مستقبلاً ملايين الأطنان من الحبوب ستكفي أعداداً متزايدة من البشر.


وتقول الباحثة في المركز الدولي للزراعة، مونيكا كارفاجال، وهي أيضاً المؤلفة الرئيسة لتلك الدراسة، إن جزءاً من الجهود الرامية لتلبية الطلب العالمي على الغذاء هو تقليل الفقد الحادث في المحاصيل ووقف انتشار الأوبئة، الأمر الذي قد يعني زيادة في الإنتاجية الزراعية تصل إلى نحو 70 في المئة بحلول عام 2050.

وتشير مونيكا في تصريحات خاصة لـ «الرؤية» إلى أن هناك حاجة ماسة للتعاون والمناقشة لاتخاذ إجراءات سريعة تهدف للقضاء على الآفات الزراعية، وخاصة المحاصيل الخمسة الكبرى، لمنع تفشي الأمراض التي قد تؤثر سلباً على الأمن الغذائي والتجارة.

رصدت دراسة سابقة 137 من مسببات الأمراض والآفات المرتبطة بخسائر في محاصيل القمح والأرز والذرة والبطاطا وفول الصويا، وقدرت الخسائر في تلك المحاصيل الاستراتيجية بدرجات متفاوتة، إذ يخسر المزارعون في المتوسط كل عام نحو 22.5 في المئة من محصول الذرة، و17.2 في المئة من البطاطا، و21.4 في المئة من فول الصويا، و21.5 في المئة من القمح، و30 في المئة من الأرز. وتشير النتائج إلى أن أعلى الخسائر ترتبط بمناطق العجز الغذائي ذات التجمعات السكانية السريعة النمو، وكثيراً ما تحدث تلك الخسائر مع ظهور الآفات والأمراض.

وتقول مونيكا تعليقاً على تلك النسب إن الخطة المعروضة في دراستها تحدد على وجه الدقة نظاماً عالمياً يراقب زراعة تلك المحاصيل في جميع دول العالم، تُعطى فيه الأولية لستة محاصيل غذائية رئيسة هي الكسافا والأرز والفاصوليا والقمح والبطاطا علاوة على الذرة، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة يجب أن تتبنى ذلك النظام لـ «صالح البشرية جمعاء».

في عام 2015، تم اكتشاف مرض فسيفساء الكسافا في كمبوديا، لكن لم يتم الإبلاغ عن ذلك التفشي حتى عام 2016، وبحلول عام 2018 انتشر المرض إلى تايلاند وفيتنام. والآن تقدر نسبة المحاصيل المصابة بذلك المرض بنحو 10 في المئة من الأراضي المزروعة في تلك المنطقة، وهو أمر يهدد أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يزرعون الكسافا ويجنون نحو أربعة مليارات دولار من عائدات التصدير.

وفي هذا العام نشرت السلطات الزراعية في أربع دول هي كمبوديا وتايلاند وفيتنام ولاوس، بدعم من منظمات البحوث الزراعية الأممية، خطة للسيطرة على حالات فسيفساء الكسافا في جنوب شرقي آسيا، فماذا لو كان هناك نظام عالمي للإبلاغ عن تلك الإصابات فور حدوثها؟

تقول مونيكا إن الأمر يستغرق الكثير من الوقت للاستجابة لأمراض المحاصيل والأوبئة التي تصيبها، ما يضاعف من الخسائر ويهدد مستقبل الأمن الغذائي للبشرية، مشيرة إلى أن إنشاء النظام العالمي لمراقبة المحاصيل سيجعل البيانات متاحة على نطاق واسع وفي الوقت الحقيقي، وسيساعد على التعجيل في اتخاذ إجراءات كافية للسيطرة على الأمراض وتحجيم الخسائر.

لكن.. كيف سيعمل ذلك النظام؟ تقول «مونيكا» إن نظام المراقبة العالمي سيعتمد على مجموعة من شبكات المراقبة النشطة التي تقوم بتحليل البيانات الواردة من السلطات الزراعية المعنية فور وصولها، ثم تنقلها إلى قاعدة بيانات مفتوحة المصدر، وتحدد المناطق المستهدفة بالأوبئة ونوع الوباء وطريقة انتشاره، والأسلوب الأمثل للسيطرة عليه.

وستقوم مجموعة من الموظفين باستخدام طريقة «المراقبة السلبية» لتحديد الأمراض الموجودة في الزراعات، كما يركز النظام على إنشاء مجموعة من المختبرات في محطات التفتيش الزراعية والنقط الجمركية والحدود وموانئ الدخول، عن طريق تعزيز البنى التحتية في جميع دول العالم.

وتقول مونيكا إن سلطات الحدود وموظفي الجمارك لا يمكنهم فحص سوى اثنين إلى ستة في المئة من البضائع والمحاصيل الزراعية بشكل فعال، لذا سيلزم تزويد تلك السلطات بأجهزة فعالة تساعدهم على إجراء الفحوص بالشكل المطلوب، كما سيجري تدريبهم على إدخال بيانات الفحص ضمن شبكة المراقبة لتعزيز الشفافية والمساهمة في نقل وإتاحة المعلومات.

ويشمل النظام أفراد مجموعات أخرى مكونة من شبكات للمزارعين، وعمال إرشاد يعملون مع المنظمات الزراعية الوطنية، وعلماء وباحثين في المراكز والجامعات، وأخصائيين في الصناعات الزراعية، حيث يقومون بإمداد النظام بالمعلومات أولاً بأول للوقوف على حالة الزراعة في كل مكان بالعالم.

ويقول جو تومي الباحث في الدراسة، في تصريحات خاصة لـ «الرؤية»، إن فعالية شبكة المراقبة العالمية تعتمد على إنشاء بنية تحتية معلوماتية قوية تساهم في تعزيز الروابط بين أجهزة الكشف الأولى والمستجيبين المتلقين للمعلومات، علاوة على تنسيق الإجراءات التي ينبغي اتخاذها جراء كل وباء، إلا أنه يعود ويؤكد أن القدرة على تشخيص الآفات الزراعية والأمراض المحصولية وتبادل المعلومات وبروتوكولات الاتصالات غير موجودة في بعض المناطق الزراعية أو ضعيفة في مناطق أخرى، وخاصة البلدان منخفضة الدخل.

يقول تومي :«هنا يأتي دور البلدات مرتفعة الدخل، فحدوث التفشيات الوبائية للمحاصيل ينتشر في العالم أجمع، وبالتالي يجب أن تساعد الدول الغنية في بناء تلك الشبكة، عبر إنشاء بنى تحتية قوية في البلدان منخفضة الدخل، وتعزيز عمليات المراقبة الميدانية في كل العالم». ويستطرد تومي «مسألة الأمن الغذائي جوهرية وأساسية وعابرة للحدود وتهم كل الحكومات على السواء».

وتقول مونيكا كارفاجال إن النظام الذي اقترحته تلك الدراسة يعتمد على وجود خمسة محاور إقليمية في خمس قارات، يشمل كل محور إنشاء شبكة مختبرات تشخيصية، وأخرى لتقييم المخاطر، وثالثة لإدارة البيانات، ورابعة لإدارة عمليات التشغيل، علاوة على وجود شبكة للاتصالات.

وتعد تلك الورقة بمثابة وثيقة تلخص السياسات الاستراتيجية متعددة التخصصات لإعداد العالم بشكل أفضل لمواجهة الزيادة السكانية عن طريق التدخل لمنع أمراض المحاصيل ومسبباتها. وبحسب تومي، عمل فريق بحثي كبير طوال العام ونصف العام الماضي على إنشاء تلك الوثيقة من أجل معالجة المشكلة المزمنة: توفير الغذاء لملايين الأفواه الجائعة.

في سياق متصل، أعلنت الأمم المتحدة أن عام 2020 هو السنة الدولية لصحة النبات، وتهدف تلك المبادرة إلى تسليط الضوء على أهمية صحة النبات وإطلاق تحالف عالمي لدعم سياسة الأمن الغذائي. وتتوقع مونيكا أن تكون تلك الدراسة «محفزة للنقاش خلال العام المقبل وأساس خطة عمل طويلة الأمد تهدف إلى توفير غذاء صحي مضمون لأحفادنا في المستقبل القريب».