الثلاثاء - 21 مايو 2024
الثلاثاء - 21 مايو 2024

الإصابة بكورونا ليست عاراً.. أكاديميون مصريون: رهاب فقدان النفس والأحباب وراء حالات التنمر

بعد تغسيلها وتكفينها في مستشفى العزل، توجه أهلها بالجثمان إلى المقابر لمواراته الثرى، كأي إنسان يموت، لكن المفاجأة كانت رفض الأهالي دفنها في المقابر، لا لشيء غير موتها بفيروس كورونا.

حالة من «الغليان الاجتماعي» شهدتها مواقع سوشيال ميديا في مصر، عقب رفض أهالي قرية «شبرا البهو» التابعة لمركز أجا بمحافظة الدقهلية، دفن طبيبة متوفاة بفيروس كورونا بمقابر القرية، إلى أن تدخلت الشرطة بإطلاق قنابل الغاز المُسيل للدموع لتفريق الأهالي ودفن الجثمان، والقبض على نحو 15 فرداً من مثيري الشغب.

وقائع مشابهة

الحادث ليس الأول من نوعه، حيث رفض أهالي قرية بولين بمركز كفر الدوار بمحافظة البحيرة دفن جثمان أحد ضحايا الفيروس القاتل أيضاً.

وفي وقت سابق رفض أبناء متوفاة بكورونا استلام جثمانها لتتولى وزارة الصحة ذلك، بعد وفاتها بمستشفى العزل الصحي بالنخيلة. كما تعج سوشيال ميديا بفيديوهات لممرضين وأطباء يعانون التنمر بعد إصابتهم بالفيروس، أو حتى دون إصابتهم به.

منتهى الوقاحة والقذارة وقلة الدين وقلة القيم وتحولك الى كائن قذر بيتنمر على مريض او مصاب بكورونا .. دى ممرضة من ممرضات مستشفى دكرنس شوفوا بتقول ايه

Posted by Mostafa Elstohy on Friday, April 10, 2020

دور إعلامي

يطالب رئيس المركز القومي للبحوث الأسبق، الدكتور هاني الناظر، المسؤولين في وزارة الصحة بإصدار بيان توضيحي يتم نشره وتوزيعه على القنوات والمواقع الإخبارية، بغرض توعية الناس بأن المتوفين جراء كورونا يتم التعامل معهم داخل المستشفيات، واتخاذ كافة الإجراءات من تغسيل وتعقيم وتغليف طبقاً للقواعد المُحددة من منظمة الصحة العالمية، حتى لا تتكرر مأساة الطبيبة المتوفاة.

أما الكاتب الصحفي محمد صلاح فيرى أن الإعلام انشغل بأخبار الفيروس ولم يتبنَ حملات لعرض تأكيدات المتخصصين من عدم خطورة المتوفين، وذلك لطمأنة الناس بأن الدفن لا ينشر الوباء، وأن احتشادهم بهذا الشكل هو الخطر.

ويستطرد صلاح «من السهل اتهام الرافضين بالجهل أو الجحود، لكن الأفضل رصد أسباب رفضهم وتفنيدها مع توعيتهم».

أوقفوا التنمر

الحديث عن دور توعوي حقيقي للإعلام هو ما بدأته صحف مصرية، حيث أطلقت إحداها مبادرة تحت عنوان «أوقفوا التنمر»، شارك فيها عدد كبير من المشاهير المصريين، كما امتدت لفئات أخرى من الشعب المصري.

ويقول هشام السروجي، مدير تحرير جريدة صوت الأمة وصاحب فكرة المبادرة، لـ«الرؤية»: «نحن الآن في مرحلة التكاتف لا التنافس، وهو الطريق الذي لا بد أن يتبناه الإعلام المصري، بل العربي أجمع في أوقات الأزمات».

وتابع: «آلاف الرسائل كانت تأتينا يومياً من مواطنين عاديين يقعون فريسة للتنمر في الشارع إن ارتدوا كمامة مثلاً، السخرية في الأسواق والشوارع من هؤلاء كانت بداية إطلاقنا لتلك الحملة، فكانت فكرتنا الرئيسية محاولة عدم خلق صورة ذهنية سلبية عن الإصابة بمثل هذا الفيروس وكأنه عار أو وصمة».

ويرى صاحب المبادرة أن «الصورة الذهنية وإلحاق الوصم والعار بمن يُصاب بكورونا، يمكن أن يمنع آخرين حال شعورهم بأعراضه من الذهاب للمستشفى، فيصبحون قنبلة موقوتة، في المجتمع بتسببهم في إصابة آخرين».

ويلفت مدير تحرير صوت الأمة، إلى أن الصحافة لا بد أن تُمارس دورها التوعوي، «الناس بحاجة لمن يرشدهم ويدلهم على الطريق الصحيح، وآن للإعلام أن يفعل ذلك»، متمنياً أن تنتشر الفكرة عربياً وليس مصرياً فحسب بعد أن حققت انتشاراً واسعاً.

المشاركة في الحملة عبر اللينك التالي #أوقفوا_التنمر

Posted by صوت الأمة on Friday, 10 April 2020

تحلل الروابط الاجتماعية

يقارن الصحفي خالد أبو بكر، مدير تحرير جريدة الشروق، بين المجتمع المصري عام 1943 وقت تفشي مرض الملاريا، والمجتمع المصري حالياً.

ويرى أبوبكر أن «وباء كورونا كشف بجلاء عن تحلل واضح في الروابط الاجتماعية، مقارنة بما كان عليه الحال في وباء الملاريا، الذي ضرب منطقة وسط الصعيد في أسيوط والمنيا تحديداً في عام 1943».

ويستطرد أبوبكر «قرى بأكملها راحت في وباء الملاريا»، وكان يوضع عليها علامة (X)، ليعطي معنى أنها انتهت، كان جزء من ذلك هو اندفاع الأهالي لاحتضان وتقبيل أبنائهم المصابين، سواء في حياتهم أو بعد موتهم، غير مبالين بالموت أمام عاطفة فقد الأحبة، وهو ما يجعلنا نتساءل ماذا حدث للمصريين؟.

عورات اجتماعية

ويقول الدكتور وليد هندي استشاري الطب النفسي، الذي أعلن عن تبرعه بمقابر عائلته لدفن موتى «كورونا» في مصر، «كورونا جاء كمسرح لكشف العورات الاجتماعية داخل المجتمع المصري، فالشعب المصري بطبيعته عاش لفترة كبيرة تحت وطأة الاحتلال فتشكل تكوينه النفسي على مواجهة الضغوط المختلفة بالسخرية والنكتة أو الهمز واللمز، وهي المرحلة الأولى التي مر بها فيروس (كيوفيدـ19) في رحلته داخل مصر، من نكات وسخرية من الفيروس القاتل».

ويضيف هندي، لـ«الرؤية»: «الخوف الشديد من الموت أو الفقدان للنفس أو لمن تحب وما يترتب عليه من آثار والانشغال الدائم بالموت ومراسم الدفن وغيرها، وكل ذلك شكل نوعاً من الرهاب النفسي لدى الناس، جعلهم يتنمرون بمريض الكورونا بصفة عامة، وبأشكال متعددة سواء النيل منه بالكلام أو الفعل، مثل رفض البعض دفن أهله، وهو نوع من فوبيا الموت».

ويوضح «ربما أفلام العنف والترويج لها، جعل هناك حالة من التنمر الجماعي، وهو شكل جديد على المجتمع المصري، لكنه مؤشر لحالة الخوف والهلع لدى الناس، ويجب ألا نهاجمه، نرفض السلوك ونتحفظ عليه لكن دون مهاجمته ولا بد من تحليله لنرى دوافعه ونرصد ما الذي حدث لمنظومة القيم لدى الناس، هل الأفلام التي تحوي مشاهد عنف هي السبب، أم ما مر بمصر من أحداث سياسية منذ 2011 وما تبعها من أحداث ومشاهد عنف هو ما قوى التنمر الجمعي، للوصول لهذه السلوكيات اللاإنسانية بصورة جماعية، كلها رواسب اجتماعية ونفسية أخرجت الصورة السلبية التي رأيناها في حادثة دفن طبيبة المنصورة».