الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العلاقات الإنسانية تُهمش «الشخصيات العابرة» وتنتصر للود والصداقة في زمن كورونا

طبع فيروس كورونا وما استتبعه من إجراءات احترازية للحد من انتشاره العلاقات الإنسانية والاجتماعية، حيث تغير نمطها وشكلها فانحصرت على المقربين جداً، وباتت أونلاين عبر تطبيقات الفيديو المختلفة، فتحولت «طلعة الخميس» إلى احتساء فنجان قهوة ودردشات مع أحد الأصدقاء المقربين عبر كاميرا تطبيقات التواصل الاجتماعي، وكلٌّ في بيته، التزاماً بتعليمات الحجر المنزلي وحملات «خلك بالبيت».

ووجد البعض في التباعد الاجتماعي وتغير نمط العلاقات الاجتماعية فرصة لفرز العلاقات الحقيقية من الأخرى العابرة وغير الضرورية، وكذلك مناسبة للهرب من حضور مناسبات ترتبط بمظاهر شكلية، منتصرين للتقارب أكثر من العائلة وأفراد الأسرة الصغيرة، والأصدقاء الحقيقيين الذين يوفرون الحب والطاقة الإيجابية والدعم لتجاوز هذه الأزمة، بعيداً عما يسمه البعض بـ«النفاق الاجتماعي».

مراجعة النفس

اعتبرت سناء بن حميد، أم لابنين مقيمة بدبي، أن هذه الفترة أعادت نظرة الناس لتفاصيل الحياة، وجعلتهم أكثر إيجابية، خاصة في ظل التوتر والخوف من المجهول، فأصبح كل منا يراجع نفسه، مشيرة إلى أن التباعد الاجتماعي ساهم بالتخلص من النفاق الاجتماعي الذي كنا نلمسه بمعظم المناسبات والتجمعات.

وقالت: «لا أعتقد بأني ابتعدت عن التواصل مع صديقاتي الحقيقيات، فلا زلنا نتواصل عبر مجموعة الوتساب ونتبادل وصفات الطبخ والأفلام والمسلسلات وتفاصيل يومياتنا وإن كنا بالبيت».

وداعاً للزيف

لفتت المعلمة غدير علي في مدرسة الاتحاد الخاصة بدبي، إلى أن زمن كورونا ألقى الضوء على العلاقات الحقيقية التي تمنحنا الحب والطاقة الإيجابية والراحة والدعم، بينما العلاقات الزائفة والسطحية فقد استثنيت تلقائياً في ظل التوتر العام.

وأضافت: «مواقع ومنصات التواصل قطعت دابر البعد والجفاء، وقربت جميع من يريد التواصل، وهذا ما ألمسه بمجموعة التواصل مع صديقاتي المقربات، كلٌ منا مقيم في قارة بالعالم ونحرص على التواصل ونتشارك الدعم النفسي والعاطفي معاً».

وأشارت إلى أنها بيتوتية بطبيعة الحال، حيث لم يشكل أمر الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي اختلافاً كبيراً على مسألة «طلعات الويكند»، بل على العكس قد تخلصت من القيود والرسميات التي يفرضها المجتمع علينا.

مشاهدة الأفلام

وأوضحت داليا بابكر، سودانية مقيمة بالإمارات، أنها تأثرت نفسياً كثيراً هذه الفترة، كونها إنسانة اجتماعية تحب اللمات والجمعات، ما جعلها تدخل موجة اكتئاب وخوف وانسداد بالشهية، في ظل الأخبار المتداولة عن كورونا.

وقالت: «أحاول التواصل مع الأصدقاء المقربين والأهل عبر مواقع التواصل من باب الاطمئنان، إلا أنها لا تغني عن نمط حياتي السابقة، وأشعر بأن الجميع ابتعد، لكنني أحرص على منح العذر لهم، فكلنا بحالة صدمة وذعر، وأحياناً كثيرة أهرب من الواقع وسوشيال ميديا بمتابعة بعض الأفلام».

سينما «أونلاين»

وأفادت سارة سكاف، بأن تكنولوجيا التطبيقات الذكية ساعدت كثيراً على تقليل وطأة الحجر والتباعد الاجتماعي، إلا أنها بالتأكيد لا تعوض اللمة التي اعتدناها سابقاً، مؤكدة أنه لولا وجود التكنولوجيا بحياتنا لدخلنا في حالة جنون، ودخلنا حالة العيش في قوقعة مغلقة عن العالم المحيط بنا.

وأضافت: «بالنسبة لي شخصياً كان علي الخضوع للحجر المنزلي لمدة أسبوعين، كون محل عملي وإقامتي بدبي، كي أتمكن من الرجوع لبيت العائلة في أبوظبي، ما جعلني أدخل في نوبة الشعور بالوحدة وملامسة مشاعر الكثير من الناس الذين احتجزوا ببلدان العالم ولم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وأسرهم».

وتحرص سارة عموماً على التواصل مع صديقاتها عبر التطبيقات بمكالمة فيديو، كما كثيراً ما يتشاركون مشاهدة أفلام ومسلسلات نتفليكس بطريقة جماعية أشبه باجتماعهم معاً للذهاب بنزهة إلى السينما.

توازن وانسجام

أكدت خبيرة البروتوكول والاتيكيت الاجتماعي أمل آل علي، أن تطبيق مفهوم التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي فرصة لإعادة التوازن بين التواصل مع الذات والتواصل مع الأصدقاء والأهل المقربين، مشيرة إلى أنه الوقت المناسب لعلاج النفس من الضغوطات الخارجية والطاقة السلبية من بيئة العمل أو الدراسة، وإعادة مشاعر الانسجام مع أهل البيت، ومنح الحب والتقدير لأبسط الأمور.

تباعد جسدي لا معنوي

وشددت د. سفانة حسن الفردان، مختصة في الطب النفسي بمستشفى مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي، أن التباعد الاجتماعي لا يعني الانقطاع التام، بل يقتصر على التباعد الجسدي وليس المعنوي، مشيرة إلى أنه لا يمنع التواصل اليومي أو الأسبوعي مع الأهل والأقارب والأصدقاء عبر مواقع التواصل والمكالمات الهاتفية، ما يخفف الشعور بالوحدة ويقلل من الأعراض النفسية السلبية لدى الفرد.

ونصحت الفرادن بضرورة اتباع روتين مشابه للروتين الاعتيادي ما قبل أزمة كورونا، ليوفر نوعاً من الاستقرار النفسي والجسدي من ناحية الساعة البيولوجية في هذه الأوقات الصعبة والمؤقتة، فضلاً عن اللجوء إلى طبيب نفسي في حال استمرار بعض الأعراض النفسية التي تؤثر على روتين الشخص اليومي، مثل: اضطرابات مستمرة في المزاج، مشاكل في النوم وشهية تناول الطعام وغيره، والتي تدل على تحول هذه الأعراض المبالغة لمرض نفسي، موصية بضرورة التفاؤل بالخير والتفكير بإيجابية.