الأربعاء - 22 مايو 2024
الأربعاء - 22 مايو 2024

ياسر القرقاوي: لولا المسرح لغاب الإنتاج الرزين عن التلفزيون.. وعزوف جمهور أبو الفنون مستمر حتى إشعار آخر

ياسر القرقاوي: لولا المسرح لغاب الإنتاج الرزين عن التلفزيون.. وعزوف جمهور أبو الفنون مستمر حتى إشعار آخر

ياسر القرقاوي

أكد رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الوطني ياسر علي القرقاوي، أن الرهان اليوم على الصناعات الإبداعية، التي عرفها بأنها مفهوم جديد للإنتاج القائم بذاته بعيداً عن الدعم الحكومي المباشر، معترفاً بأن المسرحيين يحتاجون إلى وقت حتى يتمكنوا من هضم فكرة إدارة الإنتاج الفني كصناعة تكتفي بتمويلها ذاتياً بعيداً عن الدعم الحكومي.

وقال القرقاوي في حديثه مع «الرؤية»، الذي أكد فيه التزامه بالصدق والشفافية بعيداً عن المجاملات: «إنه لولا المسرح لما نجحت الدراما التلفزيونية في تقديم إنتاج رزين يضفي على الثقافة الخليجية رونقاً خاصاً بها، داعياً إلى استلهام التجربة المسرحية الأوروبية الناجحة، التي تعتمد على الموازنة في المعالجة الدرامية لتناسب المختصين والجماهير معاً».

واعترف بأن المسرح الذي يأخذ الصبغة التجارية والشعبوية شكلاً سيئاً لا يصلح، لا سيما وأن الهدف منه مادي فقط، لذلك تأتي عروضه هزيلة وغير مرضية للنقاد والمختصين، مشيراً إلى أن العزوف الجماهيري عن المسرح ليس مقتصراً على الإمارات بل لمسه في زياراته الخارجية، معتبراً ذلك مرشح للاستمرار حتى إشعار آخر، نتيجة لتعدد المغريات الترفيهية الأخرى الأكثر جذباً، وتغير الذائقة.





هل كان اسم مسرح دبي الشعبي العائق الذي يقف أمام أداء مهمته الثقافية، لذلك جرى تغييره إلى «دبي الوطني»؟

بالطبع لا، فالتغيير نتيجة مباشرة لتغير أهداف المسرح واستراتيجيته والخطط الجديدة التي تتماشى ومعطيات القرن الـ21، خاصة بعد أن أضحت دولتنا ذات طابع عالمي، وفي الوقت نفسه تغيرت ديموغرافية جمهور الثمانينيات والتسعينيات تماماً، حيث صار الجمهور أكثر انفتاحاً على ثقافات العالم، ومع تطور إنسان الإمارات، كان لا بُدَّ من تطوير آليات العمل، والاسم بطبيعة الحال يجب أن يعكس المضمون، فجاء مسرح دبي الوطني اليوم ليعكس ثقافة دبي العالمية، وتعدد الثقافات التي تحتضنها.

لكن هناك آراء تعتقد أن المسرح الإماراتي شكل فني في طريقه للاندثار..

توقع كثيرون أن يختفي المسرح مع طفرة السينما، كما تنبأ البعض أيضاً بأن تختفي الإذاعة بعد اختراع التلفزيون، ولكن الواقع أثبت لنا أن كل شكل من أشكال التعبير الإنساني يختلف ويتطور، وهذا ما حدث مع المسرح الذي استفاد من الطفرات العلمية مثل الكهرباء والإنارة ليقدم عروضاً بشكل مختلف بتقنيات حديثة مغايرة للفترة السابقة، لذلك يعتقد الكثيرون أن المسرح الإماراتي سيندثر لأن الجمهور انشغل بوسائل التواصل الاجتماعي وصالات السينما، ولكن هذا التخمين غير صحيح تماماً، فالمسرحيون واعون تماماً للمرحلة التي نحن عليها، فالمسرح الإماراتي يحتاج إلى دعم حكومي مباشر ليستمر في رسالته الجماهيرية، ولعل المهرجانات المسرحية على مستوى الدولة خير دليل، فأيام الشارقة المسرحية أكمل عقده الثالث بخطى ثابته، إلى جانب مهرجانات مختصة في مسرح الطفل و الشباب، ومؤخراً مهرجان متكامل للمسرح المدرسي، وإلى يومنا هذا في الخليج كله ليست هناك ظاهرة تضاهي المشهد الأدائي في الإمارات.

هناك آراء تتهم المسرحيين في الخليج عامة والإمارات خاصة بالفشل في قيادة سفينة «أبو الفنون»..

وجهة نظر نحترمها، ولكن أرى أن الفنون المسرحية في شبه جزيرة العرب جديدة مقارنة بالدول التي سبقتنا في هذا المجال الثقافي، وفي الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية انتشرت الفنون الأدائية في كافة دول الخليج، واستهجنها الناس بطبيعة الحال، فالمسرح له تقاليده الخاصة به، و التي لم يعتد عليها جيل ذلك الزمن، وعلى الرغم من ذلك فإننا نرى أن الفنون المسرحية قد ازدهرت في الإمارات والكويت والبحرين بشكل لافت للنظر في أقل من قرن، ولدينا اليوم مكتبة خليجية وإماراتية مرئية لعروض مسرحية، ومكتبة من النصوص المسرحية الخليجية التي أضافت الكثير للثقافة العربية والعالمية، بجهود جبارة وإمكانات بسيطة، والرهان اليوم على ما يسمى بالصناعات الإبداعية، وهو مفهوم جديد للإنتاج القائم بذاته بعيداً عن الدعم الحكومي المباشر، وبالطبع نحتاج إلى بعض الوقت حتى يعتاد المسرحيون على إدارة الإنتاج الفني كصناعة تكتفي بتمويلها الذاتي بدلاً من الدعم الحكومي، كما أن إنتاج الدراما التلفزيونية في الخليج العربي ما زال يستفيد من التجربة المسرحية، ولولا المسرح لما نجحت الدراما التلفزيونية في تقديم إنتاج رزين يضفي على الثقافة الخليجية رونقاً خاصاً بها، ولا أخص الممثلين فقط، بل حتى على مستوى كتابة النصوص الدرامية والخطاب الدرامي و غيره من عناصر الفنون الأدائية والتقنيات البصرية.

هل تعتقد أن المهرجانات المسرحية فعاليات على ورق لا تغني ولا تسمن؟

لدينا صعيدان في المهرجانات الثقافية على العموم، الأول يأخذ الصبغة التجارية والشعبوية وهو شكل سيئ لا يصلح حقيقة لما يتم تقديمه ثقافياً، فإن كان الهدف مادياً فقط أو سياحياً، تأتي العروض تجارية هزيلة وغير مرضية للنقاد والمختصين، وهذا لا نتمناه، أما الصعيد الثاني فهو المهرجانات النخبوية والدارجة حالياً في ثقافة الوطن العربي إجمالاً، والخليج خاصة، فهذه النوعية من المهرجانات تعد منصات للتنافس على الجوائز المحفزة للفنانين لإظهار طاقاتهم الإبداعية، حيث يستفيد المشاركون بالتواصل والتعارف وتبادل الخبرات والتقنيات والأفكار، ففوائدها لا تحصى ثقافياً وأدبياً وتقنياً، لذلك يجب أن نستلهم التجربة المسرحية الأوروبية الناجحة، التي تعتمد على الموازنة في المعالجة الدرامية لتناسب المختصين والجماهير، وبذلك نكون قد حققنا معادلة الصناعة الإبداعية التي تقرّب العروض الرصينة للجمهور بما يشتهيه في بساطة الطرح وعمق المعنى، ولا شك لدي أن صناعة السينما العربية تعاني من المشكلة نفسها، فما يتم تقديمه في صالات العرض السينمائية يختلف عما يتم المشاركة به في المهرجانات الدولية.

من المتهم الأول في تراجع دور المسرح في الخليج وخاصة في الإمارات؟

قبل تحديد سبب التراجع، يجب أن ندرك إذا كان عزوف جمهور الفنون الأدائية ظاهرة عالمية أم ظاهرة محلية، ومن تجربتي الشخصية وزيارتي للمسارح ودور الأوبرا في المملكة المتحدة وكذلك فرنسا، لمست عزوفاً جماهيرياً عن كافة الفنون المسرحية والموسيقى الكلاسيكية في العالم كله وليس في الخليج فقط، وهو نتيجة مباشرة لتعدد المغريات الترفيهية الأخرى الأكثر جذباً، فالزمن تغير والذائقة مختلفة تماماً عما كانت عليه الأجيال السابقة، لذلك نحاول من خلال مسرح دبي الوطني تقديم أعمال مسرحية جماهيرية ذات رسالة اجتماعية راقية في قالب كوميدي أشبه بالكاريكاتير الاجتماعي، وقد تجاوب معها الجمهور بشكل كبير، ومن أهمها مسرحية «بومحيوس» و«حرم معالي الوزير».

إذا وقع عليك الاختيار لقيادة السفينة المسرحية الإماراتية، فما هي القرارات التي ستتخذها للوصول لبر الأمان؟

في الإمارات 14 فرقة مسرحية، منتشرة جغرافياً من العاصمة أبوظبي إلى الفجيرة، وكلها بلا استثناء لديها الهموم والتحديات نفسها والتي تجعل من الإنتاج الإبداعي عملية صعبة للغاية، وأقولها بثقة، سأبدأ بتوحيد الجهود ورسم خطة عمل وطنية مرتبطة بأهداف تنمية المجتمع التي وضعتها القيادة، حيث سأعمل على إيجاد مقرات لتلك المسارح تتناسب مع مخطط كل إمارة، لتخدم فئة الشباب تحديداً في المناطق السكنية، إلى جانب وضع آلية إنتاج لخمس سنوات بما يتناسب مع ما يعرف بعصر (الصناعات الإبداعية)، لتكون كل فرقة مسرحية مكتفية ذاتياً من الموارد المالية الداخلية لها، إضافة للاهتمام بالعنصر الشبابي والوجوه الجديدة والبحث الدائم عن المواهب وتنميتها.