الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ناجي الحاي: المسرح العربي والمحلي يعاني غيبوبة.. ومعظم العروض مجرد أكروبات

رغم أن الفنان والمخرج المسرحي ناجي الحاي، يعد واحداً من الأسماء المهمة التي تفرض حضورها، عند الحديث عن أبرز نتاج المسرح الإماراتي، إلا أن صاحب الرائعة المسرحية «باب البراحة»، وغيرها من الأعمال التي عرفت التمثيل العربي والعالمي للدولة مراراً، فضل الابتعاد قليلاً من أجل العمل الاجتماعي الذي ينبع من باب إحساسه بالمسؤولية، مؤكداً أن تقديم المساعدة للآخر أهم لديه، من أعظم مسرحية من الممكن أن يقدمها، وهو سياق لا يمكن عزله عن عدم رضاه عن واقع «أبو الفنون».

وأكد الحاي، بالفعل، في حواره مع «الرؤية» أنه لا يفكر في العودة الآنية للمسرح إلا إذا وجده مكاناً مريحاً له، مشيراً إلى أنه ينظر إلى مكان عمله وكأنه بيته، والعاملين فيه أفراد أسرته يحرص كل منهم على الآخر، ويقوم كل واحد بدوره من أجل هدف يسعون جميعاً لتحقيقه من دون إغفال لخصوصية كل فرد وأسلوبه وطريقة تفكيره ورأيه.

ورغم أنه يرى أن الدراما الإماراتية خطت خطوات جيدة، إلا أنه يخاف عليها من الانزلاق في فخ الإنتاج من أجل الإنتاج فقط، محيلاً بشكل خاص، إلى ملاحظته في الفترة الأخيرة المزيد من التكرار، في الحكايات والشخصيات.

فيما أكد أن المسرح الإماراتي يعاني نفس أزمات نظيره في الوطن العربي، حيث يرى أن «أبو الفنون» عربياً فقد البوصلة وبات يعيش في غيبوبة يتمنى ألا تطول، نتيجة إهمال تراثنا المسرحي الكلاسيكي والذي لا يزال يمتعنا إلى اليوم بعد أن بات القائمون عليه يجرون خلف أمور زائفة كالمتعة البصرية، بينما غابت المتعة الروحية، وباتت المسرحيات عبارة عن صراخ وأكروبات وألوان وأجساد تتحرك بلا معنى، أو مسرحيات ينظر أصحابها طوال الوقت إلى جيوب الجمهور، لذلك يدغدغون مشاعرهم بأقبح الكلمات.



ناجي الحاي اسم لامع في الساحة الفنية الإماراتية، ورغم ذلك طاقتك تذهب إلى الأعمال الاجتماعية أكثر منها الفنية..

حقيقة كنت أتمنى دراسة المسرح لأعمل في المجال الفني، ولكنني درست علم النفس، فأصبح الفن بالنسبة لي مجرد هواية وهذا أمر كان يضايقني في البداية، ولكن أعتقد أنه شكل لي استقراراً كبيراً في حياتي ومنحني مساحة واسعة، لأعمل في المسرح بحرية متى وكيف ما شئت.

وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي يتطلبه العمل الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق برعاية أصحاب الهمم وكبار السن والأيتام والأطفال والأحداث الجانحين وغيرهم، إلا أنني لم أتوقف عن الكتابة والإخراج للمسرح.

ولا شك أن اهتمامي بالعمل الاجتماعي ينبع من باب الإحساس بالمسؤولية وضرورة الإبداع والابتكار فيه، وتطويره وتنميته لأنه يشكل جزءاً كبيراً من اهتمامي ربما يفوق اهتمامي بالمسرح، فلا أخفي أن تقديم المساعدة للآخر أهم عندي من أعظم مسرحية من الممكن أن أقدمها.



هل ابتعدت عن الفن بشكل قطعي أم أنك ستعود عندما تجد الوقت المناسب؟

حقيقة لا أفكر في العودة الآنية للمسرح إلا إذا وجدته مكاناً مريحاً لي، فحياة الإنسان قصيرة مهما طالت، وعلى الإنسان أن يختار لنفسه منهجاً يناسبه، وبالنسبة لي أحب أن أقضي أوقاتي بسعادة سواء في العمل الاجتماعي أو المسرحي، فأنا أحب أن أتعامل مع المكان وكأنني في بيتي، والعاملين معي وكأنهم أفراد عائلتي يحرص كل منا على الآخر، ويقوم كل واحد بدوره من أجل هدف نسعى جميعاً لتحقيقه من دون إغفال لخصوصية كل فرد وأسلوبه وطريقة تفكيره ورأيه.



بكل تأكيد تتابع الدراما والمسرح الإماراتي كيف تجدهما؟ هل تحركت إلى سياق جيد؟

أعتقد أن الدراما الإماراتية خطت خطوات جيدة، لكن الخوف عليها من الانزلاق في فخ الإنتاج من أجل الإنتاج فقط، حيث يتعين على القائمين عليها الاستفادة من خبرات المختصين والمثقفين، واستشارتهم لأنه لوحظ في الفترة الأخيرة تكرار في الحكايات والشخصيات.

أما بالنسبة للمسرح الإماراتي فهو يشبه أشقاءه في الوطن العربي، مع بعض الاختلاف لأنه موسمي لظروف لا يتسع المجال للحديث عنها الآن، ولكن قبل الحديث عن تطور المسرح علينا أن نتفق على مؤشرات لقياسه، فالمسرح مكان حيوي وعلاقة تفاعلية مع الناس وهذا ما يميزه عن غيره من الفنون، فهل من الممكن اعتبار المسرح متطوراً من خلال تزايد عدد الحضور، أم من خلال كم المسرحيات النخبوية أو عدد المهرجانات أم من خلال مقاييس أخرى.

وفي بريطانيا على سبيل المثال يتزايد الإقبال على مسرحيات وليم شكسبير بينما في عالمنا العربي، يتزايد الإقبال على المسرحيات الهزلية التي لا يعرف المتفرج من كتبها أو أخرجها، ولا يكترث إلا لما سيسمعه من قفشات أو ما يدعى «إيفيهات» من مجموعة من المهرجين. ولا شك أن المسرح الهزلي موجود في كل دول العالم، وله أناس متخصصون به وله جمهوره وينطبق ذلك على كافة الأشكال، والأساليب المسرحية.

لكن يجمع بين أعضاء الفرق المسرحية خارج عالمنا العربي فكر ونهج وأسلوب، ولكل فرقة جمهور ولا أحد يلغي الآخر أو يقصيه، ولكن المفارقة في وطننا العربي أن نفس الفنانين الذين تراهم في المسرحيات الغارقة في التغريب والتجريب وتسمعهم يتشدقون بمصطلحات المشهدية والمتعة البصرية، وحركة الجسد يقدمون أسوأ المسرحيات الهزلية.



وبرأيك كيف تشخص أزمة المسرح العربي؟

المسرحيون العرب قدموا نموذجاً فريداً من نوعه للعالم، حيث قسموا الأعمال المسرحية إلى قسمين الأول للمهرجانات والآخر للجمهور، لكن غرق كل قسم في عالمه فغاب المسرح الحقيقي.

من يشاهد المسرحيات النخبوية يجد أنها كالغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة فلا أتقنها ولا استطاع العودة إلى مشيته. والمسرح العربي يحتاج للعودة إلى ثقافته العربية وتراثه العريق لينهل منه بأسلوب حديث وليس التعامل مع التراث كمتحف مع الاستفادة من الفكر العالمي المتاح لكل البشرية، ففي اليابان مثلاً التي تقدم فيها أحدث المسرحيات وباستخدام تكنولوجيا متطورة جداً لا تزال تهتم بتراثها وفنونها المسرحية القديمة التي ظهرت قبل أكثر من 3 قرون كمسرح النو ومسرح الكابوكي ومسرح الدمى أو ما يدعى بمسرح البونراكو.

بينما نحن أهملنا كل تراثنا المسرحي الكلاسيكي الجميل والذي ما زال يمتعنا إلى اليوم وصرنا نلهث خلف أمور زائفة كالمتعة البصرية بينما غابت المتعة الروحية، وباتت المسرحيات عبارة عن صراخ وأكروبات وألوان وأجساد تتحرك بلا معنى، أو مسرحيات ينظر أصحابها طوال الوقت إلى جيوب الجمهور، لذلك يدغدغون مشاعرهم بأقبح الكلمات. فهل يعقل أن يكون شكسبير موجوداً في الثقافة الشعبية للإنجليز ومثله بوشكين وتولستوي وتشيخوف لدى الروس وبروتولد بريشت لدى الألمان، بينما يغيب المتنبي عن ثقافتنا، فأنا أجزم بأن 90% من أبنائنا لم يسمعوا به، والسبب يعود للحالة النخبوية الضيقة التي تعيشها الثقافة العربية، وكأن المثقفين فضائيون وما يقدمونه من إنتاج لا يفهمه العامة لذلك أتصور أن الثقافة العربية بصورة عامة والمسرح العربي خاصة فقد البوصلة وصار يعيش في غيبوبة أتمنى ألا تطول.