السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«الجزيئات النانوية».. تؤخر الشيخوخة وتشفي من الأمراض

«الجزيئات النانوية».. تؤخر الشيخوخة وتشفي من الأمراض

داخل مبنى ضخم يتربع وسط مساحة شاسعة في مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا الأمريكية يقع معمل متخصص في برنامج الطب النانوني الانتقالي تابع لمؤسسة مايوكلينيك الصحية. يهتم ذلك البرنامج بتطوير أجهزة استشعار نانوية ومنصات لتصميم الأدوية الخاصة بمكافحة الأمراض.

داخل المعمل، يعمل فريق متعدد التخصصات من العلماء والأطباء بالتعاون مع مؤسسات كُبرى لابتكار أدوية جديدة تُساهم في علاج معظم الأمراض المستعصية، بداية من السرطان مروراً بأمراض العضلات وصولاً لأمراض التنكس العضلي.

تقدم في التشخيص

لم يُحرز البرنامج تقدماً كبيراً حتى الآن في مجال ابتكار العلاجات الخاصة بتلك الأمراض، إلا أنه حقق نجاحات كُبرى في صناعة أدوات تشخيصية جديدة يُمكن أن تساهم في الكشف المبكر عن سرطانات البنكرياس والقولون.

على مدى السنوات القليلة الماضية، نشرت عشرات المعاهد حول العالم مئات من الأوراق البحثية التي تؤكد على جدوى الاستثمار في صناعة العقاقير النانوية. فما هي تلك العقاقير؟ وما مستقبلها؟

داخل أجسادنا، تتواجد ملايين الجزيئات النشطة بيولوجياً. حين تختل تلك الجزيئات، تمرض أجسادنا وتتدهور صحتنا. ببساطة، يُمكن لتقنيات التصنيع النانوني أن تبتكر مجموعة من المواد صغيرة الحجم القادرة على الحلول محل الجزيئات التالفة أو حتى محاولة إصلاحها.

وبحسب الكتاب الموسوعي «إن باودينغ ذا فيوتشر: ذا نانو تكنولوجي ريفوليوشن» للعالم الشهير بجامعة ستانفورد، إريك ديكسلر، فإن الجسم «ساحة معركة عسكرية للجزيئات النانوية» ينتصر فيها الجسد في أوقات معينة، ويُهزم شر هزيمة في أوقات أخرى.

جزيئات نانوية بشرية

تقوم الجزيئات النانوية في أجسادنا بكل الأعمال اليومية، بدءاً من هضم الطعام، التحكم في حركة القلب، حرق الدهون وعمليات الأكسدة.. باختصار، تقوم تلك الجزيئات بإمدادنا بكل ما نحتاج إليه للحياة.

فعلى سبيل المثال، أثناء عمليات النمو، الشفاء وتجديد الخلايا، تقوم تلك الجزيئات - المبرمجة بواسطة الجينات - بصناعة العظام، الكولاجين، بناء الخلايا الجديدة، تجديد الجلد وشفاء الجروح.

تتحكم في تلك العمليات بالكامل الأجهزة الجزيئية. لكن، كلما تقدم بنا العمر ضعفت تلك الأجهزة وفقدت مرونتها وتدهور أداؤها، وهو الأمر الذي يعني إصابة الجسم بأمراض عديدة، إذ ينهار نشاط الجسم، وتتقوض عملية بناء خلاياه ويعجز عن مقاومة الغزاة المحتملين، ويكوّن خلايا مسرطنة تفتك بالجسم وتُسبب الوفاة الحتمية.

بين الماضي والمستقبل

في حالة المرض، يقوم الأطباء بتنفيذ مجموعة من البروتوكولات العلاجية. ففي السرطان على سبيل المثال، يقوم الأطباء بعلاج المرضى بواسطة العلاج الكيميائي والإشعاعي والهرموني. كما يقوم بعضهم بإجراء تدخلات جراحية - شديدة القسوة في بعض الأحيان - يدوية لإصلاح عيوب الجسم عن طريق استئصال الأورام السرطانية أو تسليك أوردة وشرايين القلب والأوعية الدموية في حالة الأمراض القلبية الوعائية أو حتى زراعة الأعضاء في حالة فشل أعضاء الجسم في القيام بوظائفها.

لكن، تلك الطرق تكتنفها العديد من المخاطر، والتي تشمل التخدير أو رفض الجسم للأعضاء المزروعة أو ترك بعض الخلايا السرطانية بدون استئصال، ما يؤدي لانتشارها وتكون الأورام الثانوية العصية على العلاج.

ونظراً لتلك المخاطر، يحاول الأطباء إرجاء التدخلات العنيفة والتعامل بالأدوية والعقاقير.

عمل الأدوية التقليدية

تؤثر الأدوية في الجسم على مستوى الجزيئات. فبعض العلاجات كالأنسولين مثلاً ضرورية لعلاج بعض أنواع مرض السكري، إذ تزود الجسم بمواد يفتقر إليها. وبعضها - كالمضادات الحيوية - تزودنا بمواد لا يُمكن للجسم البشري إنتاجها من الأساس. كما أن هناك عقاقير تلتصق بجزيئات الجسم وتقوم بتعديل وتغيير سلوكها، فتقلل على سبيل المثال إفراز أحماض المعدة أو تنشط الكبد أو تُصلح الدماغ.

تتكون كل الأدوية من جزيئات صغيرة، في الغالب تكون عبارة عن سموم انتقائية تلتصق بالمُمرضات وتقوضها وتحطمها من الداخل. وبتلك الطريقة تقضي على العدوى أو أسباب المرض، لكن بعضها يفشل بصورة كُلية.

لذا، يحاول العلماء الوصول لمجموعة من الجزيئات التي يُمكن أن تنجح في علاج الأمراض بشكل غير محدود. كان الاتجاه الأمثل هو «تصغير الجزيء» لما دون حجم النانو للوصول إلى خواص جديدة، تُمكنه من علاج الأمراض المستعصية.

الأدوية النانوية

تتواجد في الطبيعة آلاف المركبات، بخواص مختلفة ومتباينة فيما بينها. تعتمد تلك الخواص على طبيعة المركب، وحجمه، وشكله الهندسي في الفراغ.

فعلى سبيل المثال، للذهب، ذلك المعدن البراق خواص في حجمه الطبيعي، تختلف بشكل كامل عن خواصه النانوية.

يقول العالم الشهير بيل دوجرادو، «إن كيمياء النانو ستكون لها القدرة على حل كل مشكلات التشخيص والعلاج في المستقبل».

ففي المستقبل القريب، ستساعد التكنولوجيا النانوية على نقل العمليات الجراحية والتدخلات العنيفة من مستوى الأعضاء إلى المستوى الجزيئي، إذ ستقوم جزيئات نانوية مبتكرة في العمل «كمقصات» صغيرة قادرة على اختراق النسيج، وقص الجزء المتدمر، أو إصلاحه، أو حتى مهاجمة كل مستعمرة بكتيرية بشكل منفرد.



النانو والجهاز المناعي

يمكن للجزيئات النانوية أن تحاكي دور خلايا الدم البيضاء ومهاجمة الغزاة. فالأدوات النانوية الطبية يمكنها اكتشاف وإبطال فاعلية الجراثيم غير المرغوب بها. ومهاجمة الفيروسات بأنواعها المختلفة. وحتى مساعدة الجسم على مكافحة الالتهاب والتعافي من آثاره.



النانو ومستحضرات التجميل

يُعد الجلد أكبر أعضاء الجسم. كما أنه أكثرها عرضة للعدوى كونه مكشوفاً باستمرار للمؤثرات البيئية المختلفة. ولعل من أول التطبيقات لتكنولوجيات النانو أدوات التجميل.

فبعض الشركات وظفت بالفعل تكنولوجيا النانو لتصنيع مجموعة من المنتجات شبه الطبية لمعالجة آثار العمر على البشرة، وإزالة التجاعيد وإكساب الجلد نضارة. وعلى الرغم من أن ذلك الطريق لا يزال في بداياته، إلا أن مستقبله مأمول ومضمون.

فالكريمات المعبأة بجزيئات نانوية يمكن أن تؤدي مجموعة من الوظائف بشكل أفضل وأكثر انتقائية في تنظيف الجلد الميت وإزالة الزيوت الزائدة وإضافة العناصر المفقودة. كما يُمكن أن تدخل بسهولة عميقاً في البشرة لإمدادها بالمغذيات اللازمة لحفظ نضارتها ولمعانها.

كما يُمكن استخدام تلك التقنيات لرعاية الأسنان. فقط عليك أن تتخيل غسول فم يتعرف على البكتيريا الضارة المُسببة للرائحة الكريهة وتدميرها، مع الحفاظ في الوقت ذاته على الكائنات الدقيقة غير الضارة وتأمين بيئة نشطة صحية ملائمة لتكاثرها.

كما يُمكن لبعض الجزيئات إزالة المواد المتراكمة على الأسنان ليسهل شطفها بالماء. أو حتى يُمكنها إمداد الأسنان بالعناصر المغذية كالفلوريد النشط لحفظها من التسوس.

غواصات جزيئية

تناولت بعض أفلام الخيال العلمي صورة أبعد من العلاج السطحي، إذ صورت جزيئات صغيرة - في صورة غواصات - تبحر داخل الدماء وتنتقل ما بين الخلايا وتعدلها وتنقل إليها عناصر غذائية تساعدها على الحياة بصورة أفضل ولفترة أطول.

فعبر استخدام النانو تكنولوجي، يُمكن تصميم مجموعة من الأجهزة المناعية لاستخدامها في مجرى الدم، وداخل القنوات الهضمية، كما يُمكن أن تُصمم حسب الطلب. فمثلاً، إذا ما تأكد الطبيب أن المهمة ستنجز في خلال ساعة واحدة، يمكن تصميم الجهاز المطلوب ليتفتت أو يتحطم بعد ساعة واحدة فقط.

القضاء على السرطان

يُعد السرطان أحد أكبر مسببات الوفاة في العالم. وهو هدف رئيسي للأدوية النانوية.

فعلى الرغم من أن الجهاز المناعي قادر على القضاء على معظم الأورام السرطانية المحتملة، إلا أن بعض تلك الأورام يصمد ويستمر وينتشر داخل الجسم.

فالنسيج السرطاني هو نسيج يتكون داخل الجسد من مواد موجودة بالفعل في الجسم لكنه يختلف بشكل كامل عن النسيج الصحي الذي يتكون من خلايا طبيعية منظمة بجانب بعضها البعض وتتكاثر بشكل طبيعي غير مفرط. وبالتالي، وبسبب التشابه بين النسيج السرطاني والنسيج الطبيعي، لا يستجيب الجسم للأدوية التقليدية في كثير من الأحيان.

يُمكن للأجهزة النانوية والجزيئات النشطة بيولوجياً أن تستهدف الخلايا السرطانية بناء على معدلات تكاثرها. أو الإشارات الصادرة من بيئتها. ويمكنها أيضاً حشد الخلايا المناعية للوقوف ضد الانقسام المفرط لتلك الخلايا.

إعادة بناء الأنسجة

تستطيع الجزيئات النانوية القيام بدور كبير في عملية ترميم وإعادة النسيج المتضرر إلى حالته الطبيعية. فعلى سبيل المثال، تحدث أمراض القلب في الغالب نتيجة نقص التروية الدموية والتي ينجم عنها توقف تغذية عضلة القلب.

في تلك الحالة، يتضرر النسيج القلبي بدون رجعة.