الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

سليمان الجاسم: أيام الشباب حقبة عصيبة مهدت طريق تحقيق الطموحات.. والاغتراب منحني مهارة استثمار الفرص

سليمان الجاسم: أيام الشباب حقبة عصيبة مهدت طريق تحقيق الطموحات.. والاغتراب منحني مهارة استثمار الفرص

قال الدكتور سليمان الجاسم إنه لم يمتلك وقت فراغ طوال مسيرته، حيث كانت مرحلة الشباب عصيبة ويستغل خلالها وقته بين العمل والدراسة والقراءة في مختلف مجالات العلوم الإنسانية والمسرح والشعر، مؤكداً أن الكاتب محمد حسنين هيكل كاتبه السياسي المفضل، وأشعار نزار قباني رفيقة دربه، كما أن صوت أم كلثوم وفيروز وعبدالحليم حافظ ومحمد عبده كانت تؤنس غربته.



وأكد الجاسم في حواره مع «الرؤية» أنه يعتز بأيام مرحلة الشباب التي كانت حافلة بالنشاط والطاقة والحيوية وحاول خلالها تثقيف نفسه وبناء شخصيته ليكون قادراً على اتخاذ القرارات المصيرية في حياته، مبيناً أن غربته في مقتبل العمر والبعد عن الأهل لسنوات طويلة جعلته يعتمد على نفسه في كل صغيرة وكبيرة ويغتنم الفرصة الجديدة في التعلم وبناء الذات.



سليمان الجاسم تنقل في مسيرته العملية بين محطات متنوّعة، سواء في المجال التربوي والتعليمي أو الدبلوماسي والثقافي، حيث تقلد مناصب مدير الديوان الأميري في الفجيرة، مدير جامعة زايد، وزير الدولة المفوض في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية، وغيرها.



واعتبر إقامته في القاهرة لعام واحد محطته الحياتية الأهم، لكنه يرى أن قراره ترك العمل في الديوان الأميري بالفجيرة الأصعب خلال مسيرته، وبعد مسيرة طويلة ممتدة لـ50 عاماً، لا تزال مستمرة وثرية، بين مسقط رأسه قرية مربح الوادعة بالفجيرة، مروراً بخور فكان ودبي التي يتردد عليها أسبوعياً في مهام عمله، وغيرهما يتمنى الجاسم أن يكون قد وفق في المهام التي وهب حياته لها، وأن يكون قد ساهم ولو بقدر بسيط في رسم خريطة الحياة التعليمية بالإمارات.. وتالياً نص الحوار:



*نشأة الإنسان ترسم ملامح اهتماماته وميوله، فكيف لعبت طفولتك دوراً في بناء شخصيتك؟

ولدت في قرية مربح الوادعة بالفجيرة، وكان والدي تاجراً ميسور الحال، وكان من البديهي في ذاك الزمان أن يلحق الولد بأبيه ويسير على خطاه، ولكن والدي كان مؤمناً بالعلم، وأصر على أن نلتحق أنا وأشقائي الأربعة بالتعليم، وكانت حلقات تحفيظ القرآن على أيدي المطاوعة أولى محطاتنا في تلقي العلم، ثم الالتحاق بمدارس خورفكان ودبي لعدم وجود مدارس في الفجيرة آنذاك، وكان التعليم في الإمارات تحت إشراف وزارة التربية والتعليم بالكويت، لذلك كان هناك توجه لتأهيل الطلاب للقيام بمهام مهنة التدريس بعد تخرجهم، فاستحدثوا معهد المعلمين في ثانوية دبي، ودرست مع الطلاب منهج الثانوية، إضافة إلى المواد التربوية والتعليمية ثم حصلت على دبلوم معهد المعلمين.



*كثير من أبناء جيلك التحقوا بمهنة معلم، فكيف أثرت تلك المرحلة في مسيرتك الحياتية؟

بعد التخرج من مدرسة المعلمين بدأت حياتي العملية، معلماً في مدرسة المهلب بن أبي صفرة في خورفكان التي كانت مدرستي في المرحلة الابتدائية، فأخلصت لهذه المهنة، وتملكتني رغبة العطاء وإفادة أبناء بلدتي، ثم تم ابتعاثي للدراسة في معهد التنمية الإدارية بالقاهرة، حيث الانتقال من قرية صغيرة هادئة إلى عاصمة كبيرة أقضي بها أيامي في الندوات السياسية والفكرية والعروض المسرحية وحفلات فناني الزمن الجميل في أم الدنيا.



*شهدت مسيرتك، خاصة في مرحلة الشباب، محطات مهمة، فما أبرزها؟

أعتبر إقامتي في القاهرة لعام واحد محطتي الحياتية الأهم حيث أكسبتني خبرات عدة، وعندما عدت إلى أرض الوطن فاجأني القدر بوظيفة إدارة المراسم في وزارة الخارجية، ليمنحني فرصة التعرف إلى مختلف ثقافات العالم، واقتربت أكثر لعالم الدبلوماسيين والشخصيات السياسية من كافة أنحاء العالم، وفي عام 1974 تم انتدابي ضمن مجموعة من الدبلوماسيين للدراسة في جامعة أكسفورد في بريطانيا، ودرست هناك عاماً كاملاً العلاقات الدولية والاقتصاد والقانون الدولي والمدرسة الدبلوماسية، ما أكسبني خبرة واسعة في مجال العمل الدبلوماسي عبر زياراتي المستمرة لوزارة الخارجية والبرلمان البريطاني ومقر حلف الناتو، وكذلك لوزارتي الخارجية الألمانية والفرنسية.



*ما أهم المحطات المحورية في حياتك العملية؟

عند عودتي من بريطانيا، توليت مهمة رئاسة الديوان الأميري في الفجيرة، وكانت بمثابة محطة محورية في حياتي، والتي جمعتني بمجموعة من المفكرين والباحثين من كافة مجالات المعرفة الإنسانية، وفي تلك الفترة التحقت للدراسة في جامعة الإمارات وتخرجت بكلية العلوم الإدارية، وتلك الفترة أكسبتني خبرات عدة لوجودي إلى جانب صاحب السمو حاكم الفجيرة الذي كان مرافقاً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في العديد من سفراته العربية والإقليمية، ما أتاح لي الفرصة لمرافقتهما ومكنني من أن أكون قريباً من مجلس الشيخ زايد.



*قراراتنا تغير خطواتنا في الحياة، فما القرار المصيري الذي كان بمثابة نقطة تحول في حياتك؟

أعتبر السفر إلى بريطانيا للحصول على دراسة الماجستير من أهم القرارات التي اتخذتها في حياتي حيث اعتذرت عن مهمتي الدبلوماسية في ديوان حاكم الفجيرة، وتمكنت أيضاً من الحصول على درجة الدكتوراه في تنمية القوى العاملة من جامعة إكستر، وبعدها دخلت مجال التعليم الذي أفنيت به حياتي حيث عملت لمدة 16 عاماً مديراً لشؤون المجتمع وتنمية القوى العاملة في كليات التقنية العليا في أبوظبي، وفي عام 2006 توليت مهمة كبيرة والتي كانت محطتي الأخيرة في رسم ملامح الحياة التعليمية في الإمارات، وهي إدارة جامعة زايد، التي أعتبرها واحدة من أهم الصروح التعليمية في الدولة.



*ما القرار الذي يمكن أن تصفه بالأصعب في حياة سليمان الجاسم؟

قراري ترك مهمة عملي في الديوان الأميري بالفجيرة، واصطحاب أسرتي معي إلى بريطانيا لإكمال دراستي العليا لفترة من أصعب القرارات التي اتخذتها في حياتي، ولكنه كان بمثابة تحدٍّ صنعت منه هدفاً وحيداً وهو النجاح في مهمتي الدراسية وإتمامها على أكمل وجه.



*الصداقة كنز من كنوز الحياة، فما نصيبك منها؟

خلال رحلتي الحياتية اكتسبت أصدقاء عدة، منهم زملاء الدراسة وفي الحقل الدبلوماسي وأصدقاء الغربة الذين نحرص على التواصل معاً حتى الآن، لكن مشاغل الحياة متعددة وكل منا أصبح له عالمه الذي يعيش فيه، ولكن الذي لا أنساه مجالسنا في شبابنا التي كانت مليئة بالأنشطة الثقافية والمعرفية من أمسيات شعرية وفنون مسرحية التي صقلت هذا الجيل بمهارات ثقافية وفكرية ومعرفية عدة، ما جعلني في مرحلة لاحقة أتوجه إلى عالم الثقافة، وأنا أمتلك كافة أدواتها، فتمكنت من الكتابة المسرحية، والتي تعد محطة مهمة في حياتي، حيث ساهمت في المشهد الثقافي المحلي بمجموعة من المسرحيات ومنها «سبعة صفر» التي تعد محاولة لكتابة عمل مسرحي يستلهم روح الاتحاد، فضلاً عن مسرحية «غلط في غلط».



*من حديثك، يتبين أن مرحلة شبابك كانت حافلة بالأنشطة، فهل تشعر أنك راضٍ عنها؟

أعتز بأيام مرحلة الشباب، فكانت فترة حافلة بالنشاط والطاقة والحيوية وحاولت خلالها تثقيف نفسي جيداً، وبناء شخصيتي لأكون قادراً على اتخاذ القرارات المصيرية في حياتي كالغربة للعمل أو الدراسة، وغربتي في سن صغيرة والبعد عن الأهل لسنوات طويلة جعلني أعتمد على نفسي في كل صغيرة وكبيرة في الحياة، فكل لحظة كانت تمر بمثابة تحدٍّ أحاول أن أجتازه وأخرج منه مغتنماً فرصة جديدة في التعلم وبناء النفس، لتكون مرحلة الشباب هي المرحلة الحقيقية للبناء الفكري والشخصي.



*كيف كنت تقضي وقت فراغك في فترة الشباب؟

الغريب أنه خلال حياتي لم أمتلك وقتاً للفراغ فكانت مرحلة الشباب عصيبة، وفرصنا للاطلاع على العالم الخارجي كانت فقط عبر المجلات والصحف القليلة التي كانت تأتي إلى الإمارات من مصر والكويت ولبنان، والتي كنا ننتظرها جميعها مثل مجلة المصور وآخر ساعة التي كنت أتبادلها مع أصدقائي.

كنت أقضي ساعات يومي بين العمل والدراسة والقراءة في مختلف مجالات العلوم الإنسانية والمسرح والشعر، وكان الكاتب محمد حسنين هيكل كاتبي السياسي المفضل، كما كنت عاشقاً لكتابات محمد الماغوط الأدبية، متخذاً من أشعار نزار قباني رفيقاً لي خلال غربتي، وكنت عاشقاً لصوت أم كلثوم وفيروز وعبدالحليم حافظ، ومحمد عبده وعبدالكريم عبدالقادر.



*بعد مسيرة 50 عاماً من العمل والدراسة، ما الذي يقوله سليمان لنفسه؟

أتمنى أن أكون نجحت في المهمة التي وهبت لها حياتي، وأن أكون قد ساهمت ولو بقدر بسيط في رسم خريطة الحياة التعليمية في الإمارات، وأن أكون من أبنائها المشرفين لتمثيلها في الخارج خلال فترة عملي الدبلوماسي، وأتمنى أن نكون نجحنا في تأسيس جيل جديد من المتعلمين والمبدعين والمواطنين القادرين على حمل شعلة النجاح والاستمرار في النهضة والبناء والرقي بوطننا وإكمال المسيرة بخطوات ثابتة ومبدعة.