الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

إبراهيم جمعة: رفاق الشباب أغلى كنز.. والفنان ملك وطنه وفنه وجمهوره

إبراهيم جمعة: رفاق الشباب أغلى كنز.. والفنان ملك وطنه وفنه وجمهوره

بعد 50 عاماً من التحليق في سماء اللحن والكلمة والطرب، يبدي ندمه مرتين على تركه لدراسته وعدم عودته إلى مقاعد التعليم مرة أخرى، ومع تراكم الخبرات وتحقيق الطموحات والمشاركة الفاعلة في المشهد الثقافي والفني الإماراتي يتوسم أن يكون وفق في خطواته وقراراته التي اتخذته في حياتي، وأن يكون ساهم ولو بقدر بسيط في رسم خريطة الحياة الفنية بالإمارات وحلق بالأغنية المحلية إلى خارج حدود وطنها، إنه الملحن الإماراتي إبراهيم جمعة.

وأكد في حواره مع «الرؤية» قناعته أن رفاق الشباب هم أغلى الكنوز التي يمكن أن يظفر بها المرء طوال مسيرته الممتدة، لافتاً إلى أن مرحلة شبابه جاءت مليئة بالحماس والفرص الفنية والأصدقاء العاشقين للفن الذين كانوا بمثابة قارب وصوله إلى بر الألحان والأنغام، ،معتبراً ذاته كما كل فنان حقيقي ملكاً لوطنه وفنه وجمهوره.

وحول بداياته في عالم الفن، كشف إبراهيم جمعة أن معسكرات الكشافة نقطة انطلاقته نحو عوالم الفن، حيث كان يستغل الإجازة الصيفية في كتابة اسكتشات غنائية لغنائها مع زملاء الكشافة، مضيفاً أن أول أغنية له كانت وطنية، في عشق الإمارات، وتغنى بكلماتها عبدالله بالخير.





*تلعب النشأة دوراً كبيراً في رسم مستقبل الإنسان، فما كان تأثيرها عليك؟

أنا من أبناء دبي، ترعرعت في أحد أحياء منطقة ديرة، وكان يتميز باقترابه من البحر وحياة الصيد والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، فكان البحر صديقي الأول، والتحقت لحفظ القرآن على يد المطوع، ولكن لم أتمَّ حفظ القرآن كاملاً، ثم التحقت بالمدرسة الأحمدية الابتدائية، ومنها إلى الإعدادية، والتحقت بالمدرسة الثانوية التجارية، وكنت موهوباً في الموسيقى والغناء وعضو فريق الكشافة والمسؤول عن السمر بالفريق، وخلال الإجازة المدرسية كنت أكتب اسكتشات غنائية لأعضاء الفريق، وكنت متطوعاً أيضاً في البعثات الإماراتية خاصة أيام الحج، وقبل الحصول على شهادة الثانوية وظفت في مطار دبي الدولي.



*ما المحطة التي تعتبرها نقطة انطلاقتك الحقيقية في عالم الفن؟

في السبعينيات وبعد تأسيس دولة الاتحاد، كان حفل ختام أحد المعسكرات الكشفية في منطقة الحمرية بالشارقة، وكان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حاضراً الحفل، وكان الشيخ أحمد بن حامد آل حامد وزيراً للإعلام، والدكتور عبدالله النويس وكيلاً للوزارة، وقد لاحظا حينها نشاطي وحماسي الذي يدفعني للمشاركة في أنشطة متعددة، وشعرا بأنني موهبة شاملة في الغناء والتمثيل، وقررا نقلي من العمل في مطار دبي إلى مخازن وزارة التربية لتولي مسؤولية الكشافة والموسيقى والتربية الرياضية، ثم شاركت فيما بعد بمعسكر كشافة المفرق في أبوظبي، وتم بعدها انتقالي لوزارة الإعلام لتكوين فرقة موسيقية برئاسة الملحن عيد الفرج، وتقابلنا مع كثير من فنانين دول الخليج.





*لماذا تفرغت للموسيقى وعالم الألحان؟

خلال حرب 1967 تم إقامة حفل غنائي لدعم المجهود الحربي والتي شهدت ميلاد أول أعمالي الغنائية التي تغنى بها الأخ العزيز الفنان عبدالله بالخير، مع فرقة موسيقية تم تشكيلها من الأشقاء العرب في وزارة التربية من الموسيقيين والمعلمين في هذه الفترة.

وكانت إحدى أغنياتي وطنية والثانية عاطفية، وأدين بالفضل لهذا الصديق الوفي عبدالله بالخير الذي ساهم في انتشار أعمالي بالكويت والتي لحنها كبار الملحنين.



*كيف أثرت فترة الشباب وأصدقاء هذه المرحلة في مسيرتك؟

شبابي كان مليئاً بالحماس والفرص القدرية التي دفعتني لدروب الفن، وكذلك الصحبة التي يجمعها العشق الفني المشترك كانت أحد قواربي للوصول إلى بر الألحان والأنغام، فبعد أن قام صديق عمري ودربي عبدالله بالخير بإحياء الحفل الذي تم إقامته ليعود ريعه لدعم المجهود الحربي في مصر الشقيقة، كان في ذلك الوقت قد لمع نجمه، وتسابقت شركات الإنتاج الموسيقي على أغانيه التي هي من تلحيني، آنذاك قررت التفرغ للفن، وبدأت في أواخر السبعينيات بجمع التراث الشعبي المحلي، وقمت بتنقيحه وإضافة كلمات مؤلفة عليه بأسلوب يتناغم وذائقة الجيل، إلى أن قابلت الدكتور الفنان عبدالرب إدريس في معهد رمسيس للموسيقى بالقاهرة.

وخلال مشاركتي في حفل لطلبة الإمارات عرضت على عبدالرب إدريس أغنية «يا من بحبه بلاني» فأعجب بها، واندهشت حيث أخبرني بأنه قام بتلحينها للفنان الراحل أبوبكر سالم، وكان عمري حينها 24 عاماً، ثم صحبني بزيارة إلى منزل الفنان أبوبكر، وبعد تأكده من قدراتي على تكييف النص على اللحن، فاجأني أبوبكر بعد يومين من لقائنا باتصال أخبرني بأنه قرر أن يضم أغنيتي في شريطه الرسمي «حجة الغائب»، وكانت معظم أغاني الألبوم من ألحان الفنان عبدالرب إدريس، بعد ذلك توثقت علاقتي بأبوبكر وتعاملت معه بألحان خاصة، من ضمنها «طارشي ما جاب الخبر، وأصيل والله أصيل».





*الصداقة كنز من كنوز الحياة، فما نصيبك من هذه الثروة؟

خلال رحلتي الحياتية كونت صداقات عدة، منهم زملاء الدراسة والمجال الفني وأصدقاء الغربة الذين نحرص على التواصل معاً حتى الآن، فكانت تجمعنا اللقاءات الفنية والثقافية والرحلات للاطلاع على حضارات العالم المتباينة التي أثرت كثيراً على ثقافتي الفنية، فالأصدقاء هم الكنز الحقيقي للإنسان، فعندما أسترجع ألبوم ذكرياتي التي تجمعني بهم أتذكر الأيام الجميلة حيث الشباب بكل حماسه وتفاؤله، وأزداد سعادة لأننا نجحنا جميعاً في لعب أدوار حيوية في بناء الإمارات ليس في مجال الغناء فحسب، ولكن أيضاً في رسم الساحة الثقافية من فن تشكيلي ومسرحي وأدبي، فصديقي المقرب كان رجل الاقتصاد خلف الحبتور وكذلك الصحفي والكاتب الراحل عبدالله عمران، والدبلوماسي ورجل التعليم الدكتور سليمان الجاسم.



*وما الذكريات التي ما زالت عالقة في ذاكرتك حتى اليوم؟

الفترة التي قضيتها في القاهرة ما زالت محفورة بكافة تفاصيلها في ذهني ولا أستطيع نسيانها، فحملت لي الكثير من المفاجآت السعيدة حيث تم ابتعاثي مع مجموعة من الشباب الموهوبين الإماراتيين لحضور دورات بكلية التربية الموسيقية في القاهرة، ومنها تعرفت إلى أبناء الجاليات الخليجية الذين كانوا يمكثون في مصر لاستكمال دراستهم العلمية، وتقابلت معهم في العديد من الفعاليات، وأتذكر ذلك اليوم الرياضي الذي كان ينظمه نادي الجزيرة لإقامة المباريات بين طلاب دول الخليج، وكذلك الملتقيات الثقافية والفنية التي كانت مقراً لكثير من الشباب الخليجيين.





*حدثنا عن أهم القرارات المصيرية التي ندمت عليها.

ندمت على قرار ترك الدراسة للتطوع مع مجموعة من زملائي للاشتراك في الحرب للدفاع عن العروبة والتضامن مع إخواننا، وبالفعل سافرنا إلى العراق وخضنا تدريبات اللياقة البدنية ولكن قبل أن نكمل الاستعدادات انتهت الحرب، وما ندمت عليه بعد ذلك هو قراري بعدم العودة للدراسة، حيث اتجهت للعمل مباشرة، وأثر ذلك على فرصة التحاقي بالدراسة المنتظمة في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة، بسبب اشتراطه الحصول على الشهادة الثانوية.



*رغم نجاحك وانتشار ألحانك في الثمانينيات، لماذا قررت الاعتزال؟

أعتقد كان من أكثر القرارات التي سأندم عليها لو تمسكت به، فصرحت بذلك، وحينها كنت على اقتناع بقراري، ولكن تدخل مسؤول كبير واستدعاني لمكتبه، وكان في ضيافته كبار مسؤولي الدوائر، وعندما دخلت إليه نظر وقال لي عبارة ظلت لسنوات طويلة تردد في أذني ولن أنساها «لماذا تريد أن تعتزل؟ أنت لست لاعب كرة، وتعرضت لإصابة على إثرها تعلن اعتزالك، أنت فنان وفي مهمة فنية وعليك أن ترجع لعطائك في عالم الفن فوطنك في حاجة لك ولفنك»، وقد كانت كلماته بمثابة القوة الدافعة التي أشعلت بداخلي طاقة الإبداع من جديد وباشرت مهمتي الفنية بكل سعادة وفرحة، وحينها شعرت، كما كل فنان حقيقي، بأنني لم أعد ملكاً لنفسي ولكني ملك للوطن والفن والجمهور.





*بعد 50 عاماً من العمل في المجال الفني، ما الذي يقوله إبراهيم جمعة لنفسه؟

أتمنى أن أكون وفقت في كل خطواتي وقراراتي التي اتخذتها في حياتي، ونجحت أن أساهم ولو بقدر بسيط في رسم خريطة الحياة الفنية بالإمارات وأن أكون أخذت بيد الأغنية الإماراتية إلى خارج حدود وطنها، وأن أكون من الذين ساهموا في الحفاظ على التراث الشعبي الإماراتي وموروثه الغني.