السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

"دريم" عدسة شابة توثق الفلكلور وترصد حكايات الناس في صور

لُعبة أطفال أشبه بالكاميرا الصغيرة بداخلها عدد من الصور المُبهرة للطبيعة أو حيوانات لما يشاهدها من قبل، هي بمثابة مسرح مدهش، بالنسبة لطفل يعيش في أقصى صعيد مصر، يضع إحدى عينيه على فتحة صغيرة في تلك اللعبة ويضغط على زر بجانبها ليُقلب في عشرات الصور المتراصة والمُبهرة بالنسبة له، كانت تلك اللُعبة التي اقتناها في سن الرابعة كصندوق الدنيا الذي مثل بوابته لحب عالم التصوير الذي لم ينسَهُ ولو للحظة واحدة وحتى انتهاء دراسته الجامعية في كلية الزراعة جامعة أسيوط.

المُصور الشاب أحمد مُصطفى المُلقب بدريم أحد أهم مصوري الصعيد في مصر، ولأن الصعيد ذو خصوصية شديدة فهو منبع الأصالة والعراقة التي أعطت أهله صبغة خاصة ميزتهم حتى في صورهم التي يلتقطها دريم، فكان هو ذا صور أكثر تميزاً فيوثق التاريخ والتراث والمباني حتى ولو بلقطات للوجوه التي مثلت بالنسبة له لوحة تحكي حكايات الزمن.

يحمل كاميرته ويتجول في كل أرجاء الصعيد من المنيا إلى الأقصر وأسوان، يصور الموالد ومواسم الحصاد، لا يعنيه ما يتعرض له من تعب وترحال فكله من أجل صورة توثق لحظات لن تعود مرة أخرى، أو توثق لحرفة ربما تندثر، أو لبيت أثري ربما يُهدم.

ويقول لـ«الرؤية» «عشرات الحرف اليدوية بصعيد مصر مُهددة بالاندثار مثل مهنة «طالع النخل» أو المنجد البلدي وغيرها من الحرف التي أعمل على توثيقها من خلال الصورة، وبخلاف الصور هناك أماكن تفوح برائحة التاريخ وتقول إن أناساً وحياة أخرى مرت من المكان الذي أصوره، حكايات التاريخ منحوتة على أسوار الأماكن ووجوه الأشخاص، مؤخراً قمت بتصوير منزل في أسيوط يرجع تاريخه لأكثر من 116 عاماً من المفترض أن يكون تراثياً لكن ما حدث أن أهله قاموا بهدمه، حزنت كثيراً على ذلك لكن عزائي أن أحتفظ بصور لهذا الكنز التراثي».

يعمل مصطفى على توثيق كل ما له علاقة بالتراث، ويتولى مع إحدى المنظمات العالمية التي تعمل على ترميم بعض المنازل والأماكن التراثية تصويرها، فهو يرى أن للكاميرا دوراً كبيراً في دعم التراث المادي والحفاظ عليه من الاندثار، حتى الحرف المُهددة.

ويُضيف «أبحث عن القصص التي أقوم بتصويرها والأماكن التراثية من خلال شبكة علاقاتي في صعيد مصر، فأهتم مثلاً بتصوير المناسبات الدينية كاحتفالات مولد السيدة العذراء واحتفالات المسلمين بطقوسهم الدينية».

وللمرأة الصعيدية حضور كبير في صور مصطفى، خصوصاً أن المرأة الصعيدية لها خصوصياتها الشديدة كخصوصية الصعيد الذي نشأت فيه تماماً، ولا يكتفِ هو بالتقاط الصور فقط بل يُناقش قضايا مهمة عن المرأة من خلال تصوير الفيديو وإلقاء الضوء على قضايا تُعانيها المرأة في صعيد مصر.

ويقول لـ«الرؤية»: «ناقشت قضايا من خلال كاميرتي كحرمان المرأة من الميراث في الصعيد وهي قضية شائكة وكبيرة، بالتعاون مع القضاة العرفيين ومن خلال علاقاتي، تُدهشني شخصياً بعض القصص التي وثقتها مثلاً إحدى السيدات قالت لي لا أهتم بالحصول على ميراثي بقدر اهتمامي بألا يقطع شقيقي علاقته بي، فبعض النساء يؤصلن لأحكام العرف السائد دون البحث عن حقوقهن التي نادى بها الشرع».

يعكف مصطفى حالياً على توثيق مجموعة من الأماكن التراثية والقديمة في مدينته أسيوط، كمشروع شخصي لا يتبع أي جهة يقوم به بنفسه لتوثيق تلك الأماكن التي ربما تُمحى بفعل البشر.