الثلاثاء - 14 مايو 2024
الثلاثاء - 14 مايو 2024

عبدالعزيز المسلم: «الذاكرة الشعبية» أخذتني من الشعر والمسرح

عبدالعزيز المسلم: «الذاكرة الشعبية» أخذتني من الشعر والمسرح

يعتبر الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث نموذجاً للباحث الجاد الذي حدد ملامح مشروعه بعمق ودراية، حيث تمكّن من الوقوف على تفاصيل التراث بنقوشه المحفورة في ذاكرة الإنسان الذي عمّر أرض الإمارات، بامتلاكه ذاكرة تختزن تفاصيل الحياة القديمة على اختلاف ألوانها.

المسلم الذي يمتلك مسيرة حافلة بالعطاءات والإنجازات امتدت لعقود عدة بين عوالم المسرح والتراث،وساهم في تكريس وتقديم صفحات من الموروث الشعبي لدولة الإمارات، كشف أن تجربة شبابية بعجمان كرست حضوره البحثي والشعري.، في حين أن تحديات البدايات رسخت تكوينه الفكري والثقافي.

وفي الحوار التالي يروي لـ«الرؤية»، سنوات الزمن الجميل، وذكريات الشباب، ورحلته في العمل والحياة والتي ارتبطت بالبحث والتقصي، وبداياته في عالم التراث، وعشقه للشعر، كاشفاً عن أبرز المحطات في حياته، والتي شكلت شخصيته ووعيه، وأبرز الشخصيات التي تأثر بها خلال مسيرته.



كيف كانت نشأة عبدالعزيز المسلم؟

ولدت في إمارة الشارقة 1966، وكان والدي مستور الحال، ذا شخصية متفتحة ومرنة، ورغم أنه كان أمياً إلا أنه كان يتقن اللغة الإنجليزية، والهندية واللغة السواحلية، أما والدتي فكانت مهتمة بتعليمي أنا وشقيقي، وألحقتنا بالروضة في مطلع السبعينات، ومنذ الطفولة أتقنت لغات عدة إلى جانب العربية.





حدثنا عن أبرز العوامل التي حفزتك باتجاه الاهتمام بالتراث؟

دخلت إلى عالم التراث من باب الشعر، حيث إن التراث ينقسم إلى: مادي، العادات والتقاليد والمعارف الشعبية، المأثور الصوتي والحركي، والأدب الشعبي الذي ينتمي إليه الشعر، حيث بدأت الكتابة من عمر 13 عاماً، وبدأت حفظ القصائد وأناشيد العيالة وهي أهم الأدوات التي تساعد الشاعر على الاستمرار والعطاء وتنمي قدرته على الحفظ، وكنت أعرضها على أصدقائي المقربين.

بعد ذلك دخلت إلى عالم كتابة الخراريف، عندما كنت أشاهد والدتي وهي تعد البسيسة لوالدي أشعر أن بداخلي حكايات أستطيع سردها، وفي الثمانينات كنت أذهب وصديقي إلى الشاعر الإماراتي بن طناف الذي كان منزله مقصد الكثيرين من الشباب خاصة أنه يتميز بشخصية مرحة ومتمردة على العادات والتقاليد، وكنت أعرض عليه إنتاجي الشعري والذي كان يعتبر لا شيء بالنسبة له، ولكن كانت جلساتي في بيته بمثابة دورات تدريبية لي، وقد تعلمت منه لغات الغطو بأفرعها الثلاثة الأبجدي والدرسعي والريحاني، والتي تعتمد على فنون الترميز.





وكيف كانت الانطلاقة الحقيقية في هذا الإطار؟

في مرحلة الشباب، حيث كانت مرحلة مميزة في حياتي، كنت عضواً في مسرح الشارقة الوطني الذي كان بمثابة مدرسة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، حيث كان يضم مكتبة كبيرة ويقدم دورات في إجادة فنون اللغة العربية، وعندما لمس رئيس المسرح الشيخ أحمد القاسمي الذي كان والداً للجميع، تعلقي والصديق أحمد أبي رحيمة بالشعر، ابتعثنا في دورة تخصصية لـ60 يوماً لتأسيس باحثين في التراث الشعبي، وتعتبر هذه انطلاقتي الحقيقية في عالم التراث.

ما مدى تأثير هذه الرحلة في مشوار حياتك؟

كانت هذه الدورة منهجية وأكاديمية ضمت محاضرين أكفاء من ألمانيا وأمريكا بالإضافة إلى كفاءات عربية عالية، وكانت تحتوي على العديد من الاختصاصات في الأدب الشعبي والموسيقى والفنون الشعبية والثقافة المادية، وقد استمرت، ما يقرب من شهرين، كان الشهر الأول لدراسة ومتابعة الاختصاصات والفروع ثم يجري اختيار اختصاص الدراسة والبحث في الشهر الثاني.

اخترت الأدب الشعبي وما يتضمنه من لهجات وأمثال وحكايات شعبية، وعندما عدت كنت قد اختلفت وإلى الأبد وقد أدركت أن هذا هو طريقي الذي سأمضي به إلى آخره، وتعرفت إلى الموال المصري والعراقي وعلى اللغات والرموز السرية والطلاسم الموجودة داخل الشعر.





الصداقة كنز من كنوز الحياة، فما نصيبك من هذه الثروة؟

خلال رحلتي اكتسبت أصدقاء عدة، خاصة زملاء مسرح الشارقة الوطني الذين ما زلت أحرص على التواصل معهم حتى الآن، ومنهم أحمد أبي رحيمة، محمد يوسف، ماجد بوشليبي وعبد الله المناعي، وهي فترة كان لها تأثير إيجابي على بناء وعينا الثقافي، حيث كانت مليئة بالأنشطة الثقافية والمعرفية من أمسيات شعرية وفنون مسرحية أصقلت هذا الجيل بمهارات ثقافية وفكرية ومعرفية عدة، الأمر الذي جعلني أمتلك كافة الأدوات الفنية التي أهلتني للمشاركة في أعمال مسرحية عدة ومنها البوم، وربشة في البقعة ربشة والتي كتبت كلمات الأغاني الخاصة بها.

من حديثك، يتبين أن مرحلة شبابك كانت حافلة بالأنشطة، فهل تشعر أنك راضٍ عنها؟

أعتز بأيام تلك المرحلة، حيث حفلت بالنشاط والطاقة والحيوية وحاولت خلالها تثقيف نفسي جيداً، وبناء شخصيتي لأكون قادراً على اتخاذ قرارات مصيرية، فكل لحظاتها كانت بمثابة تحدٍ أحاول أن أجتازه وأخرج منه مغتنماً فرصة جديدة في التعلم وبناء النفس، لتكون مرحلة الشباب هي المرحلة الحقيقية للبناء الفكري والشخصي والثقافي والمعرفي.

ضحيت بالشعر لصالح التراث وابتعدت عن المسرح كلياً، صف لنا تفاصيل تلك المرحلة؟

قد يكون السبب هو تعمق اهتمامي بالذاكرة الشعبية، والبداية كانت من دراستي في جامعة بيروت، حيث حصلت على ليسانس في التاريخ، وعينت مدير إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام، وفي إحدى زياراتي لبيروت عثرت على كتاب «شيح بريح» لسلامة الراسي، وفي دمشق أهداني نجاة قصاب حسن كتاباً اسمه «حديث دمشقي»، يتحدث عن دمشق القديمة، بنفس أسلوب سلامة الراسي عن الذاكرة الشعبية، واستهواني هذا الكلام كثيراً، وكنت قد نشرت العديد من الزوايا في مجلة مزون بعنوان هوامش، يتحدث عن الذاكرة الشعبية، وبعد ذلك أصدرت كتب: «الذاكرة الشعبية»، «مرامس»، «مرامي» «مراود» وكنت قد أصدرت العديد من دواوين الشعر.



وكيف جاءت خطواتك في عالم التأليف والنشر؟

أسست مع مجموعة من الشباب مجلة مزون في عجمان وكان رئيس تحريرها ناصر النعيمي وهو شاعر وقاص ومسرحي، وكانت مجلة ثقافية شهرية تعنى بالإبداع الشعبي، ظهرت بعدها مجلة المختلف والغدير، وكنا قد أصدرنا أيضاً كتباً تولدت عن منشورات مزون، مثل مزون القوافي والتي ضمت منشورات من الشعر النبطي، والأثر الجميل التي ضمت الشعر الفصيح كما أصدرنا مجموعة قصصية، وقد استطعت من خلال المجلة أن أكرس نفسي كباحث في التراث وكشاعر، وكانت من المحطات المهمة أيضاً في حياتي.





وماذا عن محطة معهد الشارقة للتراث؟

المعهد هو بيتي الذي أعشق كافة تفاصيله، وقد نجح في أن يكون له مكانة مميزة في المحافل الدولية، وتُوّجت بمنحه صفة «مركز من فئة 2»، تحت رعاية «اليونيسكو»، وهو إنجاز وطني مهمّ وملهم، ومحفّز قوي للمضي قدماً في استكمال رؤيته الاستشرافية نحو تمكين التراث الإماراتي، وحفظه وتوثيقه وصونه، وتسخير الجهود كافة، من أجل الاضطلاع بهذه الغاية النبيلة، والانفتاح في الوقت نفسه على التجارب العالمية في مجال التراث الثقافي، ودعم الجهود المبذولة في هذا المجال، والتي أثمرت عن افتتاح مركز المنظمات الدولية للتراث الثقافي، من قِبل صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في 22 ديسمبر 2019، ليكون المركزَ الأول من نوعه في المنطقة، والذي يضم 6 منظمات دولية متخصصة في مجال التراث الثقافي.