الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

أحمد الجسمي: دمائي على خشبة قرطاج لم ترد جميل الوطن



يعتز الفنان الإماراتي أحمد الجسمي بوصف يطلقه عليه المنتمون للوسط الفني، باعتباره «فنان برئات متعددة»، مؤكداً أنه يعشق الوقوف أمام وخلف الكاميرا، في الوقت الذي استهواه الإنتاج الفني الذي سعى عبره إلى التوفيق بين كلفة الإنتاج والشروط الفنية، ومع ذلك تبقى اللحظة الأروع لديه، هي تلك التي تقوده إلى الوقوف على خشبة المسرح، فيما يسعد بقربه، في الكواليس، من المواهب الشابة بصفة خاصة.



وأكد الجسمي في حواره مع «الرؤية» التي حل ضيفاً على مقرها في دبي، أن مشواره الحافل، وإن تضاعف أضعافاً عديدة، لن يفي برد الجميل للوطن، بما في ذلك دماؤه التي سالت على مسرح قرطاج، خلال واحدة من الأعمال المسرحية التي شرف بالمشاركة فيها باسم الإمارات، مشيراً إلى أنه بدأ شغفه بـ"أبو الفنون" مبكراً، وأضاءته بوضوح أمامه الأنشطة اللا صفية في "ثانوية عجمان"، كاشفاً أن أسرته، مثل سواها من الأسر الإماراتية آنذاك، كان لديها تحفظات على ممارسة هوايته التمثيلية، إلا أن التمسك بشغف الفن، والجدية في التعامل مع الهواية، فضلاً عن الالتزام والانضباط السلوكي، هي أبرز العوامل التي منحته ورفاقه صك الاعتراف، والقبول، سواء من الأهل أو المجتمع عموما.

ويعتبر اتجاهه للإنتاج الدرامي نقطة تحول في مسيرته الفنية، مشدداً على أنه يعمل على تحويل الطاقات والمواهب إلى أعمال مبدعة، منوهاً بأنه لم يكن ولن يكون منتجاً تحركه حسابات الربح والخسارة، ولكنه منتج حاول أن يصل إلى معادلات ناجحة في هذا الإطار.

ويعتقد الجسمي أنه امتلك خلطة عالم الإنتاج السحرية، والتي لخصها في أن يكون المنتج المنفذ فناناً، وفياً للشروط الإبداعية أكثر من المالية، في الوقت الذي يتوجب عليه الحرص على حقوق جميع الأطراف، وفي مقدمتهم الفنان.

وهنا يستعيد الفنان القدير مع «الرؤية» ذكرياته وأيام شبابه ويسرد تفاصيل مرحلة الشباب ومسيرته في عالم الفن:





الخطوات الأولى ذكريات لا يمحوها الزمن، فكيف بدأت مسيرتك الفنية؟

بدأت في عمر مبكر جداً اكتشفت مواهبي، من الرسم إلى العزف وصولاً للفقرات المسرحية في الإذاعة المدرسية، وذلك أثناء فترة دراستي في دولة الكويت التي قضيت بها السنوات الأولى من طفولتي، وبعد قيام دولة الاتحاد بعامين تحديداً عادت الطيور المهاجرة من الموظفين الإماراتيين الذين كان من بينهم والدي، وقررنا الاستقرار في عجمان، وكانت مدرستي الثانوية نقطة انطلاقي إلى عالم المسرح ومنها إلى جمعية عجمان للفنون الشعبية التي كانت تضم أنشطة لفرق الموسيقى والغناء الشعبي الإماراتي، ولم يكن المسرح وقتها نشاطاً فنياً متعارفاً عليه بل مجرد نشاط تابع لأنشطة الجمعية.





تشهد أحياناً مرحلة الشباب قرارات حماسية، فما القرار الذي أقدمت عليه وتملكك الحماس؟

مرحلة الشباب مليئة بالأحداث والتفاصيل الكثيرة والتي تطلّب بعضها قرارات جريئة ومع ذلك لم أندم على قرار اتخذته. ولم أنسَ حين جاء لزيارة مدرستنا الراحل عبدالله تريم عمران وكان وزيراً للتربية والتعليم، وقتها طلبت منا إدارة المدرسة أن نقدم حفلاً لا يتعدى الـ30 دقيقة، وحينها قدمت «اسكتش» مسرحياً كتبته وأعددت كافة تفاصيله التي اقتبست بعضها من مشاهد من مسرحية مدرسة المشاغبين، وأخذت أكثر من نصف ساعة حتى إن إدارة المدرسة اضطرت إلى إغلاق الستارة، ورغم أنه قرار جريء إلا أنني أفتخر به، وكانت أول عمل مسرحي كامل أقدمه إخراجاً وتأليفاً وتمثيلاً بمشاركة مجموعة من زملاء المدرسة.

بعد ذلك اتجهت إلى مسرح جمعية عجمان الشعبية والتي لم تكن فيها أي مساحة مخصصة للعروض المسرحية لا مقر ولا حتى خشبة للمسرح، وظللت عامين بعد الثانوية العامة واهباً نفسي لأبو الفنون في رحلة خضتها لتأسيس هذا الفن، وبناء أول خشبة للمسرح الذي كان يحتاج حينها 250 درهماً وكان مبلغاً كبيراً فطرقت باب المغفور له بإذن الله الشيخ مكتوم بن راشد بن سعيد بن مكتوم، وكان وحينها ولي عهد دبي ورغم أن البعض وجد في خطوتي جرأة واندفاعاً، إلا أنني أصررت على كتابة خطاب أطلب فيه إنشاء أول مسرح بعجمان، وأنا بداخلي ثقة كبيرة أن طلبي سيقابل بتفهم وود وموافقة سريعة.





وهل كنتم تمتلكون المهارة الكافية للإشراف على هذا المشروع؟

كنا نملك الحماسة والتحدي وهذان عنصران كافيان لخوض هذه التجربة، ونجحنا في أن نؤسس لهذا الكيان الفني وقدمنا عليه أول عرض مسرحي يحمل عنوان «عفا الله عما سلف»، وحينها أدخلت فقرات للفرقة الشعبية، التي كانت تشكل الكيان الأهم، والأولى بالرعاية لدى الأعضاء المخضرمين و"الشواب"، فكان لها النصيب الأكبر من ميزانية وأنشطة جمعية عجمان للفنون الشعبية، ولكن بفضل هذا النجاح، والاستيعاب، أصبح المسرح نشاطاً معترفاً به، وقائماً بذاته، ووضعت له ميزانية خاصة. بعد ذلك انتقلت إلى مسرح الشارقة الوطني الذي نجح مبكراً في أن يحجز موقعه في الحياة الثقافية الفنية في الإمارات.





وإلى أي مدى تقبل المجتمع فكرة دخول أبنائهم في عالم المسرح؟

كانت مهمتنا صعبة، حيث اعترض الأهل على هذه الفكرة في ذلك الوقت، ولكننا استطعنا أن نثبت لهم أننا أصحاب رسالة، وأنها هواية مثل لعب الكرة، فالتمسك بشغف الفن، والجدية في التعامل مع الهواية، فضلاً عن الالتزام والانضباط السلوكي، هي أبرز العوامل التي منحتنا صك الاعتراف، والقبول، سواء من الأهل أو المجتمع عموما. وفي ذلك الوقت ازدهرت مدرستان للمسرح إحداهما لصقر الرشود والأخرى لإبراهيم جلال واللتان تعلمنا منهما أصول هذا الفن وترسخت قواعده في نفوسنا، وأصبحنا نجيد الوقفة فوق خشبة المسرح.





ومتى بدأت خطوة احتراف العمل الفني؟

بمجرد الانتهاء من الدراسة عينت في تلفزيون أبوظبي لأكثر من 18 عاماً، عملت في 10 سنوات منها مراقباً للدراما، ومع ذلك لم أنقطع عن المشاركة في الأعمال المسرحية، حيث شاركت في العديد منها مثل: (أوديب ملكاً، ديايه وطيروها، وحكاية الرجل الذي صار كلباً، رأس المملوك جابر، يا ليل يا ليل، هالشكل يا زعفرانة، الفيل يا ملك الزمان، الوريث واللؤلؤ) وأعمال عدة.



فنان واحد برئات متعددة، هل يسعدك هذا الوصف؟

أعتز بهذا الوصف جداً، حيث أعشق التمثيل أمام الكاميرا، واستهواني الإنتاج الفني الذي أسعى به للتوفيق بين كلفة الإنتاج والشروط الفنية، وأذوب حباً في الوقوف على خشبة المسرح، ومتوائم مع رفقاء الدرب من الوسط الفني، وأسعد بقربي من أوساط الشباب الموهوبين.





ولماذا اتجهت إلى الدراما التلفزيونية؟

رغم عشقي للمسرح إلا أنني أرى أن التلفزيون يستطيع أن يحقق للموهوب الحقيقي النجومية والانتشار الأكبر، فاتجهت إلى التلفزيون في أوائل الثمانينات، حيث تعد تلك الفترة البداية الحقيقية لانطلاق الدراما الخليجية، وفي ذلك الوقت كان الفنانون العرب ينظرون إلى تلفزيوني دبي وأبوظبي على أنهما بوابة لتحقيق طموحاتهم الدرامية.



قدمت لإذاعة أبوظبي أعمالاً درامية شهيرة، من وجهة نظرك ما سبب نجاحها؟

أعتقد لأننا نجحنا في تناول قضايا اجتماعية مهمة، وقد قدمتها لأكثر من 8 سنوات بشكل يومي مع الفنانة ريحانة التمري، وأعتقد أن هذه الدراما استمدت نجاحها من مواكبتها لأحداث واقعية من وحي المجتمع.



إطلاقك شركة «جرناس للإنتاج الفني»، كان بمثابة نقطة تحول في حياتك، فما هدفك منها؟

بالفعل أعتبرها نقطة تحول في مسيرتي الفنية، فالدراما كانت بحاجة لذراع إنتاجية، وكانت وسيلتي التي آمنت بها لتحويل الطاقات والمواهب إلى أعمال مبدعة، حيث لم أكن منتجاً تحركه حسابات قائمة على نظرية الربح والخسارة، ولكن كنت منتجاً في ثوب فنان وحاولت أن أصل إلى معادلات ناجحة في هذا الإطار شيئاً فشيئاً، وانعكس ذلك على السوية الفنية للمسلسلات التي نفذت معظمها.



وإلى أي مدى أنت راضٍ عن تجربتك الإنتاجية؟

أعتقد أنني امتلكت الخلطة السحرية لعالم الإنتاج، والتي تكمن في أن يكون المنتج المنفذ فناناً، وفياً للشروط الإبداعية أكثر من المالية، في الوقت الذي يتوجب عليه الحرص على حقوق جميع الأطراف، وفي مقدمتهم الفنان، وهو الخطأ الذي ربما وقع فيه بعض أصحاب التجارب المشابهة، فتعثروا، وأعتقد أن نضج تجربتي الإنتاجية أفرز تجارب التصقت بوجدان الجمهور، وكان منها «عجيب غريب» الذي يعد أول مسلسل ست كوم إماراتي.



وما أصعب المواقف التي مررت بها على خشبة المسرح؟

أثناء أحد العروض المسرحية التي شرفنا فيها بتمثيل الإمارات بمهرجان قرطاج المسرحي، وهي مسرحية "مقهة أبو حمدة"، العام 1989 تعرضت لأزمة صحية كبيرة تسببت في نزيف في الرقبة نتيجة انقطاع أحد الأعصاب، ما أدى إلى نزيف داخلي خلال مدة العرض بالكامل، ورغم أن جميع زملائي نصحوني بالتوقف عن المشاركة في الفصل الثاني للمسرحية، لكن إيماني بما أقدم، ويقيني بأن الأمر مرتبط بتمثيل الوطن، جعلني أستمر، وحصلت بالفعل على لقب أفضل ممثل حينها، إلا أن حالتي الصحية تطلبت المكوث في المشفى لأيام عدة.

*الكثير من المبادرات الفنية تقام تحت شعار "رد الجميل" للوطن، إلى أي مدى ترى أن ذيوع صيت الفنان خارجياً، والاشتراك في أعمال فنية وطنية، قد يصب في هذا الإطار؟

لا شيء يمكن أن يرد جميل الوطن، وبالنسبة لي مهما تضاعفت مسيرتي الفنية، ومهما زادت صعوبات البدايات، والتحديات، ومهما تضاعف العرق المبذول، والدم المسال في سبيل تحقيق إنجاز وطني، بما في ذلك دماء نزيفي على مسرح قرطاج، فإن رد الجميل للوطن، محال.

*يتطلع بعض الشباب في مراحل مبكرة إلى المنصب، والمسمى الوظيفي البراق..كيف كان الأمر بالنسبة للجسمي شاباً؟

لم تهمني المناصب، ولكن الحمد الله جاءتني المناصب طائعة من تلقاء نفسها بعد أن أخلصت لفني، وطورت أدواتي، وحزت ثقة المحيطين بي، وأثبت بأدلة ملموسة أنني على قدر المسؤولية التي أوكلت إليّ فترأست مجالس إدارات عديدة، وكنت عضواً في مجالس إدارات أخرى، ابتداء من مسرح الشارقة الوطني، وجمعية المسرحيين، والمكتب التنفيذي للهيئة العربية للمسرح والمكتب القطري في الإمارات للهيئة العربية المسرح والهيئة الخليجية للدراما التلفزيونية، ورئيساً وعضواً في عدد من لجان التحكيم في الإمارات وفي الخليج، وعضواً ورئيساً لعدد من اللجان العليا المنظمة لعدد من المهرجانات.

ورغم هذه المناصب إلا أنني لم أستطع التنحي عن منصبي الأهم في مسيرتي وهو التمثيل، وحقيقة لم يستطع أي منصب أن يقلل من ولعي وشغفي البالغ بالخشبة.



*وماذا عن أمنيتك، التي تصبو لأن تتحقق؟

رغم حبي للتمثيل الدرامي والتأليف والإخراج إلا أنني عاشق للمسرح وأعود إلى بيتي الأول، حيث بدأت حياتي على المسرح وأتمنى أيضاً أن تكون آخر محطاتي الفنية على خشبته.