الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

محمد حجاج.. صاحب همة يتجاوز التحديات بالاختراعات

حول المخترع المغربي الشاب، محمد حجاج (23 عاماً)، إعاقته إلى بئر تحفيز لا ينضب، وكسر كل تلك الظروف القاسية على صخرة الإرادة، وأصر على غرس زهور في صحاري إعاقته القاحلة.

في مدينة الراشيدية (الجنوب الشرقي للمغرب)، التي تنتمي إلى جهة سبق أن صُنِّفت «أفقر جهة مغربية»، وفي ديسمبر البارد سنة 1997، ولد محمد لأسرة فقيرة، تتكون من أم و5 أبناء، ويعيلها أب مهنته «على باب الله».

يحكي محمد لـ«الرؤية» قائلاً: «نعيش في منزل أصفه بالتابوت، مشيد بالأحجار والطين، وحتى المطبخ غير موجود فيه».

عقبات التحصيل الدراسي

قبل أن يصبح محمد مخترعاً، يُغْنِي عالم الابتكار باختراعات مهمة، وصاحب قناة «المخترع البطل» على يوتيوب، التي يتابعه عبرها الآلاف، ويبث من خلالها فيديوهات توثق لاشتغاله على اختراعاته، وليومياته، التي تحفز أمثاله من أصحاب الهمم، وقفت أمامه عراقيلُ عدة، وخاض مجموعة من التحديات.

أول تحدٍّ حقيقي خاضه محمد في حياته، كان هو تعلم ركوب الدراجة الهوائية، ليتنقل على متنها يومياً إلى المدرسة الإبتدائية حيث درس، والبعيدة جداً عن منزل أسرته. وبقوة إصراره، انتصر في تحديه الأول، ومضت 6 سنوات من التحصيل الدراسي، تكلَّلت بحصوله على الشهادة الإبتدائية.

أنهى محمد بنجاح المرحلة الأولى من رحلة كفاحه في التعلم المدرسي، ودخل مرحلة جديدة بدأت بانتقاله للدراسة في مدرسة إعدادية- ثانوية، أتم فيها دراسته إلى غاية حصوله على شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة). المدرسة الجديدة كانت قريبة من بيت محمد، ورحمته من تحمل عناء ركوب الدراجة الهوائية، لكن رحلته فيها لم تكن سهلة على الإطلاق.

ويتابع: «عندما بلغت السنة الثالثة من السلك الإعدادي، رسبت فيها مرتين بسبب مادة التربية الرياضية، التي لم أكن قادراً على ممارستها بسبب إعاقتي. ورغم تقديمي شهادة طبية تثبت عدم قدرتي على ممارسة الرياضة، ظلت المدرسة تعتبر أنني أحصل على صفر في نتيجة تلك المادة، ما كان يضطرني إلى تكرار السنة، إلى أن قابلت مسؤولاً في قطاع التعليم، تَفهَّم حالتي، وقرر مساعدتي على الانتقال إلى التعليم الثانوي، وهو ما تم بالفعل».

مرت السنة الأولى من التعليم الثانوي على محمد دون مواجهة عقبات بسبب إعاقته؛ فنظامها لا يفرض على التلاميذ اجتياز امتحان نهائي، للانتقال إلى المستوى الدراسي المقبل، ويُكتفَى بفروض المراقبة المستمرة، لكن في السنة الثانية هناك امتحان نهائي، وجد محمد نفسه أمام عقبة جديدة بسببه.

يعود محمد بذاكرته إلى الوراء، ثم يقول: «رفضَت المدرسة استعانتي بشخص آخر، ليكتب أجوبتي في ورقة التحرير في الامتحان النهائي، ما أدى إلى حصولي على نقطة سيئة، بسبب خطي غير الواضح، نتيجة إعاقتي الحركية».

صحيح أن تلك النقطة السيئة لم تمنع محمد من الانتقال إلى السنة الثالثة (الباكالوريا/ الثانوية العامة)، لأن النجاح أو الرسوب في السنة الثانية من السلك الثانوي مرهون بنقط فروض المراقبة المستمرة، في حين تُحتَسب نقطة الامتحان النهائي الخاص بتلك السنة مع نقطة الباكالوريا، وتمثل نسبة مهمة منها، ما جعل مهمة حصوله على شهادة الباكالوريا أمراً صعباً، لكن اجتهاد وكفاح محمد جعلاه يتغلب على هذا الواقع، وحصل على الشهادة سنة 2017، بعدما سمحت له المدرسة بالاستعانة بأخته الصغيرة، التي كتبت أجوبته بخط واضح في ورقة الامتحان، لكنه تلقى بعد ذلك صدمة كبيرة.

«بعد حصولي على شهادة الباكالوريا، قررت أن أدرس تخصص التدبير التجاري وإدارة المقاولات، أو تخصص تقنيات التنمية في المعلوميات في مؤسسة التكوين المهني (مؤسسة تعليمية حكومية)، لكن مديرها رفضني بسبب إعاقتي»، يحكي محمد.

لا للاستسلام

وسط كل هذا الإحباط، قرر محمد أن يشعل شمعة بدلاً من أن يلعن الظلام، عبر اللجوء إلى الإنترنت ليعلم نفسه بنفسه، ورفض الاستسلام لمصير مأساوي معروف، يخنق الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة المغاربة، وينهي حيواتهم ببطء يوماً بعد يوم.

وبالفعل، درس محمد تخصصات البرمجة، والمعلوميات، والتصميم، و«الرُّوبُوتِيكْ»، والمونتاج، وتخصصات أخرى، كما بدأ في السنة الماضية دراسة تخصص تقنيات التنمية في المعلوميات في مدرسة خاصة، يتكفل محسنون بدفع مصاريفها لمحمد.

اختراعات مهمة

وفي سنة 2020، بدأ محمد في إغناء خزانة الاختراعات بابتكارات مهمة، إذ قال: «كان أول اختراعاتي رُوبُوتْ، أتحكم فيه بواسطة الهاتف المحمول، يقوم بأنشطة لا يستطيع الإنسان القيام بها، ضمنها التصوير في أماكن لا يمكن للإنسان الوصول إليها، كما يمكنه أن يؤدي دور العمال في الشركات الكبرى، وأبحث حالياً عن شركة تقوم بتنفيذه».

وفي زمن كورونا، صمم محمد ونفذ قناعاً ذكياً يقي من كورونا، يطلق إنذاراً صوتياً عندما يخرق مرتدوه مسافة الأمان مع الأشخاص المحيطين بهم، كما يطلق على هؤلاء معقماً، إذا استمر مرتدون في التقدم نحوهم.

ولم يكتفِ محمد بدراسة التخصصات المذكورة على الإنترنت، بل استغله أيضاً في تعلم اللغتين الفرنسية والإنجليزية، اللتين قال «إنه أصبح يتقنهما كتابة، وقراءة، وفهماً، وتحدثاً». كما انفتح على الدورات التكوينية، التي تنظمها جمعيات مجاناً، في تخصصات مرتبطة بفن الخطابة والإلقاء، وتنمية القدرات في الصحة النفسية وعلوم التربية، ومواضيع أخرى.

ولم تمنع الإعاقة محمداً من ممارسة الرياضة، فهو يلعب اليوم مجموعة من الرياضات؛ من بينها كرة القدم، والكرة الطائرة، وكرة السلة، وجري المسافات الطويلة، كما حصل على جوائز فيها.

وختم محمد حديثه قائلاً: «لم أعتبر قَطُّ الإعاقة سببا للفشل، وأنا قادر على فعل المستحيل».