الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«أنا».. دراما عائلية تتجاوز النمطية بأداء سينمائي هادئ

«أنا».. دراما عائلية تتجاوز النمطية بأداء سينمائي هادئ

من النظرة الأولى يبدو مسلسل «أنا» الذي يعرض حالياً على منصة شاهد VIP، عملاً درامياً تقليدياً، من تلك النوعية التي عاشت عليها الدراما العربية والتركية والهندية لعقود طويلة: مهندس ناجح متزوج من ابنة صاحب الشركة العملاقة التي يعمل بها، لديهما طفلان، لكل منهما مشاكله، وللزوجة مشكلة قديمة تتعلق بأمها التي تركتها وهي طفلة نتيجة خلافات غير واضحة.

هذا المهندس يقع في حب شابة جميلة منطلقة، فتتعقد حياة الجميع، ويزيد الأمور تعقيداً مشاكل ومؤامرات العمل التي تتجمع ضد البطل، الذي يخون زوجته ويهمل عمله.. ليعشق امرأة فاتنة لكن لديها سراً رهيباً تخفيه عنه.





هذه القصة المكررة التي كتبتها عبير شرارة، تكتسب وهجاً مختلفاً بفضل إخراج سامر البرقاوي وأداء الممثلين المتميز، تيم حسن في دور المهندس كرم، ورولا بقسماتي في دور الزوجة، ورزان جمال في دور الحبيبة جود، بجانب جوزيف بونصار ودايمان بوعبود وإيلي متري وبقية فريق الممثلين.

ينجح المخرج في إدارتهم ليؤدوا أدوارهم بشكل طبيعي -معظم الوقت- بدون المبالغات التلفزيونية المعتادة، وبشكل أقرب للأداء السينمائي الهادئ.



كل الشخصيات تقريباً مركبة وذات أبعاد متعددة، وبفضل الحوار المكتوب جيداً، بدون الزوائد والحشو المعتادين في هذا النوع من «أوبرا الصابون»، يعتمد الأداء على المشاعر الداخلية غير المعبر عنها مباشرة، وتنجح كاميرات البرقاوي في رصد هذه الخلجات والأحاسيس الداخلية، حيث يكمل التصوير المعزوفة التي يؤديها الممثلون، من خلال اختيار حجم وزاوية اللقطة المناسبين، ووضع الشخصيات في إطارات وإضاءة وألوان تعبر عن حالتهم النفسية.

بجانب ذلك هناك أيضاً الموسيقى الموظفة جيداً، والمؤثرات الخاصة القليلة التي يستخدمها المخرج أحياناً للانتقال بين مشاهد الحاضر ومشاهد الفلاش باك.





تتكامل كل هذه العناصر الفنية داخل العمل، ربما باستثناء الديكور الذي يشعرك أحياناً أنه «جميل» أكثر من الطبيعي، وهو خطأ تقع فيه معظم الأعمال التلفزيونية في السنوات الأخيرة، إذ يسود مبدأ المكان الجميل على قاعدة المكان المعبر، وهو عيب انتقل إلى الدراما العربية من المسلسلات التركية التي تعتمد على الأماكن الطبيعية والداخلية الفاخرة والخلابة كعنصر جذب وإبهار في حد ذاته!

بجانب الخط الدرامي الرئيسي الذي يتناول قصة الحب -الممنوعة- بين كرم وجود، يستعرض العمل بعض الخطوط الفرعية التي تتشابك مع الخط الرئيسي، مثل مشاكل الأطفال الناتجة عن وسائل الاتصال الحديثة وخاصة الإنترنت، وهو خط موصول بمشكلة الزوجة نفسها التي عاشت من دون أمها، وعانت من مشاكل نفسية شديدة بسبب ذلك، ولكنها لا تنتبه أن أطفالها يتعرضون لمشاكل مشابهة بسبب خلافات الحياة الزوجية التي يعاني منها آباؤهم.



هناك أيضاً قصة حب قديمة مجهضة خاضتها شخصية دايمان التي تزوجت بعدها من رجل لا تحبه، وبعد سنوات تطل قصة الحب برأسها من جديد. هنا أيضاً رغم القصة المكررة فإن تمثيل دايمان شخصية المرأة ذات الحساسية المفرطة التي توشك على الانهيار في أي لحظة يرفع الدور والقصة كثيراً.

إذا كان يمكن لمسلسل «أنا» أن يثبت شيئاً، فهو أن المعالجة الجادة والجيدة هي أهم شيء في العمل الفني، وأن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة هو الذي يجعل المشاهد يصدق ما يراه، ويتأثر به!