الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

في دراما العرب.. معظم الترويج من «مستصغر» الجدل

يبدو أن إثارة الجدل أصبحت سمة ملازمة للدراما العربية في السنوات الأخيرة، فلا يكاد يمر عام من دون أن تبرز بعض المسلسلات الدرامية التي تثير حولها هالة من الجدل والرفض والهجوم عبر السوشيال ميديا وفي وسائل الإعلام، تبدأ في الغالب كالشرارة ضيقة التأثير، عبر تغريدة أو رأي، أو حتى معلومة مسربة، قبل أن يتم تداولها على نطاق واسع، وهي هالة تسبق في بعض الأحيان عرض الأعمال محور الجدل، أو بالكاد تتزامن مع عرضها سواء عبر الفضائيات أو منصات المشاهدة الرقمية، دون تريث لتكوين أحكام فنية ناضجة.

في المقابل تعج أعمال درامية بأفكار ومشاهد، لا يختلف صانعوها على أنها ستكون محور إثارة جدل مجتمعي واسع، وقت عرضها، سواء لتضمنها مشاهد خادشة للحياء أو أطروحات صادمة للقيم والتقاليد المجتمعية السائدة، كالترويج لأعمال السحر والشعوذة والجن والشذوذ وزواج المسيار والدعارة والمخدرات والعلاقات المحرمة، وغيرها الكثير من الأطروحات الدرامية التي اصطدمت بعد عرض بضع حلقات منها بمطالبات جماهيرية بوقفها، لتحقق عملياً، مزيداً من الترويج، والانتشار، الذي قد يدفعها لصدارة الـ«تريند» بغض النظر عن قيمتها الفنية.

وما بين مسلسل «جمال الحريم» الذي اتهمه المشاهدون بالترويج لأعمال السحر والشعوذة، إلى «الآنسة فرح» الذي أثار جدلاً حول حمل فتاة عذراء إثر حقنها بشكل خاطئ، مروراً بمسلسل «ضحايا حلال» الذي أوقف عرضه بعد اتهامه بالترويج للزواج المسيار، وصولاً إلى مسلسل «شباب البومب» الذي قدم نماذج لشباب يستخدمون ألفاظاً وأساليب غير سوية، تمتد قائمة عريضة، من المسلسلات الدرامية العربية التي عرضت في الأعوام الأخيرة، وواجهها الجمهور بالرفض القاطع وأجبرت القنوات والمنصات العارضة لها على سحبها ووقف عرضها.

وتحيل القضية إلى تساؤلات أولية من قبيل: هل وقف عرض الأعمال الدرامية التي تحمل مشاهد خادشة للحياء أو تطرح مضموناً مشوهاً ومنافياً للتقاليد المجتمعية الحل الأمثل للحفاظ على الهوية العربية من ظاهرة التغريب وصون عقول الأطفال والشباب من الأفكار الظلامية التي تروج لها هذه الأعمال؟ وإلى أي مدى يمكن التعويل على وعي الجمهور ونضجه لفرز الأعمال المعروضة واختيار ما يناسبه للمشاهدة ورفض سواه، وهل فتحت هيمنة السوشيال ميديا المجال على مصراعيه للنقد بناء على آراء وأهواء شخصية، أم أن منصات العرض الإلكترونية المدفوعة تفتقر إلى معايير الدراما المناسبة للعرض على شاشات منزلية؟

هذه التساؤلات وسواها قادت «الرؤية» إلى فتح ملف إثارة الجدل في الدراما العربية، أسبابه، مظاهره، وآثاره، وذلك عبر آراء نخبة من الكتاب والفنانين والنقاد والمختصين.



جدل قبل العرض

يرى الناقد الفني المصري سمير شحاتة أن إثارة الجدل تبدأ أحياناً من قبل عرض الأعمال الفنية بهدف الترويج لها من جانب صنّاعها، مضيفاً أن هذه الحالة تثير شغف الجمهور الذي يبدأ البحث عن هذه الأعمال لمشاهدتها وتقييمها.

وقال شحاتة إنه يتذكر وقت رفض مؤسسة الأزهر الشريف عرض فيلم «الرسالة» في دور السينما المصرية، إلا أن الجمهور حصل عليه عبر شرائط فيديو لمشاهدة الفيلم المثير للجدل وإبداء آرائهم بشأنه، مضيفاً أنه تم السماح بعرضه بعدها على الشاشات دون أدنى مشكلة.

وشدد شحاتة على أن الجمهور ليس بحاجة لوصاية من أحد، فهو قادر بدوره على التمييز بين العمل الجيد ونظيره السيئ، واستخلاص ما يهمه من أفكار فيما يراه على الشاشات، ولكنه استدرك قائلاً: «هذا لا يعني الشطح فيما يُقدم من أفكار، فلا بُدَّ من تلائمها مع قيمنا المجتمعية والأعراف والتقاليد».





صنيعة المنتج

الناقد الفني المصري طارق الشناوي، أكد أنَّ الأعمال الدرامية المثيرة للجدل هي من صُنع المنتج قبل أن تكون من صنع المخرج أو المؤلف؛ لأنَّه يبحث عن الترويج والتسويق ويعلم جيداً عندما يكون العمل مثيراً للجدل سيكون «تريند» على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الصحف والمجالات ما يدفع الكثير من الشباب والجمهور إلى مشاهدة هذا العمل لمعرفة لماذا هو مثير للجدل، وهل يستحق بالفعل الآراء التي تكتب عنه أم لا؟

وأوضح أنَّ ظهور المنصَّات الرقمية أدى إلى ذهاب الكثير من المنتجين إلى هذه المنصَّات بمسلسلات من الممكن ألّا تتعدى 7 حلقات، وقد تحتوي على مشاهد ترفضها الرقابة العادية، لكن تقبلها المنصَّات، ما يؤدي إلى حالة انقسام داخل المجتمع حول هذا العمل.





تحليلات شخصية

أما الناقدة المصرية ماجدة خيرالله، فقالت إنَّ ظاهرة التحليلات النقدية التي تُنشر يومياً على صفحات مواقع التواصل، يتأثر بها عدد لا بأس به من الفنانين، رغم أن أغلبها يكون اجتهادات شخصية من أناس ربما لا يمتلكون المقومات الدنيا للنقد الفني، وأن تلك المنشورات يمكن تصنيفها على أنها آراء وانطباعات لها كامل الاحترام، فإنها تتحكم فيها التفضيلات والأهواء الشخصية، لذا لا يمكن أن نحتكم إليها بصفتها نقداً فنياً حقيقياً بأي حال من الأحوال، مضيفة أن الأعمال المثيرة للجدل كثرت في السنوات الأخيرة لأنه تم صنعها في الأساس لتكون كذلك، لأغراض تتعلق بتسويق المسلسل.



تدمير العقول

الكاتب والناقد المصري مجدي صابر أرجع سبب انتشار الأفكار الغريبة والشاذة في الدراما إلى المنصات الإلكترونية، التي تعتمد على تقديم محتوى عن الجن وعالم الغيبيات، ما يُسهم في تدمير عقول الشباب.

وقال صابر إن حجم هذه المنصات يتزايد من وقت لآخر، محذراً من خطورتها على عقول مشاهديها، لأنها تبث أفكاراً تدعو إلى العنف، مضيفاً أنه يخشى من دخول الدراما التلفزيونية المقدمة عبر المحطات الفضائية في سباق مع هذه المنصات على تقديم هذا المحتوى.

وأكد مجدي صابر أنه وجيله تم إقصاؤهم من المشاهد رغم تاريخهم الفني العريق، واصفاً المشهد برمته وكأنهم «طلعوا على المعاش»، لافتاً إلى أنه كان يحرص على مناقشة قضايا تهم المجتمع وبث قيم مجتمعية تُعلي من أخلاق الجمهور.



قوة افتراضية

وقال المخرج والفنان الإماراتي إبراهيم سالم إنّ انتشار منصات السوشيال ميديا جعلها الحكم على المسلسلات التي تعرض، فقوتها اليوم تفوق أي جهة رقابية، مشيراً إلى أنّ الإقبال الجماهيري على أي عمل درامي يحمل جدلاً لن ينقذه من مقصلة الإقصاء، لأن ردود الفعل بعد المشاهدة هي من تحكم على العمل الدرامي، فقد يشاهد الناس الكثير من الأعمال تم إيقافها بعد عرض بعض الحلقات رغم الإقبال الجماهيري الكبير عليها في البداية، لكن ردود الفعل جعلته عرضة للإيقاف.





افتقاد المصداقية

بينما ذكر الفنان الإماراتي الشاب عادل خميس، أن الجمهور دائماً يبحث عن التجديد، ولكن يجب أن تكون هناك مصداقية في العمل الدرامي، لأنَّ أي عمل سيكون فيه جدل أو ضد العادات والتقاليد العربية، قد يرفضه المشاهد مهما كان حجم العمل، مبيناً أنَّ المسلسلات الجدلية ظهرت في السنوات الماضية مع التطور التكنولوجي والمنصات، ولكنها لا تعرض عبر الفضائيات التي تخضع لرقابة الدول.





خطوط حمراء

فيما تساءل الفنان الشاب الإماراتي خليفة البحري، عن معنى أن يكون العمل مثيراً للجدل، ومن الممكن أن يكون هناك فكر لدى المخرج أو الممثل أو الكاتب يريد إيصاله إلى الجمهور، مبيناً أن جمهور الدراما يختلف عن جمهور السينما، لأن الدراما دائماً تخضع لخطوط حمراء كثيرة وتتواجد داخل كل بيت، ما يجعل تضمنها مشاهد أو لقطات مثيرة أو خادشه للحياء مرفوضاً تماماً.



غياب الرقابة

وتقول الفنانة الشابة الإماراتية عهود الجاسمي، إنَّ الأعمال الدرامية المثيرة للجدل كثُرت في السنوات الأخيرة، بسبب ظهور المنصات الإلكترونية التي لا رقيب عليها، وإذا كانت تخضع للرقابة مثلها مثل المسلسلات التي تعرض على التلفزيون فلن نجد أعمالاً مثيرة للجدل، مشيرة إلى أنَّ هناك الكثير من الأعمال التي رفضتها المجتمعات الخليجية والعربية.



مسؤولية مشتركة

أكد الفنان والمنتج السعودي عبدالله العامر، أن المنتج والقناة التي تعرض أي عمل فني هما من يتحملان المسؤولية المشتركة، مبيناً أنه وللأسف بعض المنتجين يسيرون بمبدأ «خالف تعرف» ويسعون للتنافس على تقديم أعمال تثير الجدل بهدف البروباجندا، حيث يقدمون أعمالاً تافهة وسطحية لا تناقش أي ظاهرة أو قضية اجتماعية مثل العنوسة والطلاق وغلاء المهور وغيرها، بل ينجرفون إلى تناول موضوعات تثير اللغط بين الجمهور.

وذكر العامر: «أطالب بمحاكمة من يقدم عملاً فنياً يخالف الذوق العام ويحمل أفكاراً شاذة وبعيدة عن القيم سواء من الجهات الرقابية أو بالطبع الجمهور من خلال السوشيال ميديا، الأمر يختلف بين إثارة الجدل وعمل حراك فني ومجتمعي في تناول قضايا مهمة مثل قيادة المرأة للسيارة وعمل وتمكين المرأة وبعض القضايا الاجتماعية والإنسانية وقضايا الفساد في مسلسلي (هوامير الصحراء، وعمشة بنت عماش)، وإثارة حالة من الجدل واللغط حول قضايا لا تعبر عن أي ظاهرة اجتماعية».





إثارة متعمدة

فيما أفاد المنتج السعودي خالد المسيند، بأن بعض صناع الدراما يعتقدون أن الإثارة تجلب الجمهور وهذا غير صحيح، خاصة الإثارة المتعمدة بقصد الشو أو الإثارة الفكرية، معتبراً الإثارة بغرض التأثير الفكري هي الأخطر على الدراما العربية على الإطلاق، فهي سرطان الدراما.

وتابع: «للأسف في المملكة والخليج المحتوى الدرامي غالباً يأتي من خارج البلاد، ومن يكتبون النص لا يعرفون تفاصيل المجتمع الخليجي وعاداته وتقاليده، مع التركيز على الإثارة في تناول موضوعات لا تعبر عن المجتمعات، وأصبح هناك إبعاد قسري لأصحاب الخبرة عن المشهد الدرامي، ليدخل في المجال الفني والمحتوى الدرامي أناس ليست لديهم نظرة ثاقبة في تقديم الدراما».





أفكار شاذة

بينما انتقدت المخرجة المصرية إنعام محمد علي تقديم أفكار غريبة وشاذة من بوابة الدراما التلفزيونية، قائلة: «أرى أن البحث عن إثارة الجدل أصبح حاضراً بقوة في الدراما، واستشهد هنا بمسلسل (جمال الحريم) الذي تتعرض أحداثه لعالم الجن، ولكن من دون التعرض لموضوع جذاب للمشاهد نفسه، وعن نفسي لم أتمكن من استكمال مشاهدته».

وأضافت إنعام: «لا بُدَّ من العودة إلى المسلسلات التي تقدم قيماً مجتمعية، وذلك عبر موضوعات جذابة تهم المشاهدين بمختلف الفئات العمرية، ولكن ما نراه على الشاشات حالياً أمر مؤسف، وهو ما أرجعه إلى غياب كبار الكتاب عن المشهد الفني».





نشر العدوانية

الفنان المصري لطفي لبيب انتقد مستوى الدراما المصرية خلال الأعوام الأخيرة، متهماً إياها بتصدير السلبيات للجمهور دون إيجاد حلول لها، مضيفاً: «أصبح الترويج للبلطجة والمخدرات من خلال الدراما المصرية، وهذا شأن لا يليق بنا في ظل ريادتنا بهذا المجال منذ أعوام وأعوام».

وتابع: «أرى أن الأفكار المقدمة في المسلسلات تُسهم في نشر العدوانية بين البشر، فبعد أن كانت تهدف لزرع القيم والمبادئ في نفوس مشاهديها انعكست المسألة تماماً، وأود أن أتساءل (لماذا لا نعود للدراما الاجتماعية الهادفة التي قُدمت في مسلسلات كثيرة ما زالت تحظى بمتابعة كثيفة وقت عرضها».

وحول تبني وجهة نظر صناع هذه الأعمال نظرية «الفن مرآة للواقع»، الذي أصبح مليئاً بالعنف، رد لبيب متسائلاً: «هل كلامي يعني خلو المسلسلات من عنصر الشر في الدراما؟ ألم نرى أشراراً في مسلسل (أبوالعلا البشري) على سبيل المثال، كل شيء موجود ولكن تظل طريقة التناول والعرض هي الفيصل في تقديري الشخصي».