الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

«حق الليلة».. احتفالات تراثية على إيقاع المحبة والعطاء والتراحم

«حق الليلة».. احتفالات تراثية على إيقاع المحبة والعطاء والتراحم



يعد الاحتفال بـ«حق الليلة»، ليلة النصف من شعبان، جزءاً من التراث الإماراتي الأصيل، الذي توارثته الأجيال، ويحرص الأطفال كل سنة على استحضاره بالطواف على البيوت «الفريج»، حاملين أكياساً خاصة مصنوعة من القماش، ينشدون أغاني الأجداد «عطونا.. الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم». وبالرغم من تطور المجتمعات، لا يزال هذا التقليد موجوداً في كل دول الخليج باختلاف المسميات وتوقيت الاحتفال، لكن في ظل التحذير من الاختلاط، وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، طرأت متغيرات على مظاهر الاحتفال بالمناسبة هذا العام، لتصبح التجمعات الأسرية محدودة، وتحولت التهاني والتبريكات وحتى الهدايا، إلى الفضاء الرقمي عبر الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية المرئية والمسموعة.



وأكد مواطنون لـ«الرؤية» أن «حق الليلة» مناسبة ترسخ العادات المرتبطة بتراث دولة الإمارات الأصيل، كما أنها تمثل أحد رموز المحبة والتراحم والعطاء والألفة التي يحرص المجتمع المحلي على تعزيزها، وتوارثها بين الأجيال.





أهازيج شعبية

وقالت الوالدة موزة راشد سيفان إن الأمهات كانت تستعد لهذا اليوم بخياطة «الخرايط»، أي الأكياس القماشية، وشراء المكسرات التي كانت تقتصر أيام زمان على البرميت والجاكليت والنخي والفول السوداني واللوز إضافة إلى الزلابية والعصير والبيذام، لتوزع تلك الحلويات على الأطفال في أثناء الاحتفال بـ«حق الليلة»، الذي يبدأ بعد صلاة العصر، حيث يطوف الأطفال وهم يرتدون الملابس التقليدية، فالبنات يرتدين الملابس المطرزة مثل ثوب بوطيرة والميزع والمشجر، بينما الأولاد الكندورة، وهم يحملون في أيديهم «الخريطة»، ليجبر الكثير من الأهالي الأطفال بإعطائهم المكسرات، والبيت الذي يعطي كميات أكثر يردد الأطفال تلك الأهازيج الشعبية لهم بصوت مرتفع، وبمجرد أن تمتلئ الخريطة يعود الصغار للمنزل يفرغون الكيس، ليواصل الجميع التجول في الفريج ويرددون بعض الأهازيج «قدام بيتهم وادي.. والخير كله ينادي»، أما الآن وبسبب جائحة كورونا، اقتصرت في الوقت الحالي على احتفالات أسرية محدودة داخل المنازل.





تربية النشء

وأضاف ناصر حسن الكاس بن حميد آل علي، رئيس جمعية بن ماجد للفنون الشعبية والتجديف برأس الخيمة: «هذه العادة الشعبية كانت تساهم في تربية النشء على قيم حب الخير والتكافل، وتعزيز الهوية الوطنية والثقافية والحفاظ على عادات وتقاليد الآباء والأجداد، كما أن للاحتفالية بهجتها عند الكبار أيضاً، حيث تتزاور الأسر والجيران ليتبادلوا التهاني والأكلات الشعبية، ويظل كل بيت في ترقب لحين وصول الأطفال وقت العصر، حيث تجلس ربة البيت أمام باب المنزل وبجوارها أكياس الحلوى لتغرف لهم من «الجفير»، الحلويات وتوضع في خرائط الأطفال الصغار، وأثناء التنقل من فريج لفريج يرددون الأهزوجة التي تحمل معاني جميلة، لا تخلو من المداعبة الوجدانية لمشاعر أصحاب البيوت، لدفعهم إلى العطاء والبذل، لكن الآن وبسبب ظروف جائحة كورونا توقفت الاحتفالات في كل مكان، لكن ما زلنا محتفظين بهذه العادة من خلال الأسرة الواحدة التي تقوم بالاحتفال بـ«حق الليلة» مع نفسها، لكن نتمنى عودة الاحتفالات مرة أخرى».





أزياء ملونة

وأكد الدكتور محمد يوسف، أنّ هذه العادة تراث خليجي جميل يعبر عن المودة والعطاء، ويحتفل فيه الكبار والصغار بقرب حلول شهر رمضان المبارك، حيث يرتدي الأطفال الزي الإماراتي وتتزين الفتيات بالثياب التراثية الملونة احتفالاً بهذه المناسبة التي تبعث على السعادة، مشيراً إلى أنه باختلاف الزمن وتطور أساليب الحياة اختلفت أشكال الاحتفال لكنه بقي محافظاً على جوهره بالارتباط بالتراث، فتحولت الأكياس القماشية الصغيرة المصنوعة في البيت «الخرايط» إلى صناديق مزخرفة وملونة تحمل شعارات ورسوماً تراثية، وعبارات تهنئة مختلفة، لكن اليوم بسبب كورونا تحولت التهاني والتبريكات المباشرة، التي تستدعي التواصل والمصافحة، إلى تبادلها رقمياً عبر رسائل نصية ومكالمات هاتفية مرئية ومسموعة.





احتفالات افتراضية

وذكر الشاب سعود الشحي، أنه على الرغم من اختلاف هذه العادة عن الماضي وتطورها مع العصر الحديث، فإنها باقية من خلال جولة الأطفال بعد صلاة العصر، فنراهم يطوفون البيوت يباركون للأهالي، وعندما ينتهي هذا الاحتفال الجميل يعودون إلى بيوتهم يتفاخرون بما جمعوه، مؤكداً أهمية المحافظة على هذه الاحتفالات الشعبية التي ترسخ العادات القديمة في النفوس، وتزيد الترابط الأسري وتعزز الهوية.

وأضاف: «تغير شكل الاحتفالات مع ظهور كورونا في العام الماضي وتحولت احتفالات تبادل التهاني إلى افتراضية من خلال السوشيال ميديا، ونحاول كشباب استغلال التكنولوجيا الحديثة في ابتكار اشكال جديدة لاحتفالات هذا العام».





مكسرات وحلويات

وأوضح الشاب المصري المقيم بدولة الإمارات كريم الجندي، أنه لم يكن يعرف أو يسمع عن احتفالات «حق الليلة» إلا عندما جاء الإمارات ووجد الاحتفالات تعم كل شوارع الدولة في جو من البهجة والسرور والسعادة استعداداً لاستقبال رمضان، حيث وجد الأسر تقوم بتوزيع الحلويات والمكسرات وتستعد لاستقبال الأطفال الذين يأتون في تجمعات صغيرة حاملين أكياسا مزركشة ويطوفون على البيوت مرددين أهزوجة خاصة هي «عطونا حق الليلة.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم»، في مشهد ينبض بالمحبة والتراحم والتآخي.