الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

رمضان في مصر.. خارطة الخير والبهحة تتسع للجميع

في مصر لا يُفرق رمضان في نثر بهجته بين مسلم أو مسيحي، فالجميع في الفرح سواء، ولا فرحة تعادل فرحة المصريين جميعهم بحلول الشهر الكريم. الجميع يهتم بالتفاصيل من تعليق زينة رمضان أو إهداء الفوانيس لبعضهم كأحد أهم طقوس الشهر الكريم، أو حتى تجهيز «الشنط» الرمضانية التي تحوي خيرات الأرض الطيبة، كي لا يمر يوم رمضاني على أي مصري من دون أن يشعر بالسعادة.



شهر الخير

في قرية كتامة إحدى قرى مركز طلخا بمحافظة الدقهلية شمالي مصر، اعتاد مجموعة من شباب القرية جمع تبرعات شهرية لتوجيهها لأعمال الخير داخل القرية، للتكفل بمعيشة أرامل أو مطلقات أو استكمال تعليم أبناء غير القادرين من القرية.

لكن لرمضان طابعه الخاص، الذي يتجلى في طقوس خاصة لمجموعة الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم اسم «المُستقبل»، وللعام الثاني على التوالي قاموا بتقسيم أنفسهم لمجموعات لتوزيع الشنط الرمضانية على غير القادرين من أبناء القرية.



ناويين خير

يقول محمد عزالدين أحد الشباب المُشاركين في الحملة: «نعمل من خلال مبادرتنا (ناويين خير) على دعم الأسر الفقيرة داخل القرية، من خلال التواصل مع أبناء القرية في الخارج والداخل وتوزيع الصدقات لدعم تلك الأسر. فنحن في القرية نُعتبر عائلة واحدة، ونعرف الظروف المادية لبعضنا البعض. ورغم وجود جمعيات أخرى في القرية لكننا قررنا تغيير مفهوم العمل الخيري داخل القرية، بتوجيه الدعم المادي للأسر لمشروعات خاصة بهم، وليس دفع أموال فقط».

يقوم الشباب أيضاً بتجهيز «شنط» رمضانية وتوزيعها على الأسر المتعففة، وتتم تلك العملية ليلاً، إضافة لتوزيع اللحوم داخل الشنط الرمضانية، وكل ذلك يتم بدعم ذاتي تماماً، كما يقول عزالدين، ويتمنى أن تندمج الجمعيات الخيرية داخل القرية في كيان واحد لتوحيد الجهود لدعم الفقراء والمحتاجين.





مطبخ الخير

ومن الدقهلية إلى الشرقية وتحديداً في مدينة مشتول السوق حيث المطبخ الخيري الذي كان فكرة مجموعة من الشباب أيضاً بدعم من المحال والمجازر وأصحاب المخابز لتقديم وجبات يومية لغير القادرين داخل المدينة.

وتقول تهاني الحمايدة أحد القائمين على «مطبخ الخير» في المدينة لـ«الرؤية»: «نهدف في المطبخ لتقديم 1000 وجبة يومياً بدعم ذاتي من بعض الشباب من أهل (مشتول السوق) وبعمل تطوعي خالص، ودعم من فاعلي الخير من أهل المدينة وبعض ربات البيوت اللاتي تبرعن بالطهي وتنظيف الدجاج والأرز وتقطيع الخضروات، والمشاركة بالمجهود أو بخامات عينية».

يبدأ العمل في المطبخ - كما تقول تهاني - من الظهيرة حتى قبل الإفطار ويستهدف الأسر الفقيرة والأمهات المعيلات. وتُضيف: «مطبخنا يستهدف أيضاً المُسنين لنقدم لهم وجبات داخل منازلهم، حيث نعتبر أنفسنا أهلاً لهم وسنستمر طوال العام في دعم كبار السن».



تجمعات فيسبوكية

ومن الشرقية للقاهرة حيث تجمعت مجموعة شبابية أطلقت على نفسها اسم «تجمعات»، وتستهدف المجموعة الفقراء والمحتاجين داخل محافظة القاهرة، بدعم ذاتي يعتمد على صدقات الأهل والأصدقاء.

يقول خالد أشرف قائد المجموعة لـ«الرؤية»: «في البداية تجمعنا كشباب من مجموعة فيسبوكية وكنا نلتقي في مناسبات مُختلفة، لكن بعد ذلك تطورت أهدافنا لتوجيه جهودنا للعمل الخيري خصوصاً في رمضان، ونعتمد في التمويل على جمع الأموال من أصدقائنا وعائلاتنا».

تقوم المجموعة بأكثر من نشاط في رمضان سواء توزيع الوجبات على الفقراء والمشردين في الشوارع، أو من استدعت ظروف عملهم الإفطار خارج المنزل، مثل عمال النظافة، «كما نقوم بتوزيع شنط رمضان للأسر المحتاجة والتي نتعرف عليها أيضاً من خلال الآخرين، ويبلغ تعداد الفريق حوالي 500 شاب وفتاة».



فوانيس الجمالية

في منطقة الدراسة بحي الجمالية الشعبي بمُحافظة القاهرة يقف الشاب المصري إسلام مأمون مع أصدقائه لتعليق زينة رمضان، بألوانها المُختلفة وأصواتها التي تبعث البهجة في نفوس الأطفال الذين يشاركون في تعليق الزينة وينتظرون شكلها النهائي.

يقول إسلام لـ«الرؤية»: «لا رمضان من دون زينة وتلك هي طبيعة الشارع المصري في رمضان، وأنا في الأساس أحب الرسم وقمت برسم جداريات داخل الشارع وبعض الشوارع المجاورة منذ عدة أشهر لإضفاء البهجة والتخلص من القمامة أثناء الموجة الأولى لجائحة كورونا في رمضان الماضي».

ومع حلول شهر رمضان هذا العام قرر إسلام - مع أصدقائه - تعليق الزينة في المنطقة مع التعايش مع «كوفيد-19»: «كلنا بحاجة للفرح والسعادة، وسعادة المصريين في رمضان لها طقوسها ومنها تعليق (الزينة) في الشوارع والحواري، ودورنا جميعاً رسم البهجة ولو بالقليل، وهو ما يميز منطقة الدراسة بالجمالية».



أقنعة كرتونية

ومن القاهرة للإسكندرية اجتمع حوالي 15 شاباً وفتاة في منطقتي «العصافرة» و«ميامي» ومناطق شرق الإسكندرية مُرتدين أقنعة لشخصيات كرتونية لتقديم الفوانيس والبالونات للمارة والأطفال، محاولين رسم البهجة على الوجوه، في إشارة لمصر «الحلوة».

رامي يسري أحد القائمين على الفكرة يقول لـ«الرؤية»: «المصريين أقل حاجة بتفرحهم.. مش شرط نقدم هدية غالية». ويتابع: «نحاول رسم البهجة بفانوس صغير قد لا يتعدى سعره الخمسة جنيهات لكن البعض ربما يكون غير قادر على شرائه ويبقى معه كذكرى سعيدة وكل ذلك عن طريق التبرعات من أهل الخير لإدخال السرور على قلب مُسلم».





فوانيس أندرو وإسحاق

لا تقتصر صناعة البهجة الرمضانية على المُسلمين فقط، بل يشارك المصريون المسيحيون في صُنعها أيضاً، ومنهم الشاب السكندري أندرو إبراهيم الذي صنع بنفسه مجموعة من الفوانيس وقام بتوزيعها على المارة في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية.

فقد صنع أندرو «الفوانيس» و«السبح» ومجسمات عربات الفول والكنافة والقطايف بخامات صديقة للبيئة وإعادة تدوير بعض المخلفات، وقام بتوزيعها على أصدقائه في المدرسة والمحلات المجاورة لمنزله وللمُصلين بعد انتهائهم من صلاة التراويح.

يقول أندرو لـ«الرؤية»: «الاحتفال برمضان طقس نحن معتادون عليه داخل منزلنا فدائماً ما كنت أرى والدتي تقوم بتوزيع الفوانيس وشنط رمضان على المحتاجين، وأنا بالأساس تعلمت إعادة تدوير المُخلفات فأردت استغلال ذلك في صُنع فوانيس لأصدقائي وإهداءهم إياها، وقمت بصناعة تلك الفوانيس قبل رمضان بعد أشهر حيث يستغرق المجسم الواحد أسبوعاً كاملاً».

ومن الإسكندرية إلى بني سويف بصعيد مصر، وبنفس الفكرة في تصنيع الفوانيس، قام رياض إسحاق رياض - موجه الجودة بإدارة الفشن التعليمية جنوب بني سويف - على إضفاء بهجة رمضان بطريقته الخاصة، حيث قام بإهداء الفوانيس للأطفال مُعتبراً أن الأمر «لفتة إنسانية»، ويقول عن ذلك: «المُسلمون والمسيحيون في مصر نسيج واحد، ورمضان شهر البهجة والخير لنا جميعاً، وهذا ما أردت زرعه داخل نفوس الأطفال».

كما حرص أطفال أكاديمية الجزيرة للسباحة بالأقصر على تقديم فوانيس رمضان للأطفال محاربي السرطان بمُستشفى شفاء الأورمان بالأقصر في إطار مبادرة «ارسم بسمة». وقال خالد خضيري أحد المُشرفين على المبادرة «نحاول رسم البهجة على وجوه أطفالنا مُصابي السرطان كدعم نفسي لهم».