السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

«حرب أهلية».. دراما تلعب على أوتار المشاعر لتعزف نغمة الصراع العائلي

تبدأ الجريمة عادة داخل محيط العائلة، هكذا يخبرنا علماء الجريمة والنفس والاجتماع والوقائع التي تتداولها وسائل الإعلام كل يوم. وأول جريمة سجلتها الأديان كانت قتل قابيل لأخيه هابيل، وأول أسطورة فرعونية كانت قتل ست لأخيه أوزيريس.

في عدد من الأعمال الدرامية الرمضانية تركز الأحداث على الصراعات داخل العائلة الواحدة من أجل المال والسلطة والحب، أو بدافع الغيرة والحقد والحسد، والتي تصل في كثير من الأحيان إلى حد القتل، أو محاولة القتل.

من الأعمال التي تركز على هذه الحروب العائلية الدموية مسلسلات «نسل الأغراب»، «قصر النيل»، «ضد الكسر» و"حرب أهلية".

"نسل الأغراب" يقدم صورة متطرفة لصراع الشقيقين لكنها "خارجية" تتحول فيها الغيرة والكراهية إلى حرب حقيقية بالأسلحة يروح ضحيتها العشرات وتستمر على مدار أجيال.

في «قصر النيل» تؤدي الصراعات بين أفراد العائلة الأرستقراطية على الشرف والمال والميراث إلى عدة جرائم قتل، في سلسال متواصل من المؤامرات ومحاولات الانتقام. وعندما يقتل العم يتبين في التحقيقات أن كل أفراد عائلته لديهم دوافع لقتله، قبل أن يتبين أنه لم يقتل فعلاً، بل ادعى الموت لينتقم بطريقته من بعض أفراد العائلة.

في «ضد الكسر» تعرضت البطلة لحادث اعتداء كاد أن يقضي عليها، وكشفت التحقيقات أيضاً أن كلاً من زوجها وأختيها وأصدقائها وخادمتها كان لديهم دوافع للتخلص منها. وبغض النظر عن القتل يبدو الأمر في كل من «قصر النيل» و«ضد الكسر» أن الجميع يتبادلون الكراهية.



لكن كل هذا لا يقارن بما نراه في «حرب أهلية» الذي قد يخلو من جريمة قتل مباشرة، ولكنه يركز على المؤامرات النفسية والمشاعر السلبية والنماذج البشرية غير السوية القريبة من الواقع، والتي يرى كثير من المشاهدين أنها تشبه قصصاً وشخصيات يعرفونها.

"حرب أهلية" من بطولة النجمة يسرا، التي قدمت في العام الماضي مسلسل "خيانة عهد" الذي تناول الصراع العائلي والغيرة المميتة بين الإخوة والخيانات العائلية بأنواعها بطريقة صادمة، ولكنها أثارت إعجاب المشاهدين، وحقق المسلسل نجاحاً كبيراً يبدو أنه دفع صناع المسلسل إلى العزف مجدداً على نغمة الصراع العائلي.





في «حرب أهلية» تلعب يسرا شخصية «مريم» الطبيبة الناجحة الطيبة، التي تملك مستشفى خاصاً وهي مطلقة من رجل الأعمال عزيز (رشدي الشامي) ولديها ابنة حرمها عزيز من رؤيتها لسنوات طويلة، ولكنها تتبنى فتاة من أسرة فقيرة. تقع مريم ضحية المعالج النفسي النصاب «يوسف» (باسل خياط) الذي يوهمها بأنها مريضة ويستولي على المستشفى، ويتزوج من امرأة أخرى (أروى جودة)، تصاب بصدمة كبيرة عندما تعلم أنه نصاب، وتقرر الانتقام منه عندما تفاجأ بخيانته لها.

تدور الشخصيات داخل دائرة عائلية مغلقة، إذ يتبين أن عشيقة يوسف (سينثيا خليفة) هي زوجة عزيز، وهي فتاة ماكرة تسعى وراء المال ولديها استعداد لعمل أي شيء في سبيله، ومن الطريف أن سينثيا خليفة تلعب دوراً مشابهاً في «ضد الكسر»، إذ تؤدي أيضاً شخصية فتاة تستخدم أنوثتها للتآمر ضد الزوجين محمد فراج ونيللي كريم.

الشخصية الأكثر تعقيداً وواقعية في «حرب أهلية» هي تمارا، ابنة مريم وعزيز، التي تؤديها جميلة عوض، والتي تسبب طلاق والديها وصراعاتهما في إصابتها بخلل نفسي شديد، حيث باتت حاقدة وكارهة للآخرين ونفسها، ومن ثم تحاول دائما بث الشقاق والإيقاع بين الناس حتى أقرب المقربين منها.





"حرب أهلية" من إخراج سامح عبدالعزيز في ثاني تعاون تلفزيوني مع يسرا بعد "خيانة عهد" في رمضان الماضي. سامح معروف بميله للميلودراما ومغازلة المشاعر البسيطة للمشاهدين ومن أفلامه المعروفة "كاباريه" و"الفرح" و"الليلة الكبيرة" وفي الدراما التلفزيونية "زي الشمس" و"بين السرايات".





في «حرب أهلية» يدفع سامح عبدالعزيز باللعب على أوتار المشاعر إلى حد الإفراط أحياناً، من خلال التركيز على التمثيل الانفعالي «المسرحي» والدموع والصراخ، مع ميل لاستخدام اللقطات المقربة للوجوه والموسيقى العاطفية الصاخبة، والتطويل المبالغ فيه للمواقف والمشاهد «المؤثرة»، متأثراً فيما يبدو بالمسلسلات الهندية والتركية الشعبية. وتقريباً لا ينجو من فخ هذا الإفراط التمثيلي سوى يسرا، ربما لأن شخصيتها تتسم بالعقلانية والهدوء.



تنجح جميلة عوض في تقمص شخصية البنت المعقدة نفسياً بواقعية في الشكل والأداء يجعل حتى من إفراطها في التعبير شيئاً مقبولاً ويمكن تصديقه، لكن هذا لا ينطبق على كل الممثلين، وبعضهم لا يمكن قبول أو احتمال مبالغاتهم المجانية.

من ناحية الكتابة استخدم مؤلف المسلسل أحمد عادل مصطلح «حرب أهلية» السياسي، الذي يقصد به الحرب بين مواطني البلد الواحد، ليصف به الحرب التي تنشب بين أفراد البيت الواحد، وهو عنوان موفق جداً.

ومن مميزات العمل أنه يمتلئ بالأحداث والمفاجآت المشوقة، ولكن بشكل ما تبدو آثار الصنعة ومحاولة جذب انتباه المشاهد واستدرار مشاعره مكشوفة وغير مقنعة أحياناً، مثل المؤامرات الفجة التي تدبرها الشخصيات!