الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

في «شقة ستة».. هل يحتاج الرعب إلى المنطق؟!

دخلت الدراما العربية بيت الأشباح متأخرة، حيث غاب لعقود طويلة نوع الرعب عن السينما والتلفزيون العربيين، قبل أن يبدأ صناع الأفلام والمسلسلات في تحسس الطريق المظلم المؤدي إلى أكثر الأنواع الفنية غرابة وتأثيراً.

لماذا تجنبت الدراما العربية هذا النوع في الماضي؟ ولماذا قررت أن تتجه إليه بقوة في السنوات الأخيرة؟ وهل تختلف أفلام ومسلسلات الرعب العربية عن مثيلاتها الأمريكية والعالمية، أم أنها مجرد استنساخ وتقليد لها؟





أسئلة يثيرها أحدث مسلسل عربي ينتمي لنوع الرعب وهو «شقة ستة» الذي بدأ عرضه الأسبوع الماضي على منصة "شاهد VIP"، من بطولة روبي، أحمد حاتم، هاني عادل، صلاح عبدالله، محمود البزاوي ورحاب الجمل وإخراج محمود كامل عن سيناريو لسعاد ورفيق القاضي ومحمود وحيد.

يدور «شقة ستة» حول صحفية شابة اسمها إنجي (روبي) تعاني من اكتئاب عقب موت والدتها وتنتقل للسكن في شقة جديدة، يتبين أنها مسكونة بكائنات وقوى وشريرة، ويصبح السؤال التقليدي هل تعاني إنجي من هلاوس ناتجة عن حالتها النفسية أم هناك بالفعل قوى خفية تترصدها؟



يبدأ «شقة ستة» بمعاناة إنجي من الشقة التي باعها إياها تاجر عقارات غامض يلعب دوره محمود البزاوي. يبدو أنه يعرف شيئاً عن الشقة لا تعرفه إنجي، ولكن علاماته ظاهرة في أشياء تبدو لافتة: باب لا يعمل جيداً، وباب آخر لا يفتح مطلقاً، وعندما تستدعي نجاراً لكسره تكتشف وجود بقايا أثاث مخيفة داخل الغرفة.

أشباح غير مرئية تتحرك بالقرب منها، وجارة تطعم لحماً نيئاً للقطط ثم تصعد إلى سطح المنزل لتلقي بنفسها إلى الشارع، ثم يتبين أنها تفعل ذلك كل عدة أيام.

في الوقت نفسه هناك خطوط وشخصيات فرعية على رأسها هاني عادل الذي يؤمن بوجود كائنات غيبية وعين ثالثة داخل مخ الإنسان يمكنها رؤية هذه الكائنات، وزوجته رحاب الجمل التي تخشى الخوض في هذه الافتراضات، وقريبهما الطبيب الشرعي أحمد حاتم الذي لا يؤمن بالغيبيات، وكل من عادل وحاتم يحاول إثبات وجهة نظره لإنجي الحائرة.



هناك أنواع كثيرة داخل نوع الرعب، فهناك رعب السفاحين المتسلسلين، ومصاصي الدماء، والزومبي، والمتحولين، والوحوش، والتجارب العلمية التي تخرج عن السيطرة، والكائنات الفضائية القادمة من كواكب بعيدة، والكائنات «الروحية» التي لا ترى بالعين المجردة مثل الأشباح والعفاريت والجن الذي يركب الإنس.

والنوع الأخير هو الأكثر انتشاراً في الإنتاج العربي، ربما لأنه يتوافق مع الثقافة الشعبية السائدة التي تؤكد وجود هذه الكائنات الغيبية في حياتنا. وهذا النوع بالتحديد غالباً ما يدور في المنطقة الغائمة بين الإيمان بالغيبيات والتفسير العلمي، ولذلك غالباً ما يطرح السؤال السابق حول حقيقة ما يدور: هل هو هلاوس في عقل الشخصية؟ أم حقيقة يمكن لمسها وتفسيرها علمياً؟ وهو سؤال يعبّر عن الحيرة التي يعاني منها الإنسان الحديث تجاه الظواهر التي لا يستطيع أن يجد لها تفسيراً علمياً محدداً وواضحاً. صحيح أن العلم قطع شوطاً هائلاً في تفسير بعض هذه الظواهر، لكن معظم الناس لا يزالون يشعرون بأن هناك بالفعل كائنات أخرى وأشكال وأصوات غريبة تأتي من مكان ما خارج عقلهم.



ينشغل مسلسل «شقة ستة» خلال حلقاته الأولى في محاولة الإجابة عن هذا السؤال الذي لا توجد إجابة قاطعة له، ولا يهم، في الحقيقة عشاق نوع الرعب المشغولون أكثر بجرعة الأدرينالين والإثارة النفسية التي يحققها لهم، خاصة إذا فهمنا أن أنواع الرعب والفانتازيا والأبطال الخارقين هي خروج متعمد على قوانين الواقع إلى رحابة الخيال وأعماق النفس البشرية الغامضة، وأنها تخاطب الوعي الباطن sub conscience أكثر مما تخاطب العقل.

يحاول «شقة ستة» أن يبدو منطقياً في نوع لا يخاطب المنطق من الأساس، والمناقشة الطويلة التي تدور حول القوى الروحية والعين الثالثة في الحلقة الثانية تبدو طويلة وزائدة. هاني عادل يعتقد أن الإيمان بالروحانيات يستدعي أن يرتدي ملابس غريبة ويمسك بسبحة، أما أحمد حاتم فلا يبذل أي جهد لإعطاء خصوصية لشخصيته، وحتى تصفيفة شعره ولحيته وطريقة أدائه ونبرة صوته لا تختلف عن مثيلتها في مسلسلاته كلها وآخرها "ليه لأ".



على الناحية الأخرى يعطي المخضرم صلاح عبد الله لشخصيته ملامح وأداءً مختلفاً، كذلك سماء إبراهيم في دور السيدة غريبة الأطوار، بالإضافة إلى روبي التي تلعب دوراً مختلفاً تثبت فيها نضجها وتطورها كممثلة.

هذا التأرجح في الأداء ينطبق على الإخراج أيضاً، حيث هناك العديد من المشاهد المنفذة جيدا، خاصة مشاهد التشويق، فيما تبدو مشاهد أخرى، مثل المناقشات حول طبيعة ما يحدث وتفاصيل العمل في الصحافة كأنها تنتمي لمسلسل آخر.