الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

«ماكو».. سينما استغلال الكوارث!

«ماكو».. سينما استغلال الكوارث!

فريق عمل الفيلم أثناء التصوير

دون سابق إنذار، في مفاجأة لم يتوقعها صناع الفيلم أنفسهم، تصدر «ماكو» إيرادات شباك التذاكر في مصر وبعض البلاد العربية، على الرغم من وجود أفلام كثيرة كبيرة، أجنبية ومصرية.

اسم الفيلم غير مفهوم ولا يبشر بالنجاح، والبوستر عبارة عن بحر وسماء زرقاء وقرش يلتهم شيئاً ما، يذكر على الفور بفيلم ستيفن سبيلبرج الشهير الفك " Jaws1975".

ماكو هو أيضاً الفيلم الأول لمخرجه محمد هشام الرشيدي والسيناريو الأول لمؤلفه أحمد حليم، وموضوعه ليس من (الثيمات) الشائعة مضمونة النجاح في السينما المصرية، فما، إذن، سر هذا النجاح المفاجئ؟!

الفيلم بطولة جماعية لعدد من النجوم المصريين والعرب المعروفين، لكن أحداً منهم لا يصنف كنجم شباك جماهيري: بسمة، ناهد السباعي، عمرو وهبة، سارة الشامي، محمد مهران من مصر، نيكولا معوض من لبنان، منذر رياحنة من الأردن، فريال يوسف من تونس، والتركي مراد يلدريم.





ويمكن القول إنهم يشكلون فريقاً ممتازاً، ويستطيعون، نظرياً، أن يحملوا على أكتافهم بطولة أي فيلم.

لكن الغريب أن معظمهم يظهر في معظم أحداث الفيلم مرتدياً ملابس الغطس التي تغطي كل جسمه، وقناعاً فوق وجهه، تحت مياه البحر، بحيث لا يظهر منهم سوى عيونهم وجزء من وجناتهم.

تدور فكرة الفيلم باختصار حول فريق عمل فيلم وثائقي يغطسون في البحر الأحمر بحثاً عن آثار «عبّارة» غارقة، فيتعرضون لأخطار مرعبة وقاتلة. وهذه المشاهد المثيرة المصورة تحت الماء هي قلب الفيلم والفكرة الأساسية وراء صنعه، وهي السبب الأول، والأخير، لنجاحه الجماهيري.



(ماكو) ببساطة هو إعادة تدوير لتجربة نجاح يزيد عمرها على 30 عاماً، عندما صنع المخرج أحمد جلال ومدير التصوير سعيد شيمي فيلمين جرى تصوير بعض مشاهدهما تحت الماء وهما (جحيم تحت الماء)، 1989، و(جزيرة الشيطان)، 1990، وقد لقي الفيلمان نجاحاً كبيراً لأسباب منها انبهار المشاهدين بفكرة المشاهد والمعارك التي تدور تحت الماء.

خلال ثلاثين عاماً تطورت تكنولوجيا السينما بشكل هائل، ولم تعد كاميرات السينما القديمة تستخدم بعد حلول عصر الكاميرات الرقمية الحديثة، التي يمكنها صنع «المعجزات» مقارنة بالكاميرات القديمة، بالإضافة إلى التطور المذهل في تقنيات المؤثرات البصرية الخاصة، ويستفيد فيلم «ماكاو» من هذا التطور لتقديم صورة مثيرة وجديدة على السينما المصرية.

بجانب عنصر الإبهار هذا فإن «ماكو» يعبر أيضاً عن روح عصره وجمهوره. مشاهد «الأكشن» في «جحيم تحت الماء» و«جزيرة الشيطان» كانت بسيطة، تعبر عن الصراع بين البطل الطيب والشرير الجشع، فإن المشاهد المصورة تحت الماء في «ماكو» مخيفة، خانقة ودموية.

كذلك صور شخصيات الفيلم متخفين تحت ملابس وقناع الغطس، محبوسين داخل سفينة غارقة مات على متنها العشرات، وأسماك القرش تحوم حولهم، تعبر كأفضل ما يكون عن زمن «كوفيد-19 المستجد» وحالة الرعب والحظر التي عاشها البشر خلال العامين الماضيين.



ولا عجب أن الجمهور الذي بدأ في العودة إلى دور العرض السينمائي بعد طول غياب قد وجد في هذه المشاهد معادلاً نفسياً فنياً لحالة القلق والرهاب التي لم يخرج منها بعد.

من ناحية ثانية روج صناع فيلم «ماكو» له بعبارة أنه يعتمد على أحداث حقيقية، وهي عبارة زادت من مصداقية أحداثه ومن تأثر المشاهدين بها.

يشير الفيلم في بدايته وخاتمته إلى حادث غرق العبارة «سالم» في 1991 في البحر الأحمر في واحدة من أكبر الكوارث التي شغلت الرأي العام لسنوات.



كذلك أشار صناع الفيلم لحادث آخر راح ضحيته ثمانية أصدقاء كانوا يغطسون بالقرب من الهيكل الغارق للعبارة «سالم».

يستغل «ماكو» المزاج القلق السائد بسبب «كوفيد»، كما يستغل كارثة العبارة ومأساة حادث الأصدقاء الثمانية، ولكن ماذا فعل بهم؟

لم يلتقط الفيلم من الحادثتين سوى المعلومة، لصياغة قصة غير متماسكة، لا علاقة لها بالحادثتين، حول مخرجة مستاءة من فوز زوجها بجائزة للأفلام الوثائقية كانت تحلم بالفوز بها، وهو ما يدفعها إلى تبني فكرة عمل فيلم عن آثار العبارة الغارقة أملاً في صنع فيلم يفوز لها بالجائزة، وهو ما يتحقق مقابل عدد من الخسائر التي لا تعوض.

في أحد مشاهد الفيلم يحذر الغطاس مرشد مجموعة الفيلم الوثائقي من المخاطر التي تنتظرهم، ويقول «عليكم الاختيار بين الشغف والحياة».



وبالفعل يخاطر صناع الفيلم الوثائقي بحياتهم من أجل الفيلم الذي يقومون بصنعه. لكننا لا نفهم ولا نرى طبيعة هذا الفيلم الذي يصنعونه. وما هي بالضبط فائدة تصوير العبارة الغارقة، طالما أنهم لم يكتشفوا أي شيء جديد يتعلق بغرقها؟ وهل كان هدفهم فقط الهبوط لقاع البحر لتصوير المركب الغارق؟ بعد دقائق معدودة من نزولهم يلتهم قرش المرشد ويبدأ كل منهم في البحث عن وسيلة للهرب والصعود للمركب التي أتت بهم، لكنهم لا يستطيعون.



مع ذلك ينتهي الفيلم بحصول المخرجة على جائزة، ولا نعلم ما هو بالضبط موضوع الفيلم الذي صنعوه، إلا إذا كان تسجيل لحظات موتهم!

والسؤال ينطبق على صناع فيلم «ماكو» أيضاً: هل الهدف من صنعه هو مجرد مشاهدة أناس يتساقطون تحت الماء؟