الأربعاء - 22 مايو 2024
الأربعاء - 22 مايو 2024

«جمل المحامل».. لوحة من 48 عاماً تحكي قصة العتّال الفلسطيني

عندما تكون جالساً تستذكر لحظات جميلة من حياتك وتبدأ بتقليب صفحات الذاكرة وتنفتح أبواب العبر والذكريات، يجعلك الأمر تدقق النظر في جميع اللوحات التي تختزنها ذاكرتك، الأجمل من ذلك أن تكون تلك اللوحة رسمت قبل أكثر من 40 عاماً.



وكانت مشاهدتك لهذه اللوحات بالصدفة، فتجد فيها مدينة القدس وقبة الصخرة تحتضن كنيسة القيامة، تدقق النظر لتجد توقيعها لفنان فلسطيني معاصر ولد في مدينة بيرزيت في الضفة الغربية وأبدع بتشكيل لوحة «العتال الفلسطيني» أو «جمل المحامل» كما سميت.



ولوحة جمل المحامل أو العتال الفلسطيني، تُعد واحدة من أشهر لوحات الفنان الفلسطيني سليمان منصور، والتي رسمها سنة 1973م، والتي ترمز إلى أن كل إنسان فلسطيني يحمل قضيته أينما كان والحمل ثقيل ولكن يحمله بكل حب وفخر واعتزاز.

ويروي هذا الفنان المسن سليمان منصور حكايته مع هذه اللوحة وكيف جددها وكان لها أثر بأن تكون حاضرة في كل منزل فلسطيني.

ويقول منصور لـ«الرؤية»: "في سنوات سبعينيات القرن الماضي وقبل استعمال التراكتور الصغير في نقل البضائع داخل البلدة القديمة في القدس كان العتال هو من يقوم بهذه المهمة حيث أصبح جزءاً من المشهد العام ولا بد أن تراه حاملاً أشياء ضخمة على ظهره وسائراً بثقة وثبات وتأنٍ في أزقة وحارات القدس القديمة".

وأضاف "شدني منظر العتال وكنت دائماً أستغرب من قوته وجلده وهو يحمل أحياناً أضعاف حجمه وزاد استغرابي أنه وفي كثير من الأحيان كان يبدو كبير السن وضعيف البنية".

صورة مستوحاة من واقع الحياة فبدأ برسم هذه الشخصية وقام بعدة محاولات بدأت بحمل أشياء كبيرة كثلاجة أو خزانة وكانت نتيجة هذه المحاولات لوحة عادية لعتال في أحد أزقة القدس.

فكرة العتال رسخت في ذاكرة الفنان سليمان دون بصيص أمل حتى جاءته البشرى وبعد تفكير عميق كانت القدس على رأس العتال الفلسطيني، فوضع القدس في البداية في دائرة ولكن كانت تبدو أنها قد تتدحرج منه في أية لحظة، خشي عليها السقوط من على رأسه فيصيبها ضرر فأضاف شكلاً مخروطياً لكلا الطرفين لتعطي الحمل شيئاً من الثبات وكانت النتيجة شكلاً يشبه العين وبداخله منظر القدس تتوسطها قبة الصخرة، كان هذا في أواخر عام 1973م.

لم يقف العتال في مكانه فصار مع هويته بخطوط متوازية حتى كان عام 1975م، حيث تم تأسيس رابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين وتقرر إقامة أول معرض لها في جمعية الشبان المسيحية في القدس فكان العتال حاضراً وشارك في المعرض.

ويقول الفنان سليمان: «شدت هذه اللوحة بالذات انتباه الجمهور وكان من زوار المعرض أشخاص يعملون في مكتب للنشر في شارع صلاح الدين وعرضوا علي طباعتها كملصق (بوستر)».

وأضاف "وافقت وأخذوا اللوحة بعد انتهاء المعرض وبدؤوا بالتحضير لعملية الطباعة وكان لا بد أن نضع اسماً لهذا العمل، كان الكاتب المعروف إميل حبيبي صدفة في هذا المكتب وسمع النقاش وتدخل مقترحاً اسم (جمل المحامل) حيث وافقنا جميعا وبحماس على هذا الاسم، طُبعت اللوحة وانتشرت في كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وانتشرت بسرعة كبيرة تقريباً بين الناس ووصلت غالبية البيوت".

في عام 1976 أُقيم معرض في الأردن وكانت اللوحة موجودة في المعرض وكذلك نسخ مطبوعة منها حيث انتشرت كذلك بسرعة هائلة في الأردن.

ويبين منصور اللوحة الأولى فقدتها بظروف غامضة وعملت نسخة منها وهي اللوحة التي عرضت في عمان عام 1976 حيث انتقل المعرض إلى لندن حيث تواجد هناك السفير الليبي الذي اشتراها لكي يهديها للرئيس الليبي العقيد معمر القذافي بمناسبة عيد ميلاده.