الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

Suits بالعربي.. اقتباس رديء للدراما وعالم البيزنس

Suits بالعربي.. اقتباس رديء للدراما وعالم البيزنس

بوستر سوتس بالعربي

من أطرف الأخبار المتعلقة بدراما رمضان لهذا العام، الدعوى التي أقامتها شركة ملابس شهيرة ضد منتجي مسلسل "Suits بالعربي" بتهمة عدم سداد قيمة البدل التي ارتداها أبطال مسلسل "بدل"، والتي تقدر قيمتها بمليونين و700 ألف جنيه مصري، وقيام الشركة المنتجة بإصدار بيان مضاد تعلن فيه أنها غير مدينة لأحد!

لكن التهمة الأكبر التي يمكن توجيهها ضد صناع المسلسل هي الاقتباس الرديء للمسلسل الأصلي، وإنفاق عشرات الملايين على إنتاج شيء يصعب تحديد هويته، فلا هو تمصير أو تعريب يمكن دمجه داخل بيئة عالم البيزنس المصرية، ولا هو ترجمة صوتية dubbing للمسلسل الأمريكي الشهير على طريقة ترجمة المسلسلات التركية والهندية.



خصوصية أمريكية

حقق Suits الأصلي نجاحاً وشهرة هائلة منذ بداية عرض موسمه الأول في 2011، ووصلت عدد مواسمه إلى تسعة بحلول 2019، ويعود هذا النجاح إلى أسباب كثيرة، على رأسها كشفه لتفاصيل وأسرار عالم البيزنس والقوانين التشريعية والعرفية التي تحكمه في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قد تتشابه بدرجات مختلفة مع بلاد صناعية ورأسمالية أخرى، ولكنها بالتأكيد لا تشبه من قريب أو بعيد عالم البيزنس أو قوانينه أو رجال ونساء القوانين الاقتصادية في مصر والعالم العربي.

لا يوجد في مصر شركات محاماة خاصة بعالم البيزنس على الطريقة الموجودة في مسلسل «بدل»، ولا يوجد رجال ونساء قانون يشبهون شخصيات المسلسل الأصلي، والمهنة، مثل كثير غيرها، يهيمن عليها الرجال، ولا يوجد بها بالطبع مثيلات صبا مبارك وتارا عادل وريم مصطفى، وغيرهن من ملكات الجمال اللواتي يتبخترن في المسلسل، ومن النادر للغاية أن تجد بين رجال المحاماة المعروفين في القضايا الاقتصادية من يشبه آسر ياسين أو أحمد داود أو حتى ممدوح شاهين.



قانون معقد

الأكثر من هذا أن القوانين الاقتصادية تختلف كثيراً، سواء على الورق أو على أرض الواقع، كذلك العادات والتقاليد والسلوكيات السائدة المختلفة كثيراً بين مجتمع المال والبيزنس في أمريكا ومثيله في البلاد العربية.

وتكشف المقارنة السريعة بين الحلقات الأولى من المسلسلين الأصلي والمصري عن كثير من الثغرات والتلفيقات التي اضطر إليها كتاب المسلسل.

في اللقاء الأول بين بطلَيْ العمل، القانوني المخضرم زين ثابت (آسر ياسين) والشاب العبقري في القانون، الهارب من شرطة مكافحة المخدرات، آدم منصور (أحمد داود) يختبر زين آدم في بعض نصوص القوانين الاقتصادية، وهذه المناقشة وحدها تبين الفجوة الهائلة بين عالمَيْ المسلسل.



في المسلسل الأصلي فإن النص الذي يتلوه الاثنان من «دليل باربري القانوني» يتعلق بمدى مسؤولية وكالة أو شركة المحاماة أمام العميل وأنواع الانحرافات التي يمكن أن تقع فيها الشركة نتيجة السعي وراء المكسب أو إرضاء العميل أو نتيجة استنتاج مصالح العميل بدلاً منه.

النص القانوني الآخر الذي يتناقش الاثنان بشأنه أكثر تعقيداً وصعوبة، ويصعب، ليس فقط على أي مشاهد، ولكن على أي محامٍ في مصر أن يفهمه. وبالتأكيد لم يفهم كاتب المسلسل محمد حفظي أو مساعدوه شيئا من الحوار، ولذلك لجأوا إلى بعض النصوص القانونية البسيطة التي يرددها الاثنان.

الفارق بين القوانين هنا ليس مجرد اختلاف بين نصين، ولكنه اختلاف بين عالمين، وبين اقتصاد هائل بالتريليونات تحكمه قوانين شديدة التعقيد قد تختلف من ولاية لأخرى، وبين اقتصاد متواضع، يعاني من عدم وجود قوانين اقتصادية مفصلة وواضحة، ويسوده نظام عرفي يسهل التحايل عليه أو خرقه. ولعل قضية الصراع على ثمن البدل بين صناع المسلسل وشركة الملابس أكبر دليل حي على الفارق بين العالمين.



اختراع قديم

مثل آخر يظهر في الحلقتين الثالثة والرابعة يتعلق ببراءات الاختراع والصراع بين شركات الاتصالات. في المسلسل الأصلي هناك شاب عبقري يخترع تطبيقا لهاتف يعمل عن طريق القمر الصناعي (كان ذلك منذ 12 عاماً في المسلسل الأمريكي، وهي التطبيقات التي أصبحت حقيقة واقعة الآن). تحاول شركة الاتصالات الكبيرة منع المخترع الشاب من نشر التطبيق بطرق غير قانونية أو عن طريق التفاهم معه. مبدئياً، لا تملك شركات الاتصالات في العالم العربي هذه القوة ولا الصلاحية؛ لأنها تستعير تكنولوجيا غربية ليست من إنتاجها، وثانياً: ليس هناك قيمة لبراءات الاختراع تشبه قيمتها في الولايات المتحدة، ولا وسيلة دقيقة لتسجيلها، أو لحماية أصحابها، ولا يمكن حتى توثيقها في يوم واحد كما يوجد في المسلسل.

ورغم أن الصفقة التي تتم في المسلسل الأصلي، والتي تصل لأربعين مليون دولار يتم تخفيضها في المسلسل المصري إلى 20 مليون جنيه فقط، فإن هذه القصة خرافية، ولا يمكن تصديق أو تصور حدوثها في مصر.

والأكثر من ذلك أن نظام التسويات القانونية المتعارف عليه في أمريكا، ليس فقط في عالم البيزنس، لكن في القضايا المدنية، مثل الفصل التعسفي أو التحرش، ليس معمولاً به في مصر بالطريقة التي نراها في المسلسل.



تغييرات رقابية

تغييرات أخرى قام بها صناع المسلسل المصري لأسباب رقابية أو لتحسين صورة الشخصيات، ولكنها أدت إلى خلل في تسلسل الأحداث ومنطقيتها. فمثلاً في العمل الأصلي يجبر لويس المحامي المتدرب مايكل على تعاطي الممنوعات مع أحد العملاء المحتملين لإقناعه بالانضمام للشركة. يتحول ذلك في العمل المصري إلى قيام آدم منصور، متعدد المواهب، بلعب كرة القدم ببراعة مع «الكابتن ميدو»!

لكن التغيير الأكثر طرافة على الإطلاق يجري أيضاً خلال اللقاء الأول بين زين وآدم. في العمل الأصلي يقول مايكل لهارفي إنه اكتسب كل هذه المعلومات التي لديه من القراءة: «أحب القراءة، وأفهم ما أقرأه، وما أفهمه لا أنساه أبداً». في العمل المصري يخبر آدم زين بأنه يحب مشاهدة الأفلام ويستقي معلوماته منها.

وربما يكون هذا هو الفارق الأساسي بين عقلية الإبداع وعقلية الانتحال!