الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

ريم الكمالي: لا أصنع التاريخ .. ومتهمة بالجنون

ريم الكمالي: لا أصنع التاريخ .. ومتهمة بالجنون

ريم الكمالي.

عادت بماضيها حيث البدايات الأولى، حين كانت المواقيت مداً وجزراً، ولأول الصبح ندى يطغى على أوراق الأشجار التي يعبث الريح بأوراقها المترامية دون أن تلوثها يد بشرية قاسية، إلا من صاحب حاجة.

لم تكتف الكاتبة الإماراتية ريم الكمالي، ذات السنوات الـ 10 آنذاك، بتفسيرات مختصرة، ولم تروِ الكتب التي في متناول يدها عطشها المعرفي، وهي ابنة القرية التي تقف على بوابة مضيق، تناظر السفن المارقة تعبرها ولا تعبّرها وتدهشها ألف ليلة وليلة وهي في مقتبل العمر.

وكبرت ابنة «خصب»، مع تساؤلات بحجم الجزيرة، لم تجد لها إجابات شافية، لتبحث بنفسها عن السر في قلاع قديمة استعمرها البرتغاليون، وأوراق قديمة فكّت خطوطها ورسمت شخوصها بمخيلتها التي بثت الحياة في تاريخ كاد يبتعد حد النسيان.


«الرؤية» التقت ريم الكمالي، وحاورتها عن البدايات، التحديات والنجاحات .. فكان الحوار التالي:


ـ ما سر تحولك إلى الرواية والتخصص في التاريخ ؟

جذبني التاريخ بأسراره أثناء محاولتي إيجاد إجابات عن تساؤلاتي، أين كنا وكيف عشنا، التفاصيل الأولى للوجود، فاخترته تخصصاً جامعياً، على الرغم من محاولات الكثيرين ثنيي عنه لشح وظائفه، وعملي في وظيفة تنفيذية بمجال الإعلام أعطاني الفرصة أن أقرأ أكثر، حتى اختمرت فكرة الرواية، التي منحتني الحرية لأصنع عالمي الخاص، ويكون التاريخ مقصدي في صدفة نابعة من شغف، محفوفة بالتحديات.

- حدثينا عن هذه التحديات؟

أنا لا أفكر بالحاجز، إذا فكرت فلن أكتب، فمثلاً أنا ابنة أسرة قضائية ومعظم العائلة قانونيون، ولم يحدث أن كتبت امرأة في عائلتي رواية، فكرت لكنني تجنبت الموضوع وقررت أن أكتب وأمضي، لكن التحدي الأكبر أنني أرى بعين واحدة فقط.

- كيف ذلك؟

عيني اليمنى لا أرى بها أبداً، ربما لا يعلم أحد ذلك، كما أن مجرى السمع لدي ضيق، فلا أسمع بوضوح، ما يجعلني أشعر دائماً بالصداع، وأسمع صفيراً في أذنيّ، ودائماً تغمر عيني الدموع نتيجة التركيز في الكتابة والقراءة.

- البعض يرى أن روايتي (سلطنة هرمز، وتمثال دلما) أزالتا الغشاوة عن الماضي، بينما يجادل آخرون بأنهما لا تمثلان التاريخ الحقيقي؟

لا يمكن أخذ الروايات أياً كانت على أنها وثيقة تاريخية، إذ صنعت في روايتي (سلطنة هرمز) معارك لم تحدث، وإلى جانب الشخصيات التاريخية الحقيقية التي تطرقت إليها خلقت شخوصاً من مخيلتي، فلا يمكن أن تكون الرواية مصدراً تاريخياً حتى إن تطرقت لسرد تاريخ حقيقي.

وعن الجدل الذي أحاط بتسمية الرواية، بين السلطنة والمملكة، هذه التعابير ترمز لنظام الحكم، فمملكة تعني ملك، وسلطنة سلطان، وفي النهاية أردت أن يميز قارئ الرواية بين (هرمز) بالإشارة لها بوصفها سلطنة ومملكة البرتغال، فلا أفهم الاعتراض على الفكرة.

- ما مدى أهمية ارتباط الرواية بالمكان والوثيقة التاريخية؟

هناك من يجاملني في حديثه عن رواياتي، لكنني أستطيع الشعور بالاعتراض ما بين السطور، كأنني أنا مَنْ يصنع التاريخ، أنا لا أصنع أي تاريخ، فدلما جزيرة اخترتها لتكون وطن روايتي.

- هل كان الهدف من الروايتين تخليد التاريخ بعمل روائي قريب من الشباب؟

شاكست القارئ قليلاً لينتبه إلى ما جرى وما مر علينا، حاولت أن أمرر بعض العبر، ولاحظت أن عديداً من الناس بحثوا عن التاريخ في المنطقة بعد قراءة إحدى الروايتين.

حين كتبت، نبعت الأفكار من هاجس أخذني في محاولة لاسترجاع قريتي المنسية ومكاني وتخليدها بشكل أو بآخر.

- خروجك عن المألوف هل عرضك للنقد؟

إذا تشابه ما يكتبه الروائي مع غيره فلن يضيف شيئاً إلى الفكر الروائي، لماذا يجب أن أكتب شيئاً مألوفاً اعتاد عليه القارئ أياً كان؟! أنا أكتب لأفتح الآفاق على عوالم جديدة، والنقد لا يعنيني، احترم النقاد لكنني لا أقرأ النقد، أطلع على تجارب البعض لكنني إذا خضت التجربة أشعر بأن هناك من يراقبني، والرواية عالم واسع بلا قوانين، أنا أكتب ما أقتنع به.

-ما الذي جذبك لتعلم اللغات القديمة؟

هي تجربة خاصة، تعلمت اللغة السومرية ذاتياً، مستخدمة قاموساً من المجمع الثقافي لفك خطوطها، اللغة ليست صعبة ولم أتعلمها لأتكلم بها، بل لأعيش المكان وأعايش تفاصيله.

واختلف الأمر بالنسبة لي بعد تعرفي إلى وقع الصوت والحس في كل كلمة، بعدها زرت موقع حضارة دلمون للتعرف إلى تاريخها، وطريقة عيش أفرادها في سبيل أن تكون بصورة شخوصها في الرواية ولأتمكن من إعادة خلق حياة تشبه حياتهم في ذلك الزمن.

-عالمك خيال خصب جامح .. هل تسبب لك بمشاكل؟

اتهمت بالجنون كثيراً .. خصوصاً أنني أخاطب الأشجار وأحضنها وأعشق الغافة الصبورة .. أنا أخاطبها فهي كائن حي يشعر بنا أكثر من البشر .. فأنا أحب الأشجار لأنها تأخذني إلى عوالم أخرى وساعدتني على إنبات شخوص رواياتي.

وللعلم، في الطفولة، كان الواقع يتعبني، فكنت أملك مفكرة وأخوض في القصص وأضع فيها خيالاتي ثم أتلفها وأمزقها، كانت عالمي الخاص، ولا يمكن لكل الناس تفهم هذه العوالم.