الثلاثاء - 21 مايو 2024
الثلاثاء - 21 مايو 2024

الثقافة والفنون.. مظلة التسامح والتعايش وحائط صد الكراهية والتطرف (3 ـ 4)

المشهد الإماراتي.. نموذج عالمي فريد في تشييد جسور تلاقي الحضارات وتآخي أبنائها



الفنون ونتاج الثقافات على تنوعها، هي وسيلة التعبير عن الجوهر الإنساني، وعبرها تتبلور رسالة سامية تتجاوز حسية المادة، لإعلاء قيم الحب والخير والجمال، عبر استنطاق الذات للتعبير المنفتح الذي يترجم المشاعر والأفكار، فتغدو انتصاراً للإنسانية الحرة، أمام خطاب مُناقض، يُعلي الافتئات المقيت، ويروج للكراهية، ويعادي الآخر المختلف.

وعلى مدى تاريخ الإنسانية، نهض نتاج الثقافة والفنون، ليكون بمثابة مظلة حقيقية لسيادة التسامح وحائط صد متين، يحمي المجتمعات المتعايشة من مخاطر الكراهية والتمييز، ودعاوى تهميش الأغيار.


ولم تكن الفنون، والنتاج الثقافي للحضارة العربية والإسلامية، في مختلف عصورها، بمعزل عن هذه المساهمة الإنسانية الأشمل، وهو المشهد الذي تكلل، في النموذج الإماراتي المنفتح في الأساس على الآخر، بإطلاق عام التسامح، ليشهد 2019، العديد من المبادرات والمشاريع المحلية والعالمية، التي عمقت أواصر التسامح بمبادرات، شكلت الثقافة والفنون أبرز أركانها.


ولم ينفصل الشباب، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، عن مشهد دعم سيادة التسامح عبر مظلة الثقافة والفنون، التي اتسع محيطها، مستثمرة تطور وسائل التواصل، والتقنية الحديثة، في مقابل تعاظم الدعاوى المضادة.

وتناقش «الرؤية» عبر 4 محاور مختلفة الدور الذي تنهض به الثقافة والفنون، من أجل تعزيز سيادة التسامح بين أبناء الحضارات والثقافات والمجتمعات المختلفة، وصولاً إلى أبرز التوصيات التي من شأنها تعظيم هذا الدور حاضراً ومستقبلاً.

يأتي إعلان الإمارات عام 2019 عاماً للتسامح انعكاساً لتأصل هذه القيمة الإنسانية السامية، في منظومة القيم المجتمعية المتوارثة، التي ارتبطت بهوية المكان، وتمثَّلها إنسان هذه الأرض، منعكسة على سلوكه اليومي، في العلاقات البينية التي تربط أبناءه، ونظيرتها التي تشكل جسراً ومعبراً باتجاه الآخر، وهو الواقع الذي لعبت فيه الثقافة والفنون دوراً جوهرياً بارزاً، سواء من جهة توكيده من خلال قنواتها المختلفة، أو استلهامه وعكسه، في شيفرات إبداعية متنوعة الأجناس.

ولم تخض الثقافة الإماراتية في مسيرتها، وصولاً إلى المرحلة الراهنة، التي تستوعب فيها أكثر من 200 جنسية، صراعاً تعلو فيه نبرة «الأنا»، في مقابل الأغيار، ولم ترفع الشعارات التقليدية التي تشي بقلق، قد يراه الكثيرون مشروعاً، على الهوية الثقافية الوطنية، بل راحت مؤسساتها تنشغل بإثراء ودعم الأنشطة الثقافية للآخر، والاحتفاء به، وإشراكه في النتاج الإبداعي الأعم للمجتمع، في حين اهتمت فعالياتها بالخروج عن السياق المحلي، وحتى الإقليمي، وصولاً إلى العالمي الإنساني الرّحب، لتعزز موقعها نموذجاً عالمياً فريداً في تشييد جسور تلاقي الحضارات وتآخي أبنائها.

وتناقش «الرؤية» في المحور الثالث من ملف «الثقافة والفنون مظلة التسامح وحائط صد الكراهية والتطرف»، الدور الذي نهض به نتاج الثقافة والفنون في المشهد الإماراتي، وصدى ذلك عربياً وعالمياً على إشاعة قيم التسامح والتعايش ونشر ثقافة الأخوة الإنسانية، والتصدي في المقابل لدعاوى الكراهية وموجات العنف والإقصاء.

تعزيز الاحترام المتبادل

أكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح أن الفعاليات الثقافية والتظاهرات الفنية التي أطلقتها الوزارة خلال عام 2019، أسهمت في إبراز قيم التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية، وحثت على قبول الآخر، كما ناهضت التفرقة والتمييز والكراهية.

وأشار في تصريحات لـ«الرؤية» إلى أن «المهرجان الوطني للتسامح والأخوة الإنسانية» الذي أطلقته وزارة التسامح، «عزز الاحترام المتبادل بين البشرية، بما يسهم في تحقيق ونشر الخير بين الجميع، مبيناً أن إطلاق مسابقة التسامح عبر مواقع التواصل الاجتماعي جاءت بهدف الوصول بقيم التسامح والتعايش إلى شرائح أوسع من المجتمع الإماراتي».

ولفت الشيخ نهيان بن مبارك إلى أن أنشطة وزارة التسامح الخاصة بطلاب المدارس، فضلاً عن سائر الأنشطة التي تطلقها الوزارة، تسعى إلى غرس قيم التسامح والتعاون بين الجميع، من دون تفرقة على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الجنسية أو اللغة، وهو الأمر الذي تلعب فيه الثقافة والفنون دوراً رائداًَ ومحورياً.

سمة إماراتية



قال وزير تطوير البنية التحتية الدكتور عبدالله بن محمد بلحيف النعيمي، الملقب بـ«شاعر الوطن»: «إن الشعر العربي بمجمله يحمل محتوى متسامحاً، بما في ذلك الكثير من نتاج العصر الجاهلي، فعندما كُتبت المعلقات في سوق عكاظ كان يجتمع التجار والأدباء والشعراء من الكبار والصغار، حيث نجد أساس اللقاء قائماً على تبادل المعارف والمؤونة بينهم».

وأكد أن التسامح سمة أصيلة ضمن خطابات الشعراء والأدباء، حتى مع وجود فئة الخارجين عن هذه النصوص الأدبية، مشيراً إلى أن الشعر النبطي جزء أصيل من ميراث العرب، وحاملاً رئيساً لقيمهم، بل ويومياتهم، إلا أن ما تناقله الناس وعلق في أذهانهم هو الشعر التوافقي الهادف، المنسجم مع الفطرة الإنسانية السمحة، أما الشعر النابذ فتناساه الناس، واندثر جانب كبير منه تدريجياً.

ولفت النعيمي إلى أن القصيدة التسامحية أو الباعثة لقيم التسامح هي تلك التي تعبر ثقافياً واجتماعياً ودينياً عن مواقف وأساليب تتماشى ومفاهيم الناس، ولا يرفضونها، وتتوافق كذلك مع سجيتهم لوصف الأشياء المحلية التي نجدها واضحة في القصيدة الإماراتية عموماً، والنبطية منها بصفة خاصة، مؤكداً أن التسامح سمة إماراتية وعربية خالصة وخاصة.

ملتقى الحضارات

أما سفير جمهورية الهند الأسبق لدى الإمارات نفديب سينغ سوري، فأكد أن أرض الإمارات وطن التسامح والتعايش وتقبّل الآخر.

واستعرض سوري أمثلة متعددة في هذا السياق، مضيفاً: «اختيار معرض أبوظبي الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة للهند ضيف شرف التظاهرة، أراه عاكساً لنهج الإمارات المستمر الداعم للتواصل والتفاعل مع مختلف شعوب العالم، ما جعل المعرض منصة عالمية رائدة لتبادل المعرفة والثقافات وتلاقي الحضارات والشعوب، كما أسهم في إلقاء الضوء على التراث الهندي بما فيه من أدب وشعر وفولكلور، وهي صيغة مثلى لبناء أواصر أساسها التسامح بين مختلف الثقافات، لا سيما حينما تكون الثقافة والفنون مدخلها».

موروث الإمارات

سفير جمهورية كوريا الجنوبية في الإمارات كون يونج وو، أوضح أن تنظيم سفارة جمهورية كوريا الجنوبية في الإمارات للمهرجان الفني الكوري تحت شعار «التسامح»، بالتعاون مع وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، من شأنه أن يدعم روح التسامح بين البلدين ويعزز أواصر العلاقات بين الشعبين، بشكل مستدام، وليس فقط عبر الطيف الواسع من الفعاليات والتظاهرات الفنية والثقافية التي شهدها الحدث، وعكست حضارة وتاريخ وموروث الإمارات وكوريا الجنوبية.

وأكد السفير الكوري أن «المهرجان الذي سلط الضوء على أهمية التسامح، عزز أيضاً العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وكوريا الجنوبية، ونمى فرص التبادل الثقافي والتواصل في كافة القطاعات، وهو ما تهدف إليه مبادئ التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية».

إحياء السلام

من جانبه قال سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى الدولة إرنست بيتر فيشر لـ«الرؤية» إن «الفعاليات الثقافية والفنية التي نظمتها السفارة خلال العام الجاري، خاصة مع اختيار جمهورية ألمانيا ضيف شرف الدورة المقبلة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب من شأنه الإسهام في تعزيز سيادة التسامح بين الشعبين خصوصاً، وسائر الشعوب التي تشارك دولها قي التظاهرة الدولية عموماً».

وذكر أن البرامج الثقافية والفنية التي تنظمها الإمارات بالتعاون مع بلده تنمي فرص التبادل المعرفي بين البلدين، وتعزز حضور التسامح والتضامن والتعاون الدولي وتسهم في إحياء السلام، وهي قيم تنسحب بشكل تلقائي على مختلف دول العالم، عبر استلهامها هذا النهج المتسامح الذي تعززه الإمارات، من خلال فضاء الثقافة والفنون بشكل مميز.

قصائد فريدة

يعد التسامح قيمة متغلغلة في النسق القيمي الإماراتي الذي تتناقله الأجيال بتوالي العصور، بحسب مدير مجلس الحيرة الأدبي بالشارقة والخبير التراثي بطي بن سالم المظلوم، الذي أكد أن مجالس الشعر، رغم قسوة الحياة قديماً، لعبت دوراً أساسياً في تواصل أبناء المنطقة مع من حولهم في شبه الجزيرة العربية، وكانت ساحة للتفاعل والتعايش، مشيراً إلى أنها انقسمت وفقاً للموقع الجغرافي إلى مجالس شعر لأهل الساحل، وثانية للبدو، وثالثة خاصة بسكان الجبال.

وذكر أن أعلام الشعر الإماراتي أبدعوا رسائل أدبية فريدة من نوعها تحتفي بقيمة التسامح، منهم الشاعر الماجدي بن ظاهر الذي مر على مولده 400 عام، وحمل في طيات قصائده الاحتفاء بفضائل الكرم والأخلاق واحترام الآخر، عاكساً صورة البدوي المتسامح، الذي يتعامل مع الآخرين ببشاشة وترحاب.

ولفت المظلوم إلى خصوصية نتاج الشاعر أحمد بلكندي من أبوظبي، الذي اشتهر أيضاً بعزفه على الربابة، ما ضاعف جماهيرية شعره المفعم بمعاني التسامح، وكذلك سعيد بن عتيج الهاملي الذي مزج في شعره حب الصحراء بالبحر، داعياً إلى الخصال الكريمة ذاتها، وعلى رأسها التسامح، إلى جانب الشاعر راشد بن سالم الخضر السويدي الذي كان يرتاد مجالس الشعر في الخمسينات والستينات، واشتهر بقصائد ذات موضوعات متعددة تنضح معانيها بالحث على التحلي بالشهامة والمروءة والفزعة، أو إغاثة الملهوف، وكلها عناصر تؤكد أهمية التحلي بالتسامح بين أبناء المجتمع.

مكون ثقافي أصيل

مدير تحرير مجلة نافودهانم الهندية الكاتب الصحافي عبده شيوابورام، لامس روح التسامح في الثقافة الإماراتية منذ زيارته الأولى، كطالب وافد من الهند ضمن منحة دراسية من وزارة التربية والتعليم.

وقال: «لا أتردد في القول إن التسامح جزء أصيل من مكونات الثقافة الإماراتية، خاصة أنني عشت في الدولة ضعف ما عشت في وطني الهند، وألفت كتاباً بعنوان (في ذكرى الشيخ زايد)، لأؤكد فيه أن الإمارات تمثل نموذجاً فريداً للتعايش السلمي، لذلك نجد أبناء الجالية الهندية بمختلف طوائفهم لا يشعرون بمشاعر المغترب عن وطنه أثناء عيشهم في الإمارات، وهذا ما نراه منعكساً كذلك، في نتاج فني وأدبي هائل عرفت به برامج وفعاليات التبادل الثقافي المختلفة التي تمت بين البلدين».

تجانس ملهم

أما الفنانة التشكيلية الأيرلندية حميرا حسين، المقيمة في الإمارات، فأكدت أن تجانس وتناغم عناصر الثقافة الإماراتية في حد ذاته ملهم، مشيرة إلى أنها نظمت معرضين فرديين هذا العام استلهمت خلالهما قيم التسامح، كما شاركت في عمل جدارية حية على هامش احتفالات العد التنازلي لإطلاق إكسبو 2020، وشاركت في معارض فنية أخرى مع فنانين إماراتيين كان محورها التعايش والتسامح.

مثقفون ومبدعون: الإمارات شكّلت بانوراما إبداعية متعددة الأجناس من أجل عالم متسامح



مظلة التسامح

الشاعر والروائي الإماراتي علي أبوالريش يرى أن التسامح المظلة التي تستظل بها الرؤوس بعيداً عن أثر الكراهية والحقد، لذلك نحن بحاجة لتعليم أطفالنا ونقلهم من مرحلة الاختلاف إلى مرحلة الائتلاف، وهي سمة المتصالح مع نفسه والمتسامح مع الآخرين، لافتاً إلى أن الإمارات تقود رسالة تنويرية داعية للتسامح، من خلال مختلف برامجها الثقافية، وليس فقط تلك المرتبطة بعام التسامح.

وأكد أبوالريش أن هناك مساحة مشتركة بين الديانات والفنون، مستشهداً بمقولة ابن رشد «كل الأديان صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها»، مضيفاً «الرسالة الإبداعية هي محور نشر التسامح، ولكن ذلك مرهون بحال تسامح المبدع، فليس كل الكتّاب والمبدعين متفقين على رسالة التسامح، ولو اتفقوا لما كان هناك جماعات متطرفة، لذلك على المبدعين الآن استثمار رسالة الإمارات في التسامح من أجل ردم بؤر الخطر هذه، من أجل إنسانية متسامحة».

الإمارات.. وجه متسامح

ويؤكد رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بدبي، السفير السابق بلال البدور، أن الوجه الثقافي المشرق والمتسامح للإمارات والبانوراما الإبداعية التي ترعاها على أرضها، قبل أن تشكل رسائل عالمية سامية، أعمق تأثيراً في علاقاتها مع سائر دول العالم، من الجانب الاقتصادي، مضيفاً «الكثير من الإنجازات الاقتصادية والسياسية تتحقق بفضل التأثير الثقافي والفني، والعكس ليس صحيحاً، وهي الحقيقة التي تمثلتها الإمارات في علاقاتها الخارجية، ليس بحثاً عن إنجازات وطنية، ولكن سعياً لخير البشرية، وإعلاء لقيم التسامح والمؤاخاة الإنسانية، وصداً لموجات ودعاوى العنف والكراهية».

وأوضح الرئيس التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة جمال بن حويرب أن مبادرة بالعربي التي تنظمها المؤسسة كل عام نجحت في إرساء رسالة اللغة العربية المتسامحة، واستفاد منها العديد من أبناء الجاليات العربية وغير العربية في الإمارات، ما جعلها منصة للتفاعل والحوار وتقبل الآخر.

تمكين البشر

مؤسِسة مهرجان طيران الإمارات للآداب إيزابيل أبوالهول، أشارت إلى أن نتاج الثقافة والفنون لا يخص مبدعيه أو متذوقيه فقط، بل هو ميراث يخص كل البشر، ويزيل تمييزهم، وفق أي اعتبارات، على نحو يجعلهم أكثر تصالحاً وتسامحاً مع الآخرين، مبينة أن المسابقات التي يتم تنظيمها على هامش المهرجان، تجمع آلاف الطلبة العرب والأجانب من مختلف الدول، في أجواء تتيح تعارفهم واستكشاف المشتركات الإنسانية بينهم.

وأوضحت أن مهرجان طيران الإمارات للآداب يجسد روح التسامح في كل ما ينظمه من فعاليات ثقافية وفنية، حيث يشارك فيه سنوياً نحو 160 كاتباً من 40 دولة مختلفة، كما أن متطوعي المهرجان ينتمون لما يزيد على 80 دولة.

تعددية ثقافية

وقال مدير إدارة البرامج والشراكات في وزارة التسامح ياسر القرقاوي إن الفعاليات الثقافية والفنية والمسرحية التي تنظمها الإمارات، وتكاد لا تستثني جنساً إبداعياً واحداً، أسهمت بشكل فاعل في نشر المفهوم الحقيقي للتسامح، فالشعار الذي حرص منظمو مهرجان دبي السينمائي منذ تأسيسه عام 2004 هو «بناء جسور التواصل الثقافي»، ما أوجد تواصلاً وتفاعلاً فنياً ملموساً بين ثقافات العالم المختلفة بوابته الفن السابع.

وساق القرقاوي مثالاً باتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، الذي حقق مبدأ التعددية الثقافية عبر منظومة متكاملة تضم كُتّاباً وناقدين من جميع دول العالم العربي، على نحو يستلهم روح الإمارات المتسامحة التي تأسست على ثقافات مختلفة.

انفتاح إبداعي

وأشار القرقاوي إلى بعض الفعاليات الثقافية التي حملت تجارب عالمية فريدة، على الرغم من تنظيمها لمرة واحدة، مثل ملتقى دبي الدولي للنحت، الذي اجتمع فيه المهتمون بالنحت من جنسيات مختلفة، إلى جانب مهرجان دبي للشعر الذي تمكن خلاله كوكبة من شعراء العالم العربي من استعراض تجاربهم الشعرية أمام حضور أدبي عالمي نخبوي، مؤكداً أن شواهد التسامح الثقافي في الإمارات لا تحصى، وبعضها خلق حراكاً ثقافياً تجاوز وقته وبقي أثره على المدى البعيد، عبر الاستفادة من المخرجات الناتجة عن تنظيمه.

وذكر أن وزارة التسامح تمكنت بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم من إدخال التسامح في المناهج الدراسية لتعليم الطلبة قيم التسامح والمواطنة والأخوة الإنسانية، مشيراً إلى أن عدد المدارس التي شملها المشروع بلغت خلال العام الجاري 300 مدرسة، مؤكداً أن دور الثقافة والفنون في مختلف مشاريع «التسامح» يبقى محورياً ومقدماً، وهو ما يؤكده واقع المشهد الإماراتي عموماً.

1000 عمل إبداعي

وأشار القرقاوي أيضاً إلى مشروع «الألف عمل إبداعي في مجالات التسامح والأخوة الإنسانية»، الذي يهدف إلى إنتاج ألف عمل معرفي ورقي ورقمي، مقروء ومسموع، ملائمة لمجالات التسامح، إضافة إلى تنظيم الوزارة منتديات خاصة بالشباب والإعلام والتعريف بالقوانين والتشريعات المتعلقة بتطبيق مبدأ التسامح، والتي بلغ عددها 18 منتدى مختلفاً.

بوابة التعايش

أما مهرجان دبي للتسوق، فيعد واحداً من أهم التظاهرات الجماهيرية التي مزجت حدثاً اقتصادياً بنتاج الثقافة والفنون في الساحة الإماراتية، مرسخة موقعها على مدى 25 دورة، بوابة للتسامح والتعايش بين رواد فعالياته من مختلف دول العالم، وكذلك العديد من الفنانين الذين شاركوا بإبداعاتهم في إثرائها.

وقال المدير التنفيذي لمؤسسة دبي للمهرجانات والتجزئة أحمد الخاجة «كل ما في دبي والإمارات من أحداث وفعاليات شاهدة على التجانس والتناغم بين مختلف الثقافات المقيمة على أرض الدولة وزائريها، حيث تمزج بانوراما الفنون والثقافات المقدمة بين مختلف الألوان والاتجاهات، لتنتج انسجاماً مهيباً يؤكد أن الفنون توحد بين البشر متذوقين ومبدعين».

وذكر أن الفعاليات التي ينظمها مهرجان دبي للتسوق تعنى بالثقافة والفنون متجاوزة تكريس الحدث باعتباره مناسبة للتسوق».

نشر المحبة

وأكد الفنان الإماراتي حسين الجسمي أن الفن والثقافة وجهان لعملة واحدة تنفق في سبيل نشر المحبة والسلام والتسامح والرقي وسيادة الاحترام المتبادل بين الشعوب، مضيفاً في تصريحات لـ«الرؤية»: «الفنون والثقافة تُورث الرقي، والتسامح جوهر الفن الحقيقي، لذلك أنا سعيد بتمثيل وطني، وأعتبر ما أقدمه جزءاً من رسالته المتسامحة مع الجميع».

وشارك الجسمي، السفير فوق العادة للنوايا الحسنة، كأول فنان عربي في النسخة الـ26 من حفل أعياد الميلاد الخيري السنوي في الفاتيكان، في حدث اعتُبر إحدى المحطات المضيئة في مشهد التسامح العالمي خلال عام 2019.

وتعتبر أول ملحنة أوركسترا إماراتية إيمان الهاشمي، الموسيقى في جوهرها، سلاماً وتسامحاً، حتى وإن كانت في أوج صخبها، لكونها لم ولن تكون معبراً لإراقة قطرة دم واحدة، مؤكدة أنها لغة موحدة بين البشر يفهمها الجميع دون الحاجة إلى معاجم لغوية، فهي تخاطب الأرواح متجاهلة افتئات التمييز.

نموذج عالمي

وقالت الهاشمي «الموسيقى سلام، والسلام حق من حقوق الإنسان، إذن الموسيقى حق من حقوقنا ولا يجب التنازل عنه، ودولة الإمارات هي التفسير الفعلي لمعنى السلام، فقد أثبتت وبجدارة تسامحها وسعيها الدائم لنشر ثقافة السلام بين جميع شعوب الأرض، وبدأت بنفسها لتكون قدوة ونموذجاً للعالم أجمع، ولذلك اعتنقت رسالة الفن، لما تختصره هذه الرسالة من مسافات طويلة، لتصل بأقصر الطرق إلى الفطرة السليمة في الإنسان».

سينما تدعم التعايش

السينما الإماراتية لها دور فعال في إرساء دعائم التعايش ونشر قيم التسامح، وفي هذا المقام، تعتبر «سينما عقيل» مثالاً على تنوع وتعدد الفنون المرتبطة بالشعوب المقيمة على أرض الإمارات.

وقالت مؤسِسة سينما عقيل بدبي الإماراتية بثينة كاظم إن الهدف من تأسيس السينما التركيز على الأفلام البديلة أو المستقلة، لكونها أفلاماً تعكس واقع المخرج أو الكاتب أو المنتج، ما يجعل المتلقي يجد ذاته خلال تفاصيل العمل السينمائي، والذي بدوره يسهم في التقريب بين الشعوب وتعريف الآخر بالثقافات المحيطة به، أكثر من أي حوارات أو حملات أو شعارات أخرى قد لا تحقق المردود ذاته في إرساء ثقافة التسامح.

ولفتت إلى أن سينما عقيل نجحت في القيام بأكثر من 60 عرضاً رحالاً، جذبت خلالها أكثر من 35 ألف مشارك في دبي وأبوظبي والشارقة، كما استضافت مجموعة كبيرة من أفلام المهرجانات العربية والعالمية.

وأضافت كاظم «أخذت سينما عقيل على عاتقها منح جميع التجارب السينمائية بمختلف مجالاتها الفرصة ذاتها، دون النظر إلى الجنس أو اللون أو العرق، لسرد القصص بأشكالها المختلفة من أرض الواقع».

تذوّق الفنون

من جانبه، أشار الخطاط الإماراتي علي الأميري إلى أن الجمهور متعدد الثقافات في الإمارات متذوق للفنون ومحب للجمال، خصوصاً تلك المتعلقة بفنون الخط العربي التي تحمل رسائل السلام والحب والألفة بين البشر، وهي رسائل يتذوقها من يجيد العربية، ومن لا يجيدها كذلك، لكون الفن لغة عالمية.

وذكر الأميري أنه شارك بأعمال فنية عدة، دمج خلالها تقاليد فنون الخط العربي والتشكيل وفن الكاريكاتير، وعُرضت في مواقع سياحية وثقافية متنوعة داخل الدولة وخارجها، كان آخرها معرضه الفني في سلوفاكيا.

الترجمة باب التسامح

وأكد المفكر والناقد السعودي الدكتور سعد البازعي أن الترجمة هي الباب الرئيس للتسامح عبر العصور، وتاريخياً كانت الأقدر على فتح أبواب التواصل الإيجابي بين الشعوب والثقافات، والتقليل من حجم الانغلاق الاجتماعي أو الثقافي.

وذكر أن التسامح هدف رئيس تسعى إليه مناشط مختلفة، تلعب الترجمة دوراً مهماً في تحويله إلى واقع ملموس، حيث أسهم المترجمون في إتاحة فرص عظيمة للانفتاح الفكري وتقبل الآخر، مضيفاً «عززت الترجمة فرص تعارف وتحاور أبناء الثقافات المختلفة، كما أسهم كبار المترجمين في نقل الثقافة اليونانية إلى العالم أجمع، وأدوا دوراً مهماً في نقلها إلى العربية، ما انعكس في غزارة وتنوع النتاج الفلسفي والأدبي والفكري واللغوي».

واستشهد البازعي بجهود دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي في دعم حركة الترجمة والاهتمام باللغة العربية وفنونها، ما ترك أثراً عالمياً إيجابياً ومؤثراً، فضلاً عن تنظيمها المؤتمرات التي تساعد في التعرف إلى التجارب المحلية والعالمية في مجال الترجمة.

مهرجانات المأكولات

ومن الأبواب الأخرى للتسامح، والتي تميزت الإمارات بتسليط الضوء عليها خلال العام الجاري، تنظيم مهرجانات للمأكولات والأطعمة العالمية، إضافة إلى مؤتمر «وجهات نظر عالمية ورؤى محلية حول الهوية الوطنية والدبلوماسية المرتبطة بفن الطهي» في معهد جامعة نيويورك بأبوظبي.

وسلط المؤتمر الضوء على استكشاف دور فن الطهي في تعزيز فهم الشعوب للهوية الوطنية، وتحدياتها وتعقيداتها في عصر العولمة، كما أسهم في الربط بين فنون الطهي والهوية الوطنية، وأثر ذلك في نشر قيم التفاهم والتسامح المتبادل بين الثقافات المختلفة، بما ينسجم والتوجهات المحلية والعالمية.

ثقافات الشعوب

وقالت مؤلفة كتاب «حكايات الطهي» الكاتبة حنان سيد وارل، إن فن الطهي وتسليط الضوء على المأكولات العالمية عبر تنظيم المهرجانات والمؤتمرات والمسابقات الترفيهية والثقافية، من الأبواب المهمة لتعزيز وغرس قيم التسامح بين شعوب العالم.

ولفتت إلى أن فن الطهي يساعد في التعرف إلى ثقافات الشعوب الأخرى، فضلاً عن أنه عامل يساعد على تجمع الأفراد من مختلف الثقافات على مائدة واحدة وتحت سقف واحد، ما يسهم في نشر المعرفة وتقبل الآخرين رغم اختلافاتهم.

وتطرقت إلى أن أبوظبي شهدت في العقود الأخيرة تدفقاً مطرداً من أفراد الشعوب من جميع أنحاء العالم، ونتيجة لذلك انتقلت معهم مأكولاتهم الشعبية لتشكل مزيجاً من الثقافات، عزز من التعايش فيما بينهم على أرض الإمارات.

جوائز التسامح والسلام

في السياق ذاته، أطلقت الإمارات 3 جوائز عالمية لتعزيز التسامح والسلام، على مدى السنوات الماضية قبل إعلان عام التسامح، تضمنت جائزة محمد بن راشد للتسامح، جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمي وجائزة الإمارات العالمية لشعراء السلام.

وتهدف جائزة محمد بن راشد للتسامح، التي أُطلقت عام 2016، إلى بناء قيادات وكوادر عربية شابة في مجال التسامح، ودعم الإنتاجات الفكرية والثقافية والإعلامية المتعلقة بترسيخ قيم التسامح والانفتاح على الآخر في العالم العربي.

وتضم الجائزة تحت مظلتها أكثر من 30 مؤسسة إنسانية وخيرية ومعرفية وصحية وتعليمية، وتسعى إلى تغيير حياة 130 مليون إنسان خلال السنوات المقبلة في المجالات كافة.

أما جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمي، فأُطلقت عام 2011 لتكريم كافة الفئات والجهات، التي لها إسهامات متميزة في قضية حفظ السلام في العالم، وإنماء السلام والاستقرار وتنميتهما.

بينما تستهدف جائزة الإمارات العالمية لشعراء السلام، التي تأسست عام 2014، تكريم الأعمال الأدبية التي تتسم بالبُعد الإنساني والعالمي، وتضمنت في موسمها الأول 3 مبادرات، هي: «أمسية للشعراء العرب، أمسية لشعراء العالم بجميع لغاتهم وفعالية لتكريم شعراء السلام».

اقرأ أيضاً: الثقافة والفنون.. مظلة التسامح والتعايش وحائط صد الكراهية والتطرف (1 ـ 4)

اقرأ أيضاً: الثقافة والفنون.. مظلة التسامح والتعايش وحائط صد الكراهية والتطرف (2 ـ 4)