الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

100 فنان مسرحي بلا مقر في أبوظبي

يفتقد نحو 100 فنان مسرحي، هم أعضاء فرق مسرح ياس، ومسرح عيال زايد للمواهب، ومسرح أبوظبي (الاتحاد سابقاً) مقراً كسائر نظرائهم المسرحيين في الدولة، وهي المعاناة التي تفقدهم القدرة على إنجاز مشاريع عديدة لا تتوقف، رغم المشهد الذي يخلف على الأرض تحديات صعبة، لم تمنعهم رغم ذلك من التواجد في مناسبات مسرحية محلية مهمة، لكنها تدفع بأعضائها في ذات الوقت إلى البحث عن بديل لعضوية مسارح تحولت إلى افتراضية، مفتقدة أبسط أدوات العمل المسرحي، وهو المسرح ذاته.



المعاناة التي يصفها أعضاء تلك المسارح بـ «القديمة الجديدة»، نظراً لتواصلها منذ هدم مقر مسرح الاتحاد عام 1990، الذي كان حاضنة لهم ولإبداعاتهم المسرحية وبروفات عروضهم، تدفعهم بشكل شبه يومي إلى الاجتماع وإنجاز البروفات، في أماكن لا تناسب وأهداف إداراتها لتحقيق نتائج تناسب طموحاتهم الفنية، حيث يضطرون إلى اتخاذ مقاه وقاعات مدرسية وفندقية وحتى منازلهم الخاصة، بديلاً لغياب مقر المسرح.



ولا تتوقف معاناة المسرحيين في أبوظبي عن مقر لإقامة العروض والبروفات، بل تلقي بظلالها على الحركة المسرحية عموماً، حيث يعيق عدم وجود مقر المؤلفين المسرحيين تأليف الأعمال، ويترتب عنه عزوف الشباب عن ورش التدريب المسرحي، التي تقام بجهود ذاتية، بعيداً عن خشبة المسرح المفقودة، لتكون المحصلة، تراجع النتاج المسرحي كماً وكيفاً.



وأكد مخرجون مسرحيون ينتمون غلى تلك المسارح التي تعاني افتقاد المقر، أنهم عادة ما يتجهون إلى مسارح خارج الإمارة أو إلى تأجير مواقع في فنادق أو مدارس، للبحث عن المواهب الفنية التمثيلية المناسبة لتقديم العروض المسرحية، وكذلك لاستكمال البروفات والتدريبات لتقديم الأعمال المسرحية أمام الجمهور.



وطالب مسرحيو وفنانو أبوظبي، الجهات الثقافية المعنية بسرعة اتخاذ قرارات حاسمة وإطلاق مبادرات تذلل العقبات والتحديات التي تواجه الحركة المسرحية في العاصمة، مؤكدين أن المسرح يشكل جزءاً من الصورة الحضارية والثقافية لأي مدينة حول العالم، حيث ما زال المسرح محافظاً على مكانته وجمهوره في العديد من الدول.



مسارح تغلق أبوابها

وعلى الرغم من أن أبوظبي تحتضن العديد من المسارح الكبرى، بما فيها المسرح الوطني، مسرح الراحة، مسرح المجمع الثقافي، مسرح كاسر الأمواج، ومسرح العين، إلا أن معظم تلك المسارح تغلق أبوابها في وجه المسرحيين لإنجاز بروفات العروض الفنية والتدريبات الخاصة بالعمل.



وشددوا على ضرورة إنشاء مقر للمسرحيين الإماراتيين للنهوض بالحركة المسرحية في أبوظبي، أسوة بالشارقة ودبي، ما سيساعد المسرحيين على تقديم ورش عمل لأفراد المجتمع، وتثقيف الشباب بأهمية المسرح، وإتاحة الفرصة أمامهم للبحث عن المخرجين والكتاب والمؤلفين والممثلين والموهوبين مسرحياً.



أطراف معنية

وللوقوف على تفاصيل الأزمة، تواصلت «الرؤية» مع مختلف الأطراف المعنية بما فيها وزارة الثقافة وتنمية المعرفة ودائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، للبحث عن الحلول الناجعة التي يتولد عنها مقر للمسرحيين في أبوظبي.



مسؤولية تائهة

وبناء على الرد الذي تلقته «الرؤية» من الجهتين، وجدت أن معظم مسارح الإمارة الكبرى لا تخضع لمسؤولية أي من الطرفين، حيث أكدت دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي أن مسؤولياتها الخاصة بالمسارح تقتصر على إدارة مسرح المجمع الثقافي الذي فتح أبوابه مؤخراً للجمهور نهاية العام الماضي.

وأضافت الدائرة أن المسرح الوطني بأبوظبي يخضع لوزارة الثقافة وتنمية المعرفة، موضحة أن الدائرة تعمل على دعم العمل المسرحي، عبر تخصيص يوم من كل شهر لعرض المسرحيات الإماراتية.

دعم الفرق المحلية

في المقابل لا تعتبر وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، أن المسرحيات الأهلية والتابعة لمؤسسات ذات نفع العام، بإمارات الدولة المختلفة تقع ضمن اختصاصها، رغم تأكيدها على الحرص على تحفيز الطاقات الإبداعية المسرحية الإماراتية، ودعم المبدعين والفرق المحلية بكل وسائل الدعم، إضافة إلى جذب الجمهور لتلك المسارح عبر حركة مسرحية مستمرة طوال العام، إلى جانب رعاية الأعمال المسرحية الإماراتية الهادفة.

خدمة تأجير القاعات

وتقدم الوزارة خدمة لتأجير القاعات بهدف إقامة العروض والتدريب في المسرح الوطني بأبوظبي والذي يقع ضمن نطاق مسؤولياتها، وذلك مقابل 15 ألف درهم، بالنسبة للجهات الحكومية والجمعيات والمؤسسات ذات النفع العام، و25 ألف درهم للأفراد.

وتتيح الوزارة خدمة إمكانية تأجير المسارح والقاعات والمرافق الأخرى في المراكز الثقافية التابعة لها لإقامة الأنشطة والفعاليات المختلفة، ومنها خدمة استئجار قاعة المسرح للتدريبات والبروفات مقابل 5 آلاف درهم للجهات الحكومية والجمعيات والمؤسسات ذات النفع العام، و7500 درهم للأفراد.

أما رسوم تأجير الأجهزة والمعدات بما فيها أجهزة الإضاءة والدخان والغيوم والسحب الاصطناعية والألوان المتحركة وشاشة النجوم السوداء، فتراوح بين 400 و8000 درهم لكل جهاز من الأجهزة الضرورية للعرض المسرحي.



معاناة منذ 2006



إلى ذلك، أشار العضو المؤسس في مجلس إدارة مسرح ياس عبدالله بوشامس، إلى أنه رغم كون فرقة مسرح ياس من الفرق الرئيسة والدائمة في الإمارة، إلا أنها تعاني من عدم وجود مقر للمسرحيين في أبوظبي.

وذكر أن الفرقة تأسست عام 2006، قدمت خلال تلك الفترة أكثر من 18 مشروعاً مسرحياً ضخماً، وحازت على ما يزيد على 40 جائزة مسرحية محلياً وعالمياً، وبالرغم من ذلك لا يوجد مقر مسرحي يحتضن الفرقة وأعضاءها.

وتابع بوشامس: «نعاني كثيراً لاستكمال البروفات المسرحية، إذ لا يوجد لدينا مكان واحد للاجتماع والتدريب، بل عادة ما نجتمع في الأماكن العامة أو نؤجر (لوبي) في أحد الفنادق بالإمارة للالتقاء من أجل مناقشة أعمالنا الفنية المسرحية».





بروفات بالمدارس والفنادق

وأضاف العضو المؤسس في مجلس إدارة مسرح ياس: «لاستكمال التدريبات والبروفات المسرحية نتجه لحجز قاعة في فندق أو مسرح إحدى المدارس في أبوظبي، الأمر الذي يضع على كاهلنا تكاليف مالية كبيرة، لا يغطيها أحياناً الدعم الذي نتلقاه من وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، والبالغ 100 ألف درهم سنوياً، حيث أن كلفة العرض المسرحي الواحد تراوح بين 150 و250 ألف درهم».



بصيص أمل

وأكد عبدالله بوشامسأن افتتاح المجمع الثقافي في أبوظبي لأبوابه، لعرض الأعمال المسرحية الإماراتية بصورة شهرية يشكل بصيصاً من الأمل، خاصة أن دخل المسرحيين يعتمد عادة على العروض الفنية المشتراة، الأمر الذي يساعدهم على تسديد أجور الممثلين.





رسوم باهظة للقاعات

بدوره، أفاد المخرج المسرحي صالح كرامة بأن أكبر تحدٍ يواجه العاملين في القطاع المسرحي سواء كفنانين أو مخرجين محلياً هو عدم وجود مقر أو دعم كافٍ.

وتابع: «وجهنا طلبنا في السابق إلى وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة نورة الكعبي، من أجل توفير مقر لنا كمسرحيين، وتلقينا وعوداً بالنظر في المسألة الخاصة بنا، ولكن إلى الآن لم نجد حلاً لذلك التحدي، حيث إننا ما زلنا نعمل في بيئة صعبة».

وتطرق إلى وجود العديد من المسارح الكبرى في أبوظبي، ولكنها تضع رسوماً باهظة لتأجير قاعاتها لاستكمال البروفات والتدريب المسرحي، مبيناً «كان لدينا مقر في السابق لمسرح الاتحاد ولكنه هدم، ولم يعد لدينا أي مقر منذ ذلك الحين».

تسرب المسرحيين للسينما

ولفت صالح كرامة إلى أن ذلك الأمر يزيد من فرص تسرب الفنانين والمخرجين من المسرح ويدفعهم للاتجاه إلى العمل التلفزيوني والسينمائي، كما يفاقم أزمة عزوف الجمهور عن العروض المسرحية.





دعم المواهب الشابة

مديرة المجمع الثقافي في أبوظبي ريم فضة أكدت أن إدارة المجمع بصدد تطوير البرامج المسرحية والتعليمية والأدائية خلال الفترة المقبلة، لتعزيز القدرات ودعم المواهب الفنية للشباب في الدولة.

وأشارت إلى أن برمجة المسرح ليكون مجهزاً للمسرحيين يتطلب المزيد من الجهود والتنسيق، فيما تعمل إدارة المجمع في الوقت الحالي على تطوير برامج تعليمية خاصة بالمسرح، ومن المتوقع طرحها في منتصف العام الجاري.



يوم للمسرح المحلي

وأوضحت فضة أن المجمع يخصص يوماً من كل شهر لعرض مسرحية إماراتية بالتعاون مع جمعية المسرحيين الإماراتية، مضيفة أن المجمّع الثقافي يقدم برنامجاً حافلاً من الفنون الأدائية المعاصرة والمحلية والشعبية والعالمية، بما في ذلك عروض الموسيقى والرقص المعاصر والمسرح، وذلك في مسرحه بقلب المدينة الذي يتسع لـ900 شخص.

وأكدت أن المسرح يعد وجهة رئيسة لاستضافة مختلف أشكال الفنون الأدائية في أبوظبي، إذ يستضيف برنامجاً فنياً على مدار العام يستهدف العائلات والشباب.





مواهب طفولية بلا مقر

في السياق نفسه، أعربت الكاتبة والمؤلفة والحكواتية آمال الأحمد، التي تحول مؤلفاتها الأدبية إلى عروض مسرحية تستهدف العائلات والأطفال، عن استيائها من عدم وجود مقر مسرحي في أبوظبي يقدم ورشاً مسرحية متخصصة للأطفال أو يستكشف مواهبهم وقدراتهم الإبداعية.

وأشارت إلى أنها عادة ما تعرض أعمالها المسرحية على مسرح اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي يقدم الدعم للكتاب في الدولة، أو بناء على طلبات تتلقاها من مراكز التسوق لعرض أعمالها الفنية.

ودعت إلى تلبية مطالب المسرحيين والعائلات ممن يبحثون عن مسارح محلية تقدم ورشاً متخصصة في مسرح الطفل، مشيرة إلى دور اتحاد الكُّتاب ووزارة الثقافة في تقديم بعض الورش المسرحية خلال فترات متقطعة من العام.

ورش موسمية

وذكرت آمال الأحمد أن اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات بأبوظبي خصص ورش عمل مسرحية للأطفال خلال موسم الإجازة الصيفية للصغار، والتي شهدت مشاركة العديد من الأطفال وذويهم من مختلف الفئات العمرية، فيما يتطلب الأمر جهة تقدم تدريبات مسرحية للأطفال على مدار العام، تنمي مواهبهم وقدراتهم التمثيلية، بدلاً من هدر أوقاتهم في الألعاب الإلكترونية أو على مواقع التواصل الاجتماعي.



إبداعات مسرحية تبحث عن حاضنة

تضم العاصمة أبوظبي 3 فرق مسرحية أهلية دائمة، تشمل فرقة مسرح ياس، مسرح عيال زايد للمواهب، مسرح الاتحاد سابقاً (مسرح أبوظبي حالياً)، في حين تنفرد مدينة العين بفرقة مسرح العين، والأخيرة هي الوحيدة التي يتمتع أعضاؤها بمقر مسرحي في مدينة العين، في حين يبقى نحو 100 فنان مسرحي، هم قوام الفرق الثلاث الأخرى، مفتقرين لأي مقر يحتضن إبداعاتهم في العاصمة ابوظبي، التي كانت تضم مقراً للمسرحيين في شارع المرور، عرف بـ«مسرح الاتحاد»، قبل أن يتم هدمه عام 1990، ومنذ ذلك الحين لم يرَ النور، مجدداً، وحل محله عدد من الفلل السكنية وحضانة للأطفال.