الاحد - 12 مايو 2024
الاحد - 12 مايو 2024

«العربية».. غريبة في يوميات شباب العرب

قال آباء وأكاديميون ومثقفون، إن حضور اللغة العربية في أوساط الشباب، بات يشهد تراجعاً وخفوتاً واضحين، يصل في بعض الأحيان إلى حد تلاشيها من تجمعات شبابية، استبدل المشاركون فيها لغة الضاد، بلغات أجنبية أخرى، أو في أحسن الأحوال، لغة هجينة، تسودها المصطلحات الدخيلة والغريبة، في حين تتدنى بشكل ملحوظ قدرة مستخدميها في ذات الأوساط العمرية على التعبير عن أنفسهم عبرها بسلاسة.

وأكد آباء وأكاديميون وأدباء وكتاب، التقتهم «الرؤية»، أن هناك شباباً وأطفالاً أيضاً في مختلف المجتمعات العربية باتوا يخجلون من استخدامها، ويمزجونها بكلمات ومصطلحات غربية، عبر ما يعرف «بلغة الشات» أو «العربيزي»، وهي تلك التي تحتوي على مصطلحات تمزج بين العربية وغيرها.

وفيما رأى البعض أن وجود مؤلفات ونتاجات فكرية وأدبية بأقلام شبابية لا يمثل الشريحة العظمى للشباب، التي اعتبروها مفتقدة في غالبيتها لقدرات التعبير والإبداع بسلاسة، بلغتها الأم «العربية». وأشار شباب إلى أنهم يواجهون مشكلات في التعامل مع البرامج التقنية باللغة العربية، مشيرين إلى أن الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية خصوصاً، تساعدهم بشكل أكبر على الاطلاع على ثقافة الآخرين، وتؤهلهم لمواجهة تحديات العصر، خاصة وأن سوق العمل يفرض إجادة تلك اللغات.



تراجع وخجل

يبدي أحمد حسام، وهو أب لـ3 شباب، أسفه لتراجع اللغة العربية بين الأجيال الجديدة، قائلاً: «لاحظت أن أبنائي يفضّلون استخدام الإنجليزية في التعامل فيما بينهم، وللأسف يواجهون صعوبة بالغة في التعبير بلغتنا العربية، ولا يستخدمونها إلا في أضيق الحدود، وغالباً ما يبدؤون حديثهم بالعربية، ثم يتعثرون فيلجؤون للإنجليزية بشكل تلقائي».

ولفت إلى أن هذه الظاهرة نتيجة الاعتماد على الإنجليزية في المراحل التعليمية كافة، كما أن المعلمين أنفسهم أجانب لا يجيدون العربية.



لغة مزدوجة

ناصر بودقن، وهو والد لشابين، عبّر عن رفضه لـ«اللغة الغريبة الإلكترونية» التي اقتحمت الثقافة العربية، وباتت تعرف بين الشباب «بلغة الشات»، تلك التي تحتوي على مصطلحات خاصة تمتزج فيها اللغة الأجنبية بالعربية.

ولاحظ أن أكثر حوارات الأبناء لا تخلو منها كاستخدامهم عبارات «أشيّك على الإيميل» أو «كانسل الموضوع»، محملاً مواقع التواصل سبب انتشار هذه اللغة المزدوجة.



هجر القراءة

وتلاحظ معلمة اللغة العربية، مروة إبراهيم، أن طلبة المنهاجين الأمريكي والبريطاني من الكبار، يعانون من أخطاء إملائية، نتيجة عدم قدرتهم على التعبير عما يدور في أذهانهم بالعربية، حيث ينجرف الطلاب حالياً إلى لغات أخرى، نتيجة طغيان الإنجليزية على المجالات العلمية والاقتصادية.

ولفتت إلى أن من أسباب تغييب العربية، هجر قراءة الكتب والصحف العربية، فمن لا يقرأ لا يستطيع الكتابة أو التعبير عن نفسه، محذرة من تراجع اللغة العربية بين الأجيال الجديدة، لأن ذلك يعني تلاشي الهوية وفقدان معاني العروبة.

ودعت أصحاب العمل إلى اشتراط إجادة استخدام العربية تحدثاً وكتابة للالتحاق بالوظائف، ليتمسك الشباب بلغتهم، ويدفع غير العرب إلى تعلم لغة المجتمع الأساسية.



شفرات شبابية

اعتبر الطالب في المرحلة الثانوية، أحمد عاطف، إجادة أكثر من لغة، شيئاً مهماً يساعده على تطوير تفكيره ومهاراته عبر الاطلاع على ثقافة الآخرين، كما أنها تؤهله لمواجهة كافة تحديات العصر، خاصة وأن سوق العمل يفرض الاستغناء عن اللغة العربية وإجادة الإنجليزية، لأنها لغة التكنولوجيا، ووسيلة مهمة لمحاكاة الآخرين.

فيما برر محمد جمال، الطالب بكلية الهندسة، إقصاءه العربية بأن طبيعة دراسته فرضت عليه ذلك، حيث يتعامل مع زملائه وأساتذته بمصطلحات علمية لاتينية يجهل كثير منهم معانيها بالعربية.

ولفت إلى أن الإيقاع السريع للحياة وتغير نمطها ومواكبة التطور التكنولوجي عبر وسائل الاتصال المختلفة، دفع أبناء جيله لاختراع لغة لا يفهمها غيرهم، ويتعامل آباؤهم معها على أنها شفرات شبابية غير مفهومة.





خفوت الأدب

ترى الطالبة أمل محمد صعب، أن المشكلة تكمن في أن الكتابات الأدبية لا تجد مكاناً جيداً على خارطة اهتمام الشباب، فالمهتمون بالأشعار والروايات أقلية مقارنة بالشباب ذوي الاهتمامات والهوايات المختلفة التي ليست معنية بالأدب واللغة.

واعتبرت إتقان اللغة والقراءة وجهين لعملة واحدة، ففي غياب إحداهما تقل الثقافة اللغوية أو ينحسر معدل الفهم العام للمجالات الحياتية أو العلمية.

وتلقي محمد باللوم على الجميع، لأنهم لم يعطوا اللغة حقها من البداية، داعية إلى عدم اتخاذ الجيل الحالي شمّاعة لأخطاء لم يكترث المجتمع لها والآن يبحث عن تخريج جيل واعٍ لغوياً ومثقف أدبياً!





الشباب بريء

لا يتفق الإعلامي محمد أبو عبيد، صاحب مبادرة ومضة لغوية، مع القائلين إن هناك مشكلة بين اللغة والشباب، إذ يرى أنه في الأصل لا مشكلة بينهما، فمن عرف مكنون اللغة ومكامنها سيقع في حبها.

لكنه يرى أن الأسلوب هو من خلق الحاجز بين اللغة وبين الناس، بشيوخهم وشبابهم، بمعنى كيف تُدَرس هذه اللغة، وكيف تؤلف الكتب المختصة في اللغة، مشيراً إلى أن مَن يقرأ كتب النحو والصرف سيجد صعوبة في فهم اللغة والمفردات المستخدمة في بعضها، لكنها كتب ألَّفها أصحابها في ذروة التنافس النحوي واللغوي بشكل عام، فجاءت لغتها مطابقة للسائد كلاماً حينذاك.

وتابع: ولما جاء المعاصرون وألَّفوا كتبهم أيضاً، منهم من استمر على النهج نفسه فجاءت لغته عالية المستوى، إلا قليلاً ممن سهلوا الأسلوب، ومنهم من ظل في محيط الخطاب كما لو أنه يخاطب المختصين.

وحذر أبوعبيد من المبالغة في إقحام القارئ بالمسائل الخلافية في النحو، ما يصنع نفوراً لدى الهاوي أو المهتم باللغة، لذلك يرى أنه ولتحبيب الشباب باللغة المطلوب فعلينا تغيير الأسلوب، وعصرنة المظهر، وتسهيل لغة الخطاب، بما يعيها المتلقي.

ابحث عن سوشيال

تعزو فنانة الخط العربي نرجس نورالدين، تراجع العربية إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي وسعت الفجوة بين العربية والمجتمع الذي نعيش فيه، على عكس دورها الذي كان متوقعاً في المحافظة عليها وتعزيز استخدامها.

وأضافت أنه غالباً ما يلجأ مستخدمو هذه الوسائل إلى لغة هجينة «العربيزي» التي تجمع بين العربية واللاتينية، لاختصار عباراتهم، واستخدام أقل عدد من الكلمات، محذرة من مخاطر استخدام تلك اللغة على العربية التي بدأت في التلاشي على وسائل التواصل الاجتماعي يوماً بعد يوم.



مسؤولية مشتركة

وترى مؤسسة مدرسة الرمسة الإماراتية، حنان الفردان، أن الوصول إلى العالمية يأتي من الاستغراق في المحلية، مستشهدة على ذلك بالصين وكوريا واليابان، إذ على الرغم من إنجازاتها، فإنها تعتز بلغتها وتفرض استخدامها في المعاملات كافة.

واعتبرت حماية العربية مسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع وأمانة دينية، مطالبة كل معلم يحمل الهوية العربية ببذل قصارى جهده لجذب أبنائنا للتحدث بالعربية وإجادتها والتعامل، معها لأنها لغة القرآن.





تغيير اللوائح

حمل أستاذ اللغة العربية والأدب المقارن بجامعة حلوان، الدكتور عصام محمود، نظم التعليم في بعض الدول العربية مسؤولية ضياع اللغة، داعياً إلى تدخل حكومي لجعل العربية هي الأساس، وتغيير لوائح المدارس الدولية والأجنبية لتدريس اللغة العربية بشكل كامل، وإعطائها النصاب الكافي من الحصص الدراسية، ومعاقبة المدارس التي تتخلى عن تنفيذ ذلك.

ويضيف: «ربما كانت وسائل التواصل مرآة عكست ما آل إليه وضع الشباب تجاه اللغة، ويظهر ذلك في كتاباتهم على حساباتهم الخاصة، ومنها ما يمكن تعديله، لكن في المقابل لا بُدَّ من إيجاد حل جذري تدعمه الدولة بإصدار قوانين تحمي اللغة».

تبرير أعوج

ولخص عضو المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، الدكتور عبدالله الدرمكي، المشكلة الحقيقية في المناهج التعليمية الموجودة، حيث أصبح الأبناء منذ نعومة أظافرهم حتى سن المراهقة يتحدثون الإنجليزية، لأن أغلب المناهج بها وليست باللغة العربية.

وتابع: «يتباهى الشباب بما يتقنونه من لغات غير لغتهم، والكثيرون أصبحوا يبررون ارتكاب الأخطاء في لغتهم الأم بأنهم من ذوي الثقافة الغربية، وأنهم لم يتعلموا العربية جيداً».



شماعة العمل

وتتأسف الكاتبة والقاصة الشابة منى خليفة الحمودي، لأن اللغة العربية باتت قاب قوسين أو أدنى من الإهمال عند بعض الشباب، إذ أصبح شكل الدراسة ومتطلبات الجامعات والعمل أحياناً «شماعة» تأخذ الشباب إلى منحنى آخر، بعيداً عنها.

وأشارت إلى أن بعضهم بات يقرأ كتباً تعالج أفكاراً سطحية، في حين يعتبر البعض الآخر أن القراءة باللغة العربية هوية وجسر عبور لأرضية الإبداع، فباتت المكتبات تزخر بمستويات مختلفة من الكتب بأنواعها لكتاب شباب.

طغيان العامية

واعتبرت الكاتبة الشابة، أمنة عبيد محمد، عدم استخدام الشباب للغة العربية أمراً طبيعياً لطغيان «العامية» على اللغة الأم، فالمشكلة تكمن في اللغة الهجينة التي ظن البعض أنها تظهر مستوى الثقافة.

وأشارت إلى أنه لا نستطيع اتهام كل الشباب بذلك، فالذين يُسيئون استخدامها عدد قليل، والأغلبية لديهم الوعي الكافي والاعتزاز بلغتهم، والفضل في ذلك يعود إلى الإعلام وجهود المهتمين.

فقدان الهوية

وأكد عبدالله الرئيسي من مشاهير «سوشيال ميديا»، أن الشباب دائماً يبحثون عن الطريق السهل للنجاح، وبما أن الغرب بات مركز العالم، أضحت الإنجليزية اللغة المحكية، حيث يعتبر الشباب تحدثهم بها أمراً طبيعياً.

وأشار إلى أن المشكلة تكمن في التقصير في تعلم العربية، فاللغة هي من أساسيات الهوية، لذا فإن ضعف العربية يعني فقدان جزء من الهوية الحقيقية، ما قد يؤدي إلى حدوث مشكلات خطيرة، منوهاً بأن دولة الإمارات فطنت لهذه النقطة، وهناك جهود ومبادرات رائدة لحماية اللغة العربية.

مفهوم خاطئ

وترى عضو مجلس عجمان للشباب، أماني المطروشي، أن قلة الوعي بأهمية العربية في جميع مجالات الحياة، السبب في إهمال بعض الشباب لها، مشيرة إلى أننا نعيش في ظل ثقافة منتشرة بأنه «كلما تعددت اللغات لديك وأصبحت تتحدث بالإنجليزية أصبحت مثقفاً أكثر»، وهذا مفهوم خاطئ.

وأكدت أن «العربية» منبعنا وثقافتنا وأساسنا، ورغم أنه على الشباب الإلمام باللغة الإنجليزية وثقافات متعددة لأنها أصبحت شيئاً أساسياً، فإن هذا لا يجب أن يكون على حساب اللغة الأم.

ودعت إلى استخدام مواقع التواصل وسيلة للترويج للغة الضاد، بعد أن أضحت أمراً أساسياً لدى الكثيرين، فمن خلالها قد يقتدي البعض بشخص ما، أو قد يُعجب الشاب بشخصية وثقافة شخص معين عبرها، فهي قد تغير بعض الثقافات والأفكار لدى البعض، كما أنها، قد تؤثر بنسبة كبيرة على اللغة.

فيما أكدت الإعلامية شروق لشكري، أن للإعلام دوراً كبيراً في ترسيخ العربية لدى الشباب من خلال البرامج الهادفة واللغة المكتوبة الصحيحة، التي تعزز لغة الشباب ومصطلحاته، داعية إلى تكثيف الاستعانة بالفصحى لأنها اللغة الأقرب التي تفهمها كل الشعوب العربية، منوهة بأن على الإعلام دوراً بارزاً في نشر اللغة وممارستها بالشكل الأمثل.