الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

الإسلام دين الحب واسألوا «غرام المشايخ»

الإسلام دين الحب واسألوا «غرام المشايخ»

غرام المشايخ.

كنت أعد كتاباً عن مدرسة التلاوة المصرية، والتقيت بابن الشيخ مصطفى إسماعيل، فغير لي خطتي عندما حكى لي قصة زواج والده المقرئ الشهير للقرآن، بحب من النظرة الأولى. «وهنا بدأت أبحث عن قصص الشيوخ المشاهير والحب: كيف التقوا بزوجاتهم؟ وكيف تعاملوا معهن؟ وكيف كان تقديرهم لهن وخرجت بهذا الكتاب». هكذا بدأ الكاتب الصحفي أيمن الحكيم حديثه حول كتابه غرام المشايخ الذي يقدمه كنموذج للحب في الإسلام.

ويؤمن الحكيم بأن المقولة الصوفية الكبرى لابن عربي: «أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه، فالحب ديني وإيماني» ليست خروجاً من الملة بل هي اتباع دقيق لسنة النبي في المحبة

من النظرة الأولى

قاده الحوار مع نجل الشيخ مصطفى إسماعيل إلى تتبع «سيرة الحب».. ففي أحد الأيام كان المقرئ الشهير يزور ابن أحد أصدقائه الذي توفي لتقديم واجب العزاء، وخلال الزيارة رأى الشيخ صبية جميلة تطل من نافذة فانخطف لها فؤاده، وقال لمضيفه من هذه الصبية؟ فقال له: إنها ابنتي فسأله الشيخ: وهل هي مخطوبة؟ فلما قال ابن صديقه لا، قال له الشيخ إني خاطب. فقال الرجل لنسألها أولاً. ولما سألها وافقت علي الفور، فتزوجها الشيخ بعد ذلك بأسبوع واحد

يقول الحكيم إن هذه القصة جعلته يتتبع قصص الحب في حياة 17 من المشايخ والدعاة والمفكرين الإسلاميين في مصر.

يبدأ الكتاب بقصة زواج الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد بابنة الشيخ السادات، وهي القصة التي وصلت للمحاكم، وتم إبطال الزواج الذي أعلنه الحبيبان يوسف وصفية، بحكم محكمة بسبب عدم التكافؤ. إذ إن أسرة السادات رفضت تزويج ابنتها من صحفي، ما اضطر العاشق الأزهري للتضحية بكل مناصبه، ليبقى فقط شيخاً لطريقة صوفية، حتى يكون نداً لأسرة حبيبته. ونتوقف في هذا التقرير عند قصتين فقط تمثلان روح الكتاب وقد اخترناهما لأن المرأة لعبت دور البطولة فيهما.





نجمة السينما وشيخ الطريقة

بعد 3 زيجات انتهت كلها، وآخرها مع الملحن الشهير محمد فوزي، مرت نجمة السينما مديحة يسري بأزمة نفسية فنصحتها صديقة بحضور «حضرة» قطب صوفي هو إبراهيم سلامة الراضي، وظنت أنها ستقابل درويشاً تقليدياً من الذين يطلقون الدنيا من أجل «كرامة» ما، لكنها فوجئت بشاب وسيم يحرص على أناقته كما لو كان من نجوم السينما، ومتحدث لبق في الدين والحياة.

بدأت مديحة تتردد على الحضرة، ثم انضمت للطريقة الشاذلية، وأخذت العهد من شيخها الراضي الذي وقعت في غرامه. كما وقع هو في غرامها وطلبها للزواج، فوافقت على الفور،

بعد الزواج في أوائل السبعينات فكرت النجمة في ارتداء الحجاب احتراماً لمكانة شيخ الطريقة، لكنه قال لها «الحجاب أمر بينك وبين الله»، ولم يمنعها من مواصلة العمل.

لكن قصة الحب لم تستمر، فسرعان ما وقع الطلاق بعد 3 سنوات. فقد كان للشيخ زوجة أخرى انفصل عنها بالطلاق، قبل زواجه من مديحة يسري، ولما انتهى الخصام بينه وبين زوجته الأولى وأم أولاده، قرر إعادتها لعصمته. فاستأذن نجمة السينما في الأمر، فلم تقبل حفظاً لكبريائها ووقع الطلاق.

لكن الانفصال لم يلغِ المحبة حيث ظلت مديحة يسري وفية لشيخها. ولما مات الراضي في 1974، أصرت على أن تتلقى العزاء فيه، والتزمت بالعرف الصوفي بعدم زواج زوجة شيخ الطريقة من أي رجل بعد رحيله.

شيخة الإسلام عاشقة

أما الدكتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطئ» فلم تكن تحب أستاذها المفكر أمين الخولي في البداية. و كانت تراه سلطوياً فقررت أن تتحداه ببحث علمي تثبت فيه تفوقها لكن الشيخ انتقده بعنف، ولما حاولت أن ترد، لم تكن حجتها كافية أمام حجته، فعرفت قدره كعالم. وتحولت العداوة إلى إعجاب فمحبة، جعلتها أسيرة محاضراته التي بدأتها معه في عام 1936. وتتلمذت على يديه وصارت قصتها «وقائع حب معلن» في الجامعة، ولم تكن تدري أن أستاذها يبادلها المحبة في البداية. وتزوج العاشقان على الرغم من فارق السن بينهما والذي كان 18 عاماً.

وبعد حصولها على درجة الدكتوراه قررت بنت الشاطئ هجر الجامعة لتتفرغ لزوجها، تعاونه في عمله الفكري وتربي أبناءهما لأنها كانت تتحرك وفق قلبها الذي جعلها تصف الحب بينها وبين أستاذها بالقصة الأسطورية، كما ذكرت في كتابها «على الجسر»: «تجلت فينا ولنا وبنا آية الله الكبرى، الذي خلقنا من نفس واحدة، فكنا الواحد الذي لا يتعدد، والفرد الذي لا يتجزأ وكانت قصتنا أسطورة الزمان فلم تسمع الدنيا بمثلها من قبلنا وهيهات أن تتكرر إلى آخر الدهر».

وعندما رحل الخولي في العام 1966 أنشدت تقول في ذكرى رحيله:

مضى عام وما زلت هنا ** أثقل الخطو على الجسر إليك

مرت الأيام تغذوني الجوى ** كيف لم أهلك أسى حزناً عليك

كلما قلت دنا ميعادنا ** خانني الظن ولم أرحل إليك

مزقت أيد يالمنايا شملنا ** وأراني دائماً بين يديك



التصوف

يرى أيمن الحكيم أن التصوف أو الإسلام الروحي هو طوق الإنقاذ للصورة الإسلامية في الغرب وأن تجديد الخطاب الديني لا بد أن يبدأ بقصص الحب في الإسلام، موضحاً أن التصور السلفي للتصوف مغلوط. فالمتصوفة الكبار لا يخرجون عن صحيح الدين، بل ينطلقون منه ابتداء، كما أن المتصوفة كانوا من أصحاب المهن، وكانوا مجاهدين وفي الوقت نفسه أصحاب ذوق رفيع، مشيراً إلى اهتمام الشيخ حسن الشاذلي بأناقته، وكذلك إبراهيم سلامة الراضي الذي قال إن «المتصوف الحقيقي يؤمن بأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده».

و يعكف الحكيم الآن على دراسة العشق لدى فقهاء الإسلام متتبعاً آثار جلال الدين السيوطي وابن حزم صاحب طوقة الحمامة وغيرهما من الفقهاء، ليبين أن التصور المنغلق للدين ليس دقيقاً في فهم العلاقة بين الإسلام والمحبة لأن أفضل ما قيل في العشق والمحبة في الإسلام قاله الفقهاء ولم يقله الشعراء.