الثلاثاء - 21 مايو 2024
الثلاثاء - 21 مايو 2024

«المجلس الاستشاري للغة العربية»: تقرير حالة لغة الضاد يرسم استراتيجيات وملامح مستقبلها

أكد أعضاء المجلس الاستشاري للغة العربية أن تقرير حالة اللغة العربية مبادرة مهمة، تسهم في رسم استراتيجيات وملامح مستقبل لغة الضاد، وتعكس حرص دولة الإمارات واهتمامها باللغة العربية، لتكتسب مكانتها على نطاق واسع.

وثمن الأعضاء في مقالاتهم بتقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، في المحافظة على اللغة والهوية العربية والنهوض الحقيقي بها على مختلف المستويات، وتكريس مكانتها، وحمايتها في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم، فضلاً عن الدفاع عنها في عصر العولمة الثقافيّة، وتحويل التحديات إلى فرص وحلول مبتكرة تعزز من حضورها.

وأكد الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية أن وصف واقع اللغة العربية وتحدياتها يتطلّب جهوداً مؤسّسيّة جماعيّة ومنهجيّة، تتناول المسألة من جوانبها وزواياها المتعدّدة، ولا تقتصر على نظرة أحاديّة أو مسبقة أو على انطباعات عامّة، ولعلّ أوّل ما يستوقفنا في هذا السياق، هو النقص الفادح في البيانات والمعلومات المتعلقة باللغة العربيّة، فمع أنّ اللغة العربيّة معروفة بثراء معجمها وخصوبة مستندها التاريخيّ الإبداعيّ الأدبيّ والثقافيّ، إلّا أنّها تعاني محدوديّة مساهمتها في المحتوى الرقميّ، إذ لا تتجاوز هذه المساهمة 3% من مجمل المحتوى الرقميّ العالميّ، والإمارات العربيّة المتّحدة، كغيرها من الدول المتحدّثة باللغة العربيّة، تواجه التحدّيات ذاتها، بل وربّما بقدر أكبر نظراً لكونها مركز عمل عالميّاً رائدًا، يستقطب مختلف الجنسيات للعمل والعيش فيها.

ونوه بلال البدور الأمين العامّ لجائزة محمد بن راشد للّغة العربيّة، ونائب رئيس المجلس الاستشاريّ للّغة العربيّة في دولة الإمارات، إلى أنّ أمّتنا العربيّة نصّت في دساتيرها على أنّ اللغة العربيّة هي اللغة الرسميّة لبلدانها، وإذا كانت الدساتير تنصّ على عروبة اللغة فإنّ الأمر يتطلّب وجود تشريعات تُحدّد مواقع استعمال هذه اللغة، والضوابط الخاصّة بذلك، والجزاءات التي تُفرض في حال المخالفة والتجاوز. لذا سارعت بعض الدول إلى وضع قوانين خاصّة بحماية اللغة.

وأضاف: «أصدرت دولة الإمارات العربيّة المتّحدة ميثاقاً باسم (ميثاق اللغة العربيّة)، يُحدّد مجموعة من الإرشادات والتعليمات العامّة التي تؤكّد سيادة اللغة العربيّة. وفي المؤتمر الدوليّ الثالث للّغة العربيّة الذي ينظّمه المجلس الدوليّ للّغة العربيّة أُقرّ مشروع قانون استرشاديّ لحماية اللغة العربيّة».

وقالت الدكتورة رابعة السميطي وكيلة وزارة التربية والتعليم المساعد لقطاع تحسين الأداء: «علينا أن نعيد النظر في موقفنا من اللغة العربيّة، وعلى وجه الخصوص موقفنا في الدفاع عنها، وفي وضع الحلول والاستراتيجيّات؛ لأنّه من الواضح أنّ جميع ما تمّ طرحه في السابق لم يُجْدِ الكثير، مشيرة إلى أن علينا أن نغيّر دور المدافِع إلى دور المهاجِم، ليس المهاجم الذي ينهال على الجميع ويجبرهم على الخضوع له، بل المهاجِم الذي يتسلّل بكل رفق ويفرض نفسه بكل هدوء. في مجال التكنولوجيا، خاصّة مع تطوّر الذكاء الاصطناعيّ والتطوّرات الكثيرة التي يشهدها هذا المجال، فما زال هناك فرق شاسع فيما يُقدَّم باللغة العربيّة وما يُقدَّم بالإنجليزيّة».

وأشارت إلى الحاجة إلى تعزيز اللغة العربيّة عبر دخول عوالم التقنيّات وغيرها من الحلول المتطوّرة التي ستوفّر للقارئ العربيّ أو المستخدم العربيّ خيار استخدام اللغة العربيّة في هذا المجال، فضلاً عن الابتعاد عن الحلول التقليديّة التي طُرِحَت في السابق ولم يكن لها أيّ أثر، والتفكير بطريقة مختلفة، ووضع الحلول من خلال طرح أسئلة عمّا يحتاجه الشباب اليوم، وعن اهتماماتهم وخبراتهم؛ للتمكن من معالجة الموضوع بطريقة عصريّة متوافقة مع التطوّر السريع في العالم من حولنا.

وأشار الدكتور عيسى صالح الحمادي مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج إلى أن المعلّم يُعدّ حجر الزاوية في العملية التعليميّة، ويحتلّ مكان الصدارة بين العوامل التي يتوقّف عليها نجاح التربية في بلوغ غاياتها على اعتبار أنّه لا يمكن الفصل بين مسؤوليّات المعلّم والتغييرات الأساسيّة التي تتمّ في المجتمع. فيجب اختيار المعلّم وإعداده وتدريبه وفق أُسس علميّة صحيحة تتواءم مع متطلّبات العصر المتسارعة، ومن هنا يعدّ الاهتمام بتطوير برامج إعداد المعلّمين، وضمان جودة إعدادهم وتدريبهم من أهمّ الاتّجاهات العالميّة المعاصرة، حيث يتزايد الاهتمام بهذه البرامج؛ لتمكين المعلّمين من مواجهة التحدّيات المعاصرة، ومواكبة التطوّرات السريعة المتلاحقة في العلوم والمعارف، والقيام بمهامّ المعلّم العصريّ.

وأضاف أنّ الوصول إلى مستويات رفيعة لأداء معلّمي اللغة العربيّة - في إطار عمليّة التطوير مرهون بعوامل كثيرة، من أهمها انتقاء نوعيّة جيّدة منهم وحسن إعدادهم، وجودة تدريبهم، وتزويدهم بمهارات القرن الـ21، وفى مقدّمتها مهارات التواصل، ومهارات التعلّم الذاتيّ والإبداع، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في تعليم اللغة العربيّة وتعلّمها، فمعلّم اللغة العربيّة المبدع هو طالب علم طوال حياته في مجتمع دائم التعلّم والتطور في ظلّ التقنيّة والمعلومات.

من جانبه قال الدكتور علي سعيد الكعبي مستشار بجامعة الإمارات: «إنّ إشكاليّة العربيّة في عصرنا الحاضر تكمن في اللغة ذاتها والقائمين عليها حيث توقّف العمل على التعريب والترجمة – رغم قلّته – من سنوات طويلة، ولم تعد هناك مرجعيّة علميّة يمكن الاستناد إليها، بالإضافة إلى استسهال استخدام اللغة الإنجليزيّة للتدريس والكتابة واستخدام مراجعها لكثير من الأساتذة في الجامعات بسبب التعليم الذي تلقّاه كثيرون منهم في جامعات أجنبيّة. وليس من قبيل المبالغة القول إنّه ربما تتمثّل أوّل عقبة في استخدام اللغة العربيّة لتدريس العلوم في الجامعات في الأساتذة العرب أنفسهم بسبب مقاومتهم للقيام بجهد إضافي في الترجمة والتعريب».

قالت فاطمة غانم المرّي المديرة التنفيذية في هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي: «لغتنا العربيّة لها مكانتها وأهمّيّتها في حياتنا كأفراد وكمجتمع، ودورها في إثراء المسيرة التنمويّة الممتدّة لدولة الإمارات، لا سيّما منظومة التعليم والتعلّم بجناحيها الحكوميّ والخاصّ على مستوى الدولة، ولقد لاحظنا رسوخ مكانة لغتنا العربيّة في المجتمع التعليميّ، وذلك من خلال الربط بين مادّة التربية الأخلاقيّة من جهة، وبين الدراسات الاجتماعيّة من جهة أخرى، حيث ساهمت في تطوير علاقة الطلبة من مختلف الجنسيّات والثقافات بالمجتمع المحلّيّ وتوفير تجربة تعلّم متكاملة».

وأوضحت الدكتورة كريمة مطر المزروعي رئيسة منظمة «تربويّون بلا حدود»، أنه عندما يصل الأمر إلى ضعف اللغة العربيّة في نفوس أبنائها من الطلّاب والمعلّمين على السواء، نجد أكثر الجمهور ينبري ليقدّم أسباباً وحلولاً ولوماً. الأسباب كثيرة ومتنوّعة، ولكن لا يمكن إلقاء اللوم على المعلّم، أو الطلّاب، أو أولياء الأمور، وإن إلقاء اللوم من الأساس هو مضيعة لوقت اللغة العربيّة.

وقالت منى الكندي الأمين العام لتحدي القراءة العربي: «قد لا نستطيع في سنوات قليلة إحداث انقلاب كامل في العقليّة العربيّة أو نجتثّ عقوداً من الرخاوة والكسل المعرفيّ، فالتغيير يحتاج حفراً وئيداً في العقل العربيّ. ويمكننا القول إنّنا من خلال تحدّي القراءة العربيّ ومشاريع ومبادرات معرفيّة وثقافيّة عدّة استطعنا أن نطلق شرارة أمل، وأمامنا جميعاً مسؤوليّة المحافظة عليها كي تظلّ جذوتها متّقدة، بالمتابعة والدعم والاستمرار والاحتفاء بملايين القرّاء العرب من الشباب».

وقالت الدكتورة هنادا طه-تامير أستاذة كرسي اللغة العربية في جامعة زايد: «قد نكون وصلنا اليوم إلى أن نقول إنّ خرافة (اللغة العربيّة لغة صعبة)، أصبحت واقعاً يتمثّل في خوف أجيال بكاملها من اللغة العربيّة وفي عدم استخدامهم أو إتقانهم لها، وفي الشعور بأنّها ليست في متناول أيديهم، وعقولهم، وقلوبهم. ودليلنا على عدم نجاح منظومة المعلّم الجيِّد هو نتائج الطلّاب في اختبارات القراءة والفهم القرائيّ العالميّة المُقنّنة مثل اختبارات (بيرلز) و(بيزا) والتي تحصل معظم الدول العربيّة على أدنى المراتب فيها. ولعلّ أهمّ أسباب ذلك هو أنّنا ما زلنا في معظم المدارس والجامعات العربيّة نعمل مع الطلّاب على: (معرفة العبارات)، وليس على(معرفة مدلول العبارات) بحسب قول عبدالقاهر الجرجانيّ. فبالرغم من الميزانيّات المعقولة - وفي بعض الدول العربيّة الميزانيّات الهائلة - والدعم والمصادر المتاحة، فإنّ النتائج ما زالت تقريباً في مكانها منذ 20 سنة تقريباً».

وقال الدكتور نزال حبش من جامعة نيويورك – أبوظبي: "هدف التكنولوجيا بصورة عامّة هو خدمة الإنسان وتسهيل احتياجاته. وقبل أن نتكلّم عن اللغة العربيّة والتكنولوجيا يجب علينا توصيف الوضع الحاليّ للّغة العربيّة بموضوعيّة وتعريف احتياجات متكلّميها: اللغة العربيّة هي مجموعة من اللهجات المرتبطة ببعضها لغوياً وتاريخياً، والتي يتميّز بعضها اجتماعياً لأسباب دينيّة (لغة القرآن الكريم، فصحى التراث) وسياسيّة (فصحى العصر) عن مجمل ما يُسمّى باللهجات العامّيّة. ومع أنّ الفصحى ليست هي اللهجة الأولى للطفل العربيّ، فإنّه يكتسب العديد من عناصرها من محيطه مع العامّيّة ومن ثمّ يتعلّم قواعدها وأنظمتها القياسيّة في المدرسة، في حين تبقى العامّيّة هي اللهجة الأمّ غير المقيّسة. فالإنسان العربيّ العاديّ البالغ يتكلّم ويفكّر معظم يومه بالعامّيّة، ويقرأ أو يستمع إلى الأخبار بفصحى العصر، ويصلّي بفصحى التراث، ويستمتع بسماع أغانٍ ومشاهدة برامج تلفزيون بعامّيّته وعامّيّات أخرى (إلى حدٍّ ما) وكذلك الفصحى، ويغرّد على تويتر أو يعلّق على فيسبوك بالعامّيّة أو الفصحى باستخدام الخطّ العربيّ أو اللاتينيّ (ما يسمى بالعربيزيّ أو لغة التشات)، ولغته اليوميّة قد يتخلّلها تنقّل بين العامّيّة والفصحى واستخدام مفردات على درجات مختلفة من التعرّب من لغات أخرى كالإنجليزيّة والفرنسيّة".