الثلاثاء - 14 مايو 2024
الثلاثاء - 14 مايو 2024

رفيعة غباش: حواري مع الوالد المؤسس في الطفولة شكّل هويتي

رفيعة غباش: حواري مع الوالد المؤسس في الطفولة شكّل هويتي
وصفت الدكتورة رفيعة غباش لقاءها مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهي في مرحلة الطفولة، بالذكرى التي لا يمكن أن يطويها النسيان، مؤكدة أن الحوار الذي دار بينهما ساهم بشكل كبير في بناء شخصيتها الفكرية وهويتها الثقافية.

وقالت الدكتورة رفيعة في حوارها مع "الروية" الذي عادت فيه بالذاكرة إلى مرحلة الدراسة، إنها مرت بتجارب عدة، ساهمت في تشكيل وعيها، منها تعلم القرآن الكريم على يد مطوعة، ودراسة الطب في مصر التي وصفتها بالنقطةً المحورية في حياتها.

وأشارت إلى أن متحف المرأة كان حلماً ظل يراودها لفترة طويلة، لكنه وكفكرة اختمرت في ذهنا في الفترة التي عاشتها في البحرين، حيث شاهدت الاهتمام بالمنازل القديمة.

وتالياً نص الحوار:



النشأة ملمح يرسم الخريطة التي يسير عليها الإنسان، فكيف كانت نشأتك؟


مررت بتجارب عدة، ساهمت في تشكيلي، حيث تعلمت القرآن على يد مطوعة، وقد كان بكل حي مدرسة لتعليم الأبناء كتاب الله، ثم فتحت في الستينيات المدارس في دبي، فنحن الجيل الذي عاش كل المراحل بتحدياتها وكذلك التمسنا الخيرات التي جاءت مع القيادة الرشيدة، وذهبت إلى مصر للدراسة، وقد تعرفت على المحروسة قبل سفري من خلال قراءة الروايات والإنتاج الأدبي والثقافي المصري الغزير، وهي دولة عريقة قادرة على تشكيل عقلية المرأة سياسياً وأدبياً، لكن أعتبر دراستي الطب نقطةً محورية في حياتي، خاصة وأن كثيراً من الأهل توقعوا اتجاهي إلى عالم العلوم السياسية والكتابة والأدب.

وكيف أثرت الغربة في شخصيتك؟

عندما توجهت لدراسة الطب في مصر، أتيحت لي فرصة الاقتراب من بيئة علمية واجتماعية غنية يتعلم الإنسان فيها الكثير، وكذلك عندما انتقلت إلى لندن للتخصص والدراسات العليا، اكتسبت الكثير من الخبرات والمعرفة والاطلاع، فضلاً عن اختصاصي العلمي، ولأن شخصيتي عروبية، حيث نشأت وتشكلت شخصيتي في دبي واستكملت بنيتها في مصر، فإن الأجواء الأوروبية زادتني تمسكاً بالقيم والتقاليد التي نشأت فيها.



وما أهم الهوايات التي كنت تقضين بها وقتك أيام الدراسة؟


كان اهتمامي كبيراً بالاطلاع والقراءة ومتابعة المقالات التي تنشر في الصحف والمجلات مثل روز اليوسف، آخر ساعة، وغيرهما في الستينيات، إلى جانب مراعاة الأهل ومتابعتهم لي لحفظ القرآن الكريم ما عزز من قدراتي في اللغة بذلك الوقت، وهو ما لم أدركه في وقته، لكن ظهر تأثيرها عليّ فيما بعد، فبناء شخصيتي الثقافية هو هوايتي الوحيدة التي كنت أحرص عليها.

ومن الشخصيات التي شكلت القدوة الحسنة في حياتك؟

نحن من جيل محظوظ، حيث نشأنا في زمن المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في الإمارات، وجمال عبدالناصر في مصر، وأولئك القادة العظام كانوا يحملون رسالة، أضاءت لنا الطريق وملأتنا بالطموح والتحدي، وكان العمل رسالة عززت بداخلنا جميعاً الانتماء العربي.



لقاؤك في مرحلة الطفولة مع المغفور له الشيخ زايد، ذكرى لا تُنسى، فهل نتعرف على تفاصيلها؟

تشرفت بلقاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، باني الدار أثناء جولته الأولى التي قام بها لمدارس الدولة بعد عامين من قيام دولة الاتحاد، وكنت أجلس في الصفوف الوسطى في الفصل، وعندما سأل عن إنجازات الاتحاد بادرت بالإجابة باستعراض الإنجازات المرئية من بنية تحتية ومدارس ورعاية صحية، ولكن اختتمت إجابتي بعبارة (ولكن ما يكفي).

هنا اقترب الوالد المغفور له الشيخ زايد ليسألني ماذا أقصد بأنه لا يكفي، وحينها أجبت أن الاتحاد يجب أن يضم دول الخليج، فاللغة والعادات والدين والروح واحدة والقيادة موجودة، وظللنا في حوار وكافة المرافقين له يستمعون لحديثنا، ويعد هذا اللقاء من أكثر الذكريات التي لا أنساها، وهو حوار كان له تأثير كبير في تشكيل فكري وبناء شخصيتي الثقافية.

مثلت والدتك نقطة قوة في شخصيتك، فهل لنا أن نتعرف على شكل علاقتكما؟

والدتي عوشة بنت حسين كانت سقفاً يحميني ومنارة ترشدني، ولم تكن أماً فحسب، بل كانت معلمة وصاحبة فكر وتجارة أيضاً، كانت تناقشني في كل ما أكتبه وتحاورني دائماً حول مقالاتي الصحفية، وأتذكر جيداً حينما ترأست «الجمعية النسائية» في دبي، فشكوت إليها قلة الحضور في الأمسيات والمحاضرات، وإذ بي في اليوم التالي أتفاجأ بسيدة معها حشد من نساء الحي يجوب أرجاء الجمعية، فكانت تلك هي أمي، وكان رحيلها هو اللحظة الفارقة والأشد في حياتي.



الانتقال من الحياة الدراسية إلى العملية، من أهم المراحل الحياتية، ما التجربة العملية التي تعتزين بها؟


أعتز بتجربتي لعمادتي كلية الطب بجامعة الإمارات، والتي جاءت بشكل غير متوقع، إذ ساعدتني في أن أكون رائدة في المجال الأكاديمي، وألقت على عاتقي مسؤولية جسيمة في الجامعة الوطنية الأولى بدولة الإمارات، لا مجال للتهاون في تطبيق القوانين، وعليّ أن أعمل لتغدو هذه المؤسسة الأكاديمية ضمن أفضل الجامعات العالمية، كما أسعد كثيراً برئاستي جامعة الخليج العربي بالبحرين التي أعتبرها نقطة فارقة كبيرة في حياتي.



لدولة البحرين معزة خاصة، ما الذكريات التي ما زالت تحتفظين بها للمملكة؟


عشت في البحرين 8 سنوات، وشكلت رئاستي «جامعة الخليج العربي» بالبحرين نقطة فارقة كبيرة في حياتي، فهناك كنت أتمتع بالاستقلالية الإدارية الكاملة في كافة قراراتي المتعلقة بهذه الجامعة الإقليمية، وعشت هناك في مجتمع محب وكريم ومتواضع، وشغوف كذلك بالثقافة التي تأصلت فيه عبر الزمن.

وقد اهتمت المملكة بمعالمها وبيوتها الشعبية القديمة، وحولتها إلى وجهات ثقافية وسياحية، وقد زرع هذا الشغف بالتقاليد في نفسي بذرة «متحف المرأة»، ورغم أنني تركت رئاسة الجامعة إلا أنني أحرص على زيارتها كل 3 أشهر.

وما المهارات التي أضافتها دراسة الطب النفسي لك؟

منحتني فرصة كبيرة لفهم الإنسان ودواخله وأفكاره وسلوكياته تلك التي ترى بعين المتخصص والتي لا يراها الشخص العادي، وقد وظفت فهمي في هذا الإطار في عملي خلال مسيرة حياتي.



الصداقة كنز لا يفنى، فما رصيدك من هذه العلاقة الإنسانية؟

أعتز بكافة العلاقات الإنسانية خاصة الصداقات حتى مع الأشخاص الذين أقابلهم ولو لمرة واحدة، وهذا جعلني أمتلك شبكة من العلاقات الواسعة في مختلف دول العالم التي زرتها أو مكثت بها، وما زلت أحافظ على علاقاتي ببعض الأصدقاء في مصر وبريطانيا، ولم تقتصر علاقاتي على نطاق الدراسة، ولكن سعيت إلى إيجاد علاقات مع جيراني وفي كل حي أسكن فيه، وأحرص من خلال هذه العلاقات على التعريف بالعادات والتقاليد الإماراتية المنبثقة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.



متحف المرأة، من أبرز محطاتك الحياتية كيف كانت الخطوات الأولى بها؟

نبتت الفكرة من البحرين، وكان عشقي لكافة تفاصيل حياة بيئتي الإماراتية يدفعني للتفكير في مشروع يعيد جيل اليوم إلى ذكريات الماضي البعيد بكل ما يحمله من أصالة، فكلما كنت آتي من إجازتي الدراسية من الجامعة بمصر كنت أزور كافة الأماكن القديمة بدبي، وحينما عملت في البحرين، حضر حلمي القديم بقوة، إذ كنت شاهدة على أجمل تجربة تقودها امرأة، وهي الشيخة مي محمد آل خليفة، رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار حالياً، في استعادة تاريخ بلدها من خلال إعادة ترميم البيوت القديمة، خاصة تلك التي عاشت فيها الرموز الفكرية والثقافية من النساء والرجال.

ظل هذا الحلم القديم يحل ضيفاً عليّ كل مساء، ومع اقتراب نهاية رحلتي العملية بالبحرين، علمتُ بوجود بيت قديم في دبي للبيع. وما إن زرته حتى تذكرته، فلقد كانت والدتي ترسلني إلى أهله حاملة معي ما تجود به من هدايا لهم، كنا نسميه «بيت البنات»، ومن هنا انطلقت شرارة الفكرة وأوحت لي بتحويل هذا البيت إلى مشروع خاص يحتفي بالمرأة في الإمارات، خاصة تلك الشخصيات النسائية التي تجمعهن صداقة بوالدتي والتي تعددت مجالات عطائهن ونجاحهن، سواء في التجارة أو الآداب.