الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

عبدالله عبدالرحمن: دخلت الصحافة من بوابة الخط العربي

عبدالله عبدالرحمن: دخلت الصحافة من بوابة الخط العربي

عبدالله عبدالرحمن

استدعى الباحث الكبير والإعلامي الإماراتي عبد الله عبدالرحمن، في حواره مع «الرؤية» ذكريات الطفولة والشباب، مؤكداً أن السر في تفوق أبناء جيله دراسياً، يكمن في وجود تنافسية في الاعتماد على النفس والسعي وراء العلم، مشيراً إلى أنه كان يقطع يومياً سيراً على الأقدام نحو 10 كيلومترات ذهاباً وإياباً من أجل الوصول المدرسة ومع ذلك لم ينقص شغفه يوماً نحو المعرفة.

وأشار عبدالرحمن الذي يعتبر واحداً من أوائل الذين بادروا لرصد وجمع وتوثيق التراث الشفهي والثقافة الشعبية من خلال الحوارات المباشرة مع المعمرين، إلى أن عشقه للكتابة بدأ من عشقه للخط العربي، وممارسته على الورق والجدران القديمة في حارات الطفولة، مؤكداً أن الخط كان مدخله الأول إلى عالم الصحافة.

وعن سر تلقيبه بعاشق التراث قال: نحن جيل مخضرم عاصر جزءاً كبيراً في أواخر الستينيات، فكان لا بُد أن نحفظ خبرات الأجداد والآباء، وأن ننقلها للجيل الجديد، حتى يستفيد منها، خصوصاً وأن المخطوطات كانت نادرة وقليلة.

ونوه بأن الإمارات لم تغفل دور المؤسسات الثقافية خاصة بعد قيام الاتحاد، حيث عملت وسائل الإعلام على ترسيخ مفهوم الاتحاد والوحدة في قلوب الناس، وأهمية هذا الاتحاد الذي يوحد مصير دولة الإمارات.

ودعا الشباب إلى الاندماج في العمل التطوعي لتنمية شخصيتهم، إضافة إلى استثمار أوقاتهم، فمن المهم استثمار الوقت في القراءة لأنَّها أهم من أي شيء آخر.. وإلى نص الحوار:



*نشأة الإنسان ترسم ملامح اهتماماته وميوله.. كيف لعبت طفولتك دوراً في بناء شخصيتك؟

أنا من مواليد رأس الخيمة عام 1951، باحث وإعلامي متقاعد، وأعمل باحثاً في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، كان لديَّ شغف بالقراءة ومحبة التعليم منذ الصغر وكنت أهوى الكتب والمراسلة لبعض الصحف والإذاعات العربية والأجنبية وخصوصاً البرامج الجماهيرية عن طريق البريد والمكتبات.

بدأت مراسلات لـ«دار الدراسات المهنية» في القاهرة، تخصص الصحافة بالمراسلة، والتي شكَّلت أول وجود إعلامي لي، وأنا في الصف الثالث الإعدادي، وأخذت أتزود بالعديد من الكتب، مثل كتب «محمد زكي عبدالقادر»، وهو واحد من كبار الصحفيين المصريين خلال هذه الفترة، وكتاب «وراء الأخبار ليلاً ونهاراً»، وكتاب «المحرر العسكري»، وهي الكتب التي أُثرت في مسيرتي الصحافية وخاصةً الميدانية منها لاحقاً.

كما كان المذياع صديقي في الحل والترحال، وأتذكر أن أول زيارة قمت بها إلى سوق دبي اشتريت فيها جهاز راديو، وفزت بالجهاز الثاني من إذاعة الشارقة من برنامج مسابقات من تقديم الراحل حسين أبوالمكارم.



- ما هي الصعوبات التي واجهتك في مجال التعليم؟

في تلك المرحلة لم تكن هناك رفاهية في التعليم مثلما هو الحال اليوم، لكن كانت هناك تنافسية الاعتماد على الذات وحب التعلم، وشغف الطالب نفسه بالتعلُّم. حيث كانت المسافة بين المنزل والمدرسة تصل إلى 5 كيلومترات، كنا في منطقة زراعية، وكنا نقطع هذه المسافة مشياً على الأقدام، لعدم توافر المواصلات، والصعوبات اللوجستية في ذلك الوقت، لكن في الوقت نفسه كان التعليم قوياً وكذلك كان المدرسون والمناهج.

*وكيف قضيت وقت فراغك في فترة الشباب؟

كُنا نعيش في مجتمعاتٍ زراعية والحال نفسه ينطبق على المجتمعات الأخرى، كُنا نساعد في أعمال الزراعة مع الوالد بعد العودة من المدرسة، خاصة وأن الآباء كانوا يحرصون على نقل الحرف لأبنائهم كل في مجاله، وهذا العمل كان يأخذ وقتاً كبيراً بعد المدرسة، وهناك وقت آخر للاهتمامات الأدبية والذهاب إلى المكتبة العامة.

كانت أكثر وسيلة ترفيهية للشباب في ذلك الوقت «السينما» التي كانت مهمة جداً، حيث ظهرت «سينما النخيل» في الستينيات، وكانت تجمع الكثير من الشباب لمشاهدة الفيلم الهندي.

*كم كان مصروفك اليومي؟

مصروفي اليومي في تلك الفترة، أتذكر أنه كان لا يتعدى درهماً أو درهمين، وهو مصروف جيد، كما أن المدرسة كانت تصرف لنا مكافأة لتشجيعنا على التعلُّم.



- ماذا عن دور المؤسسات الثقافية في الماضي؟

لم تغفل الإمارات دور المؤسسات الثقافية خاصة بعد قيام الاتحاد، حيث عملت أجهزة الإعلام على ترسيخ مفهوم الاتحاد والوحدة في قلوب الناس، وأهمية هذا الاتحاد الذي يوحد مصير دولة الإمارات، فأنشأت المكتبات العامة التي كانت تابعة لوزارة الإعلام، والتي كانت تجذب المهتمين بقراءة الكتب والصحف العربية.

-ومتى كانت بداية علاقتك بالكتابة؟

عشقي للكتابة بدأ من عشقي للخط العربي، وممارسته على الورق والجدران القديمة في حارات الطفولة، فالخط كان مدخلي الأول إلى عالم الصحافة، فقد بدأت خطاطاً في صحيفة الاتحاد سنة 1974، وهذه المغامرة عندما كان عمري 17 عاماً، حين وجدت نفسي طالباً للتمريض في أبوظبي، ومتواصلاً مع الكتاب من خلال المكتبة العامة لوزارة الإعلام في الفترة المسائية.



وما سر انجذابك في بداية عملك الصحفي للبيئات الجغرافية الصعبة؟

السر يكمن في عشقي الخاص للعمل الميداني ورغبتي في إضفاء طابع وأسلوب أدب الرحلات على تحقيقاتي الصحفية؛ كي أوثق لأسفاري الميدانية البحثية التي قطعتها في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، نحو القرى والمناطق النائية والجزر البحرية، وفي مراكز الاستقرار والانتشار السكاني للبادية والحضر، مع بداية متغيرات الحاضر والنهضة الثقافية والاقتصادية في الدولة، ورغم قلة عدد الصحفيين الإماراتيين في أواسط السبعينيات من القرن الماضي كانوا يتنافسون على السبق الصحفي، وحيازة لقب «صاحب المانشيت»، وعلى استقطاب القارئ والترويج للصحيفة من خلال التصدي لمواضيع تعبّر عن جهد الكاتب واقتحامه لحقل غامض وجديد لم يسبق التطرق له.

- يلقبونك بعاشق التراث ما السر وراء هذا العشق؟

نحن جيل مخضرم عاصر جزءاً كبيراً في أواخر الستينيات في عصر بداية المتغيرات، فكان لا بُد أن نحفظ خبرات الأجداد والآباء، وأن ننقلها للجيل الجديد، حتى يستفيد منها، خصوصاً وأن المخطوطات كانت نادرة وقليلة، فكنا نحتاج إلى تغطية هذه الفجوة التاريخية من خلال الرواة الشفهيين.

ومقابلاتي مع كبار السن في تلك الفترة كانت لها جاذبية خاصة لدى الأجيال الجديدة التي لم تتعرف على كفاح وصبر وعذاب هؤلاء المعمرين، والتي لم تخلُ أيضاً من لحظاتٍ مبهجة ومحطات حافلة تستعيد طعم ومذاق الأيام البعيدة، وكيف أن أهل الإمارات الأوائل استطاعوا ترويض البيئات الصعبة، والتكيف معها رغم وسائل العيش البدائية وندرة الموارد الطبيعية.



- ما تأثير ذلك على أسرتك وحياتك الشخصية؟

23 عاماً في مجال العمل الصحفي، ثم العمل البحثي، كانت هناك تضحيات كبيرة، لكن أسرتي كانت متفهمة طبيعة عملي، ومشجعة لي، فقد وقفت إلى جانبي كثيراً وتحملت كثيراً، لأنَّها تعلم جيداً حبي للعمل حتى أنني في رحلاتي العائلية كنت أنقلها للعمل من خلال السياحة الداخلية.

- ما هي الرسالة التي توجهها للشباب؟

التسامح واحترام الرأي والرأي الآخر، إضافة إلى الاندماج في العمل التطوعي فهو يُنمِّي شخصية الإنسان، والأهم والملح هو كيف أن يستثمر الشباب وقتهم، لأنَّ من المهم استثمار الوقت في القراءة لأنَّها أهم من أي شيء آخر، بالإضافة إلى تنمية موهبتهم وقدراتهم، وأن يرسّخوا ولاءهم وانتماءهم للوطن، وأن يكون لديهم رسالة وهدف.