السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

«يلا على الورشة».. مبادرة مصرية تُخلد تراث «التقصيب» الذي زين كسوة الكعبة

كانت مصر من الدول الرائدة في صناعة كسوة بيت الله الحرام، على مدار عدة قرون، حيث كان يتم تصنيع الكسوة بقماش محلي الصنع أثناء ولاية عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، واستمرت مصر في ذلك مُنذ العصر العباسي ثم الدولة الفاطمية مروراً بالدولة المملوكية في عهد السلطان الظاهر بيبرس حيث كان المماليك يُلقبون بخُدام الحرمين الشريفين، ثم الدولة العثمانية بعد ذلك، وبسبب أحداث سياسية توقفت مصر فترات قصيرة عن إرسال الكسوة لمكة.

توقفت مصر تماماً في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن إرسال كسوة الكعبة وقامت المملكة السعودية بهذا الدور، ورغم ذلك ما زال الاحتفال بكسوة الكعبة في مصر يأخذ مُنحنىً آخر، ففي قلب أقدم سوق في القاهرة بجوار شارع المُعز التاريخي وفي شارع خان الخليلي تقع ورشة أحمد القصبجي حفيد الفنان عثمان عبدالحميد، الذي يُعد آخر الفنانين الذين قاموا بتطريز كسوة الكعبة في مصر عام 1962 بغرز «السيرما» اليدوية المُميزة، وتعتبر ورشته الأثرية وجهة الباحثين عن معرفة فنون «السيرما» التراثية، ومنهم مُؤسس مُبادرة «يلا على الورشة» الشاب المصري مُصطفى كامل الذي نظم ورشة تدريبية للأطفال للكشف عن هذا الفن المُهم الذي ميز منطقة السوق القديم بشارع خان الخليلي التراثي، استئنافاً لنشاط مُبادرته التي بدأها في 2015 لتوثيق وحماية التراث المصري تعليق نشاطها بسبب فيروس كورونا المُستجد «كوفيد-19».

ويقول مصطفى للرؤية «فن السيرما أو التقصيب أو النخيش أحد الفنون الفلكلورية المُتوارثة التي ميزت عائلات دون غيرها، وأردت توثيقها من خلال مُبادرتي «يلا على الورشة» حيث إنني أرى أن توثيق تلك الحرف هو جزء أصيل من تأصيل الفنون الشعبية والتراث الشعبي، فمثلاً كان محمل الكعبة يجوب مصر لمدة 3 أيام كاملة، وكان المصريون يدعون بما يريدون ابتهالاً وتضرعاً إلى الله، وأيضاً فن السيرما متداخل مع اتجاهات المصريين الصوفية في تزيين أضرحة أولياء الله الصالحين في منطقة الدرب الأحمر وسوق السلاح».

ويُضيف «الحرفة مُرتكزة على تراث يدعمها ويُغذيها مثل الاحتفال بموسم الحج، والأدب الشعبي والخط العربي وغيرها من الطقوس يجمعها فن السيرما في صورته النهائية كرافد مهم من روافد التراث والفلكلور الشعبي المصري».

ومع الحاج أحمد شوقي القصبجي أحد أبرز فناني «السيرما» في مصر نظم كامل ورشة تدريبية وتعريفية للأطفال عن حرفة «القصبجي» كأحد أهم الحرف التراثية التي يحاول أحمد القصبجي منعها من الاندثار، خصوصاً أن البعض لم يكن يتوقع أنها من الحرف التي ما زالت موجودة حتى الآن، ولم تقتصر على صُنع «كسوة الكعبة» فحسب، بل امتدت لتشمل تزيين سترات الخديوي والملوك بألوانها الذهبية، ونسج الشارات العسكرية يدوياً، وبحسب القصبجي فإن ورشته التي ورثها عن جدوده رواد فن «التقصيب» قد نسجوا طرحة زفاف الأميرة ديانا بطول 11 متراً.

وعن ورشته التدريبية للأطفال في ورشة القصبجي يُتابع صاحب مُبادرة «يلا على الورشة» حديثه مع الرؤية «الشرح تم بواسطة الفنان أحمد القصبجي على «المنسج»، وتدريب الأطفال بأيديهم لاستخدام الخيوط والإبر لتعلم حرفة السيرما، وكيف يمكن استخدام الخط العربي من خلالها على المنسج لإظهار فنون الحرفة، وتدعيم الثقافة البصرية للأطفال لمعرفة شيوخ الحرفة، وتعريفهم مثلاً الفرق بين فن السيرما أو التقصيب وفن آخر كالخيامية، فالبعض لا يستطيع بسهولة التفريق بينهما، وهذا هو دور مبادرتي لتوثيق تلك الحرف وتعريف الأطفال بها لمنعها من الاندثار على المدى الطويل».