السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«جامبيت الملكة».. وصفة سحرية لإنجاز عمل فني كبير

«جامبيت الملكة».. وصفة سحرية لإنجاز عمل فني كبير

فتاة صغيرة يتيمة تنبغ في لعبة الشطرنج، وتشق طريقها في عالم المحترفين الرجال إلى أن تستطيع هزيمة بطل العالم.

هل يمكن أن تتحول هذه الفكرة البسيطة إلى مسلسل من 6 حلقات في 6 ساعات؟ وهل يمكن أن يحقق هذا المسلسل نجاحاً عالمياً؟

هذا هو ما فعله المسلسل الأمريكي «جامبيت الملكة» –أو «جامبيت الوزير»- من إنتاج «نتفليكس» وإخراج سكوت فرانك الذي يحقق نسبة مشاهدات هائلة، وغير متوقعة، في الولايات المتحدة وخارجها حالياً، حتى أنه يحتل المركز الثاني حالياً على المستوى العربي.



سحر الإبداع

إنه سحر الإبداع الذي يمكنه تحويل أي فكرة، وأي موضوع إلى عمل فني جيد، بغض النظر عن أهمية أو بساطة هذا الموضوع في الحياة الواقعية. أو بمعنى آخر، فإن أي موضوع يحمل إمكانيات درامية وجمالية إذا نظرت إليه من الزاوية الصحيحة، وهذه الزاوية يعرفها جيداً الشعراء والفنانون.

يدور «جامبيت الملكة» حول إليزابيث، أو بيث، وهي فتاة تعيش في ملجأ للأيتام تتعلم الشطرنج وتنبغ فيه، ويصبح وسيلتها للخروج من أزماتها النفسية والواقعية، وجسر عبورها إلى النضوج. وهي قصة قد تبدو مكررة ومملة ولا جديد فيها سوى أنها تدور في عالم لعبة الشطرنج المجهول لدى معظم الناس.





شطرنج بنكهة نسوية

الشطرنج، كرياضة محترفين، له تاريخ طويل يعود إلى أكثر من قرن ونصف القرن، والشطرنج كلعبة له تاريخ يعود إلى آلاف السنين، ومن المعروف أن العرب برعوا فيه ووضعوا أول كتب في قواعده ونظرياته وجمالياته، وقد انتقل الشطرنج إلى أوروبا، ضمن ما انتقل إليها من علوم ومعارف خلال الحروب الصليبية، ومثل معظم العلوم التي نقلوها قام الأوربيون بتطويرها وصنعوا عصر نهضتهم. وكان الشطرنج أحد مظاهر هذه النهضة. ومن بين القواعد التي طورها الأوربيون أسماء وحركة القطع، ومنها «الوزير» الذي تغير اسمه إلى «الملكة»، والتي أصبح بإمكانها التحرك إلى أي مربع في الرقعة في خطوط أفقية أو رأسية أو وترية. وهناك من يعتبر أن هذا التغيير ذو دلالة تاريخية على التغير في أوضاع النساء الذي بدأ منذ عصر النهضة وإلى الآن.

يلعب مسلسل «جامبيت الملكة» على هذه الفكرة، إذ يصور فتاة تقتحم عالماً، يكاد يكون مقصوراً على الرجال. ومن المعروف أن المسلسل مأخوذ عن رواية بالاسم نفسه لوالتر تيفيس صدرت 1983، قبل سنوات من ظهور اللاعبة المجرية جوديت بولجار التي فازت على أكبر الأساتذة العالميين ومنهم بطل العالم وقتها جاري كاسباروف، وظلت لسنوات طويلة واحدة من أفضل لاعبي العالم.



ولا يكتفي «جامبيت الملكة» بتمجيد قوة النساء ولكنه أيضاً يدافع عن الفقراء، في شخصية حارس بيت الأيتام، والملونين، في شخصية جولين صديقة البطلة.

«جامبيت الملكة» يروي قصة درامية مثيرة، كما يصور الحياة خلال الخمسينيات والثلاثينيات ببراعة، وهو بالغ الدقة فيما يتعلق بموضوعه، ويكفي أن صانعيه استعانوا ببطل العالم السابق كاسباروف، وبأحد المدربين الأمريكيين الكبار من أجل وضع المباريات التي يضمها المسلسل، وتعليم الأبطال كيفية لعب الشطرنج وقواعد المسابقات وغيرها من تفاصيل اللعبة.

ومن أبرز عناصر العمل التي ساهمت في نجاحه الممثلة آنيا تيلور- جوي، التي لعبت دور بيث، ونجاح الممثلين بشكل عام الذين تم اختيارهم بعناية، وكذلك السيناريو المحمل بالحركة والمفاجآت، وتمتد البراعة إلى بقية عناصر العمل من مؤثرات بصرية وديكورات وملابس وماكياج وموسيقى، والتي تتضافر معاً، مثل القطع في مباراة شطرنج، لتحقيق الهدف والأثر النهائي على المشاهد.



خطأ وحيد

رغم امتلاء المسلسل بمصطلحات الشطرنج، بداية من اسمه، الذي يشير لافتتاحية شهيرة، وكلمة «جامبيت»، التي تعني التضحية ببيدق في الافتتاح، وحتى عناوين حلقاته الست، المأخوذة من مصطلحات شطرنجية، إلا أن العمل نجح في تبسيط هذه المصطلحات والتفاصيل وجعل المشاهد العادي يعيش فيها ويحبها رغم غرابتها بالنسبة له.

«جامبيت الملكة» كاد أن يصبح مباراة كاملة بلا أخطاء، ولكنه وقع في خطأ واحد جسيم، وهو ربط تركيز البطلة بتناول المخدرات والخمور، وهو أمر نادر الحدوث، في عالم المحترفين، لأن الشطرنج يحتاج إلى عقل في كامل تركيزه، بل إن الدراسات الحديثة بينت أن لعب الشطرنج يقي من الإدمان، ولا يتسبب فيه كما يوحي المسلسل!