الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

سبايك لي يحاكم أمريكا البيضاء في «الإخوة الخمسة»

سبايك لي واحد من أفضل المخرجين الأمريكيين على مدار العقود الثلاثة الماضية، وهو بالتأكيد واحد من أهم المخرجين الأمريكيين الأفارقة، والأسماء اللامعة في السينما العالمية.

منذ فيلمه الأول «افعل الشيء الصحيح»- Do The Right Thing 1989، يكتب سبايك لي، بالصور المتحركة، تاريخ العرق الأسود في أمريكا بحروف من غضب وحيوية وخفة دم قلما تراها مجتمعة في الأفلام. حيث يتنقل بين مشاكل الحاضر، كما في «حمى الأدغال»، -1991، و«الفتاة رقم 6» - 1996، وبين التاريخ القديم، كما في «مالكوم إكس» - 1992، والتاريخ الأقدم كما في «بلاك كلانسمان»- 2018، مثيراً للجدل والزوابع بأفلامه وتصريحاته النارية، التي كان آخرها منذ عدة أيام، حين قارن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالزعيم النازي أدولف هتلر!



الإخوة الخمسة

في فيلمه الأخير «الإخوة الخمسة» Da 5 Bloods”، الذي يعرض على منصة «نتفليكس» حالياً، يعود سبايك لي إلى حرب فيتنام في نهاية العقد السادس، وبداية العقد السابع من القرن الماضي، ليرصد المظالم التي تعرض لها الشعب الفيتنامي والأمريكيون الأفارقة بسبب السياسة الاستعمارية البيضاء للولايات المتحدة، وذلك من خلال قصة خيالية تدور في الوقت الحاضر، تضج بالكوميديا والتشويق والحركة، وأيضاً بالإحالات التاريخية لأحداث وشخصيات التاريخ.

يدور الفيلم حول 4 رفاق مسنين من المحاربين القدامى السود (كلمة Bloods مصطلح عامي أمريكي يشير لإخوة الدم، أو رفاق الحرب)، الذين شاركوا في حرب فيتنام يعودون إلى فيتنام الحاضر لهدفين: الأول هو استعادة رفات رفيقهم الخامس، الذي قتل في المعارك، والثاني استعادة كنز من السبائك الذهبية، كان عبارة عن رشوة من المخابرات الأمريكية لسكان إحدى القرى الفيتنامية، ووقع في أيدي المحاربين القدامى بالصدفة أثناء تحطم طائرتهم، وقرروا الاحتفاظ به وإخفاءه ليعودوا إليه مستقبلاً، ويوزعوه على أبناء جلدتهم المضطهدين.

ما بين مغامرة الحاضر الخطيرة، ومشاهد الـ«فلاش باك»، (العودة للماضي خلال الحرب)، واللقطات التاريخية لنضال السود الأمريكيين ضد الاضطهاد والتمييز، يتنقل إيقاع الفيلم مثل فراشة على مدار أكثر من ساعتين ونصف الساعة، لا تشعر خلالها بمرور الوقت، وإن كنت تشعر دائماً باللهاث وراء الأحداث، والرغبة في معرفة المزيد عما حدث.. وذلك قبل أن يتركك الفيلم في النهاية مأخوذاً ومتأثراً من قدرة سبايك لي على الانتقال من نوع المغامرة الكوميدية إلى قلب المأساة السياسية والاجتماعية، التي التفت حول أعناق الشخصيات بلا رحمة.



تمرد على القواعد

يتميز أسلوب سبايك لي السينمائي بالحرية الإبداعية المدهشة أحياناً، وعدم التقيد بالقواعد التقليدية لبناء وصنع الأفلام، ومن أعجب الأشياء، مثلاً، في فيلم «الإخوة الخمسة» أن الممثلين الكبار الذين يلعبون الشخصيات الرئيسية، والذين يفترض أن يكونوا قد تجاوزوا أو اقتربوا من الـ70 من العمر الآن - إذا افترضنا أن عمرهم كان 20 عاماً في 1970 - هم أنفسهم الذين يؤدون مشاهد العودة للماضي، باستثناء رفيقهم الخامس الذي مات شاباً، والذي يؤدي دوره الممثل الراحل شادويك بوزمان!



إشارات تاريخية

يعتمد الفيلم على الحوار كعنصر أساسي، ليس فقط لتوصيل المعلومات ومشاعر الشخصيات، ولكن لخلق مستويات لا متناهية من الإحالات التاريخية والفنية لشخصيات تاريخية وأفلام أمريكية أخرى، مثل أبطال الرياضة السود: الملاكم محمد علي كلاي، الذي رفض المشاركة في حرب فيتنام، وحكم عليه بالسجن لذلك، وبطلي ألعاب القوى تومي سميث وجون كارلوس، اللذين رفعا قبضتيهما، علامة القوة السوداء، عقب حصولهما على ميداليات دورة الألعاب الأوليمبية في 1968، إلى الإشارات لواحد من أكثر الأفلام انتقاداً لحرب فيتنام، وهو فيلم «نهاية العالم الآن» للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، أو الإشارة الساخرة لسلسلة أفلام «رامبو» لسلفستر ستالوني، التي يشير إليها أحد الشخصيات بقوله: «هوليوود كانت تحاول العودة للحرب لكي تفوز بها في الأفلام»!



مرشح للأوسكار

يتميز الفيلم كذلك بفريق رائع من الممثلين، خاصة ديلروي ليندو، في دور الرفيق العصبي الذي يعاني المرض النفسي والهذيان، منذ عودته من الحرب، وكذلك كلارك بيترز، الأكثر حكمة بينهم، ونورم لويس، الأكثر التزاماً بقضية السود، وإيزايا ويتلوك الابن، الذي يشيع جوا من المرح كلما تكلم، وبالطبع شادويك بوزمان صاحب الحضور المؤثر رغم مشاهده القليلة. ولا يكتفي سبايك لي بهذه الكتيبة السوداء، ولكنه يستعين بالنجم الفرنسي جان رينو في دور قصير، وكذلك بعدد من الممثلين الفيتناميين الجيدين.

«الإخوة الخمسة» واحد من أفضل أعمال سبايك لي، وهو أكثر أفلام العام مناسبة للأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة، والفيلم لا يخلو أيضاً من الإحالات الساخرة من ترامب ومؤيديه من أصحاب القبعات التي تحمل حرف الـ«T»، ومن المتوقع أن ينافس الفيلم بقوة في ترشيحات الأوسكار القادمة.