الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

Nobody.. داخل كل رجل نكرة سوبرمان!

Nobody.. داخل كل رجل نكرة سوبرمان!

في اللقطات الأولى من فيلم Nobody، أو «لا أحد» أو «نكرة»، إخراج وتأليف إيليا نيشولر، يجلس بطل الفيلم هاتش مينسل (بوب أودينكيرك) أمام 2 من المحققين، على وجهه آثار كدمات، يفتح علبة تونة يطعمها لقط صغير يخرجه من سترته. يسأله أحد المحققين من أنت فيجيب: «نكرة»!





يقطع الفيلم على لقطات على مدار أيام لهاتش في حياته اليومية الروتينية كزوج وأب وموظف بسيط، لا يفعل شيئاً ذا أهمية، ربما باستثناء التمارين الرياضية التي يمارسها كل صباح، والتي سنعرف أهميتها لاحقاً عندما تبدأ مشاهد الأكشن، ونعرف السر الكبير الذي كان يخفيه لسنوات.

ذات ليلة يقوم لصان باقتحام منزله، ويتردد في التصدي لهما، تاركاً إياهما يسرقان بعض النقود والمتعلقات الصغيرة، وحتى حين يحاول ابنه المراهق التدخل يتراجع هاتش عن أذيتهما بمضرب الجولف الذي يحمله. تصل الشرطة ويرى هاتش نظرات اللوم والاحتقار في عيون المحيطين به. إنه شخص عادي، لا يحب العنف، ولا يرغب في أن يؤذي أحداً، ولكن العالم الذي نعيش فيه يحتقر الضعفاء، ويحتفي بالعنف، وفيلم «نكرة» رغم أنه يحاول أن يقول عكس ذلك في البداية، إلا أنه يمجد العنف والقتل، خاصة لو كان ضد من يستحقون، من زعماء الجريمة وسارقي الشعوب الذين لا تستطيع السلطات الرسمية أن تنال منهم.



يتمثل الجانب السلمي في حياة هاتش في علاقته بابنته الصغيرة التي تحبه وتشعر بحمايته بدون الحاجة إلى استعراض القوة أو أن التباهي ببطولات أبيها الحربية، على عكس الابن الذي يفضل أن يتصل بخاله لإجراء بحث تاريخي عن بعض الأبطال المحليين.

بعد قليل يتبين أن هاتش ليس نكرة على الإطلاق عقب مكالمة غامضة عن طريق جهاز اتصال سري مع شخص يبدو أنه مهم. ويتبين أن هاتش لم يعتدِ على اللصين لأنه أشفق عليهما، خاصة بعد أن لاحظ أن مسدسهما القديم غير محشو. إنه يتحمل ملاحظات مدعي البطولة من حوله في صبر، ولكن عندما تخبره ابنته أنها فقدت سوار قطتها ويعتقد هاتش أن اللصين ربما قاما بسرقته يقرر أخيراً أن يكشف عن وجهه الآخر.





هنا يتخذ الفيلم مساراً مختلفاً، يتحول فيه هاتش إلى «سوبر هيرو» تقليدي: ينجح في الوصول إلى اللصين عن طريق وشم لاحظه على ذراع أحدهما، ولكنه يعفو عنهما عندما يكتشف أنهما فقيران لديهما طفل رضيع مريض، ولكن في طريق عودته يقوم بالتصدي لخمسة من البلطجية يقتحمون الأتوبيس الذي يقله، ويسأل أحدهم وهو لا يصدق أن هذا الرجل «العجوز» استطاع أن يضربهم جميعاً: من هذا الرجل؟





ينتقل الفيلم بدءاً من هذه اللحظة إلى عمل تقليدي طالما قدمته السينما الهوليوودية: بطل واحد، كاوبوي، كما في أفلام الويسترن، أو شرطي، كما في سلسلة «الاستماتة» Die Hard، ينجح في هزيمة عصابة بأكملها، بل واحدة من أخطر عصابات الجريمة المنظمة الروسية.

في الليلة التي يعود فيها هاتش إلى منزله عقب معركته مع «بلطجية» الأتوبيس، نعرف أنه رجل له ماض يحفل بالعنف، وأن المقربين منه يعلمون، زوجته وأبوه وحموه، ونعرف أنه لم يجرِ علاقة حميمية مع زوجته منذ سنوات، ولكن في هذه الليلة تحديداً تعود المياه لمجاريها والرغبة للقلوب الخاملة وهرمونات التستسترون وإنزيمات الأدريالين للشرايين والأوردة الخامدة. لقد دبت الحياة أخيراً في حياة هاتش والمحيطين به عندما قرر أن يكون عنيفاً!





في اليوم التالي تصبح حياته العائلية سعيدة، وعندما تقوم العصابة بالهجوم على بيته للانتقام، يقبل زوجته قبلة ساخنة، ويرسلهم بعيداً ليتصدى للعصابة بمفرده.

لا عجب، إذن، أن يحقق فيلم «نكرة» إيرادات كبيرة في شباك التذاكر، معظمها من جمهور من الذكور، الذين تخنقهم رتابة الحياة اليومية الحديثة، خاصة خلال عامي الكوفيد والحظر المفروض على معظم النشاطات، وهم يحنون لزمن كانوا يمارسون فيه «رجولتهم» بطبيعية في الغابات وميادين الحروب وساحات الرياضة ومعارك المراهقين على النواصي، ولا مانع أن يستغل الفيلم ظاهرة انتشار الجريمة والعنف في الولايات المتحدة وغيرها، وظاهرة مراكز القوى الذين لا تستطيع ذراع القانون أن تصل إليهم، ليشبع كل هذه الرغبات والأمنيات من خلال «قصة خيالية» يقوم خلالها مواطن يعتقد الناس أنه أقل من العادي ببطولات جبارة، حتى لو كانت في حقيقتها خيالات وبطولات «طفولية» تنتمي لعالم «الكوميكس» والأبطال الخارقين أكثر مما تنتمي للعالم الحقيقي.



في نهاية الأمر، فإن «نكرة» مجرد حلم، أو فيلم، تقوم فيه الصور بتحقيق رغبة مكبوتة للمشاهد، ربما لن تتحقق في الواقع أبداً، ولكنها تتحقق من خلال الأفلام.