الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«العارف».. سينما أمريكية صُنعت في مصر

أول ما يتبادر إلى الذهن وأنت تشاهد فيلم «العارف» هو مقارنته بأفلام الأكشن الأمريكية الضخمة، خاصة تلك السلاسل التي تمزج بين المعارك والمطاردات والحرب التكنولوجية والجاسوسية، من «جيمس بوند» إلى «مهمة مستحيلة». وليس في هذه المقارنة أي تعسف أو ظلم لأن هذا بوضوح قصد صناع فيلم «العارف»: أن يصنعوا «أسطورة شعبية وطنية» على غرار السينما الأمريكية.

من ناحية النتيجة يمكن أن نقول إنهم نجحوا بالفعل في مهمتهم. فالفيلم متقن الصنع، يحتوي على معظم عناصر الإبهار المعتادة: بطل جذاب يعطي انطباعاً بأنه قادر على هزيمة أعنف رجال العصابات المدججين بالسلاح كما لو كان في لعبة فيديو جيم على طريقة كيانو ريفز في سلسلة أفلام «الماتريكس»، وعلى القفز من ناطحات السحاب كما لو كان «سبايدرمان»، وعلى فهم واستخدام أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا التجسس كما لو كان توم كروز، وهو فوق ذلك أنيق وهادئ وجذاب للنساء كما لو كان جيمس بوند.

بجانب البطل هناك التنفيذ الجيد للمعارك والمؤثرات الخاصة، انفجارات وحرائق وألعاب بهلوانية ومطاردات بالسيارات والطائرات، وهناك أيضاً شخصية الشرير الذي لا يقل كفاءة وعبقرية عن البطل، باستثناء أنه مخيف ومنفر على عكس البطل الباسم الحبوب. وهناك الفتاة الخارقة، الجميلة التي تجيد القتال وتفهم في التكنولوجيا، والتي، على طريقة «جيمس بوند» و«مهمة مستحيلة»، تتمتع بغموض والتباس مريب، حيث لا يعرف البطل ولا الجمهور طبيعة انتمائها وولائها لفترة طويلة من الفيلم.

يضاف إلى ذلك لمسة «عائلية» من بعض أفلام الأكشن الأمريكية الأخرى، حيث يعاني البطل من مشاكل عائلية بسبب عمله السري العنيف، فهو لديه زوجة تشكو ابتعاده ومنفصلة عنه، وابنة يعشقها لا يجد الوقت الكافي ليقضيه بصحبتها، والاثنتان يصل إليهما رزاز معارك البطل، فتكادان تلقى مصرعهما أكثر من مرة. وفوق ذلك هناك «ثأر عائلي» مع الشرير، الذي حاول أن يقتل البطل وعائلته مرة، غير أنهم نجوا بمعجزة ولكن الجد والجدة راحا ضحية الانفجار.

بجانب القصة والإخراج اللذين يسيران على النهج الأمريكي، هناك استخدام إنتاجي موفق للنجوم: أحمد عز، أحمد فهمي، محمود حميدة، مصطفى خاطر، محمد ممدوح، بجانب اللبنانية كارمن بصيبص والأردنية ركين سعد، وتصوير في عدة مدن أجنبية، ذات طبيعة خلابة، وشوارع تصلح لتنفيذ المعارك. ويبذل المخرج أحمد علاء ومدير التصوير أحمد المرسي جهداً كبيراً لتوظيف كل ذلك في عمل مشوّق جيد الصورة ومتزن الإيقاع.

يروي «العارف» قصته على لسان البطل يونس (أحمد عز) الذي كان قرصاناً "hacker" يستغل موهبته في فهم الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات للسطو على البنوك، ولكن الأجهزة الأمنية تمسك به، ويقوم مديرها الضابط مراد (محمود حميدة) في إقناعه بالعمل لصالح الوطن. بعد سنوات من العمل تنتهي بمحاولة قتله وأسرته والقضاء على الإرهابي الخطير راضي (أحمد فهمي)، يعتزل يونس ويحاول التفرغ لتربية ابنته الوحيدة، لكنهم يأتون به مرة أخرى ويتبين أن راضي لم يزل حياً، وتدور معارك ذهنية تكنولوجية وبدنية بالجسد والأسلحة المختلفة بين الاثنين.

لا شيء جديد في «العارف». كلها شخصيات وحكايات وحبكات ومشاهد أكشن سبق أن شاهدناها من قبل، وبشكل أفضل. لكن الفكرة أنك تشاهد هذا في فيلم مصري، كما لو أن القائمين على الفيلم يريدون أن يقولوا: نحن أيضاً نستطيع أن نفعل ذلك.

حسناً، هذا شيء جيد، ولكن أسطورة البطل الخارق الذي يجيد كل شيء ويستطيع أن ينقذ العالم بمفرده هي فكرة أمريكية نابعة من ثقافة تؤمن بأن الفرد هو الأصل والمنتهى، ومن إيمان له ما يبرره في الواقع، بأن أمريكا أقوى بلد في العالم، وأنها شريك أساسي في صناعة الحضارة الحديثة من علوم وتكنولوجيا وفنون وإعلام إلى آخره.

عندما نجد بطلاً أمريكياً عبقرياً في تكنولوجيا المعلومات فنحن نصدق ذلك لأنه ليس حالة استثنائية، وعندما نجد شخصاً أمريكياً تم تدريبه لكي يصبح ماكينة قتل، يهزم عشرات الأفراد المدججين بالسلاح بقبضة يده، فنحن نعلم أنها مبالغات تعبّر عن حلم أمريكي بمستقبل يتحول فيه الإنسان إلى سوبرمان، هذا الحلم الذي يتغذى عليه الأفراد يومياً ليعملوا ويبدعوا ويصنعوا أحلامهم الخاصة.

يبدو «العارف» في نهاية المطاف كما لو كان «حلماً مسروقاً»، عن شخصية «مسروقة»، تدخل صراعاً ومعارك «مسروقة» من أفلام أجنبية تدور في عالم لا يشبه الأصل إلا في القشور: بعض أجهزة اللاب توب وبعض المعلومات المتداولة على الإنترنت وبعض المواقع والملابس والمؤثرات التي تسعى لإبهار العيون، ولكن يصعب جداً أن تصل إلى إقناع العقول!