الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

«موت على النيل».. لغز دون تشويق ومصر دون مصريين!

بعد تأجيلات عدة بسبب جائحة كورونا نزل أخيراً إلى دور العرض السينمائي فيلم (موت على النيل) Death on the Nile إخراج وبطولة البريطاني كينيث براناه، ليحتل المركز الأول في شباك التذاكر خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية بإيرادات وصلت إلى 12.8 مليون دولار في أمريكا (خلال ثلاثة أيام من 11 إلى 13 فبراير)، و22.7مليون خارج أمريكا (من 9 إلى 13 فبراير)، بإجمالي 33.5 مليون عالمياً.. هذه الإيرادات تعتبر طيبة جداً نظراً لوضع الجائحة المستمر وسوء الحظ الذي يلاحق الفيلم الذي تكلف إنتاجه 90 مليون جنيه.



(موت على النيل) هو ثاني أعمال كينيث براناه المأخوذة عن روايات أستاذة الأدب البوليسي والتشويق أجاثا كريستي، ضمن مشروع ممتد لتحويل أعمال كريستي إلى أفلام حديثة، بالرغم من أن معظمها تحول بالفعل إلى أفلام ومسلسلات، ومنها (موت على النيل) التي تحولت لفيلم قديم شهير في 1978 شارك فيه عدد من كبار نجوم ونجمات هوليوود. وبالرغم من أن أعمال أجاثا كريستي (1890- 1976) لم تعد تجذب جمهور اليوم كما كانت تفعل خلال القرن الماضي، خاصة أن قصصها تعتمد على لغز (من القاتل) الذي يفقد تشويقه بعد القراءة الأولى.

يراهن كينيث براناه على أن جمهور اليوم مستعد لمشاهدة قصة عن لغز يعرف حله مسبقاً، وعلى مواقف تعتمد على الحوار أكثر مما تعتمد على المطاردات والأكشن، وحسب الإحصائيات التي تتعلق بفيلمه السابق المأخوذ عن كريستي «جريمة في قطار الشرق السريع» (2017) فإن معظم إيراداته جاءت من جمهور فوق الخمسين، الذي سيتردد كثيراً قبل أن يغادر منزله ويذهب للسينما الآن.. وكل هذه الحقائق تعني أن الإيرادات التي حققها الفيلم خلال الأيام الأولى من عرضه تعد مفاجأة بكل المقاييس.

"موت على النيل" عمل ضخم إنتاجياً، يعتمد (مثل كثير من الأفلام المقتبسة عن كريستي) على فريق ممثلين من النجوم، ولكن الأكبر من النجوم هنا هو المؤثرات الخاصة التي لعبت الدور الرئيسي في تجسيد أحداث الرواية المكتوبة في 1937، والتي تدور أحداثها قبل سنوات من هذا التاريخ في مصر.

لأسباب معقدة لم يستطع فريق عمل الفيلم تصويره في مصر، ولا حتى المغرب التي أصبحت بديلاً لمصر وبلاد أخرى في العديد من الأفلام، وكان التحدي الحقيقي هو كيف تصنع فيلماً يدور وسط الأماكن الطبيعية السياحية في مصر دون أن تذهب إلى مصر؟! وقد اعتمد صناع الفيلم على الديكورات الضخمة أحياناً وعلى لقطات وثائقية يتم مزجها بالمشاهد التمثيلية في أحيان أخرى، والنتيجة أن مصر ثلاثينيات القرن الماضي بأهراماتها ومعابدها وفنادقها العريقة تظهر في الفيلم بوضوح، بالرغم من أن العين المدققة يمكن أن تدرك «الأخطاء» المتناثرة هنا وهناك.



ما لم تنجح فيه المؤثرات الخاصة هو أن المصريين أنفسهم لا وجود لهم لا في الرواية ولا في الفيلم! كينيث براناه بذل مجهوداً كبيراً في تخليص الرواية الأصلية من «بياضها» الناصع، فأجاثا كريستي كانت تكتب عن مجتمع الأوروبيين البيض بشكل أساسي، والألوان والجنسيات الأخرى لا تظهر إلا عابراً «كومبارس» صامت، ولكن براناه حول بعض الشخصيات إلى أفارقة وآسيويين ولاتينيين (ربما ليواكب موجة الصوابية السياسية السائدة الآن) ومع ذلك لم يفكر في إضافة شخصية مصري واحد، وربما كان الأمر ليختلف لو أن الفيلم صور في مصر!

أضاف براناه أيضاً بعض الخطوط الدرامية والأحداث غير الموجودة بالرواية.. يبدأ الفيلم بمشهد طويل (لقطة واحدة) بالأبيض والأسود للحرب العالمية الأولى يظهر فيه التحري هيركيول بوارو، بطل روايات أجاثا كريستي، وهو لم يزل جندياً، يستطيع أن ينقذ كتيبته من موت محقق بفضل ذكائه وملاحظته الدقيقة للتفاصيل، ولكنه يصاب ويتعرض لتشوه وجهه مما يجعله يطلق هذا الشارب الكثيف الذي اشتهر به فيما بعد!

براناه أضاف كذلك بعض مشاهد الأكشن الجيدة في الجزء الأخير من الفيلم، ولكنه لم ينجح في ملء فراغ وبطء النصف الأول، فمن بين زمن عرض الفيلم الذي يصل لساعتين، هناك ساعة كاملة تمر قبل أن تحدث الجريمة الأولى، وهي مدة طويلة جداً بالنسبة لفيلم تشويق بوليسي.