الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

فيروز.. سفيرة لبنان إلى العالم ورمز وحدته وقت الانقسامات والحروب

فيروز التي يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته إلى بيروت بلقاء معها الاثنين، هي سفيرة الفن اللبناني إلى العالم التي يلتقي اللبنانيون من كل الطوائف والانتماءات السياسية حول صوتها وأغانيها.

ورغم ابتعادها كلياً عن الأضواء منذ سنوات وتوقّفها عن إحياء حفلات، لا يزال صوت فيروز الاستثنائي، باعتراف خبراء عالميين، يرافق ملايين الأشخاص عبر العالم، هي التي غنّت للحب والوطن والحرية والقيم.





تجاوزت شهرة فيروز، المرأة النحيلة البنية والباردة الملامح، واسمها الحقيقي نهاد حداد، حدود البلد الصغير، وجذبت معجبين من كل أنحاء العالم. وتعدّ من آخر جيل الكبار في العصر الذهبي للموسيقى العربية في القرن الـ20.

في لبنان، رفضت فيروز أن تُجرّ إلى خصومات سياسية أو دينية لا سيما خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، وتصدّرت أغنياتها الإذاعات المتناحرة على جانبي خطوط القتال.





الفن.. عبادة

في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» في مايو 1999، قالت بعد حفلة أحيتها في مدينة لاس فيغاس رداً على سؤال حول جديتها المفرطة على المسرح، «إذا نظرتم إلى وجهي عندما أغني، سترون وكأنني غير موجودة».

وتابعت «أرى الفن نوعاً من العبادة رغم أنني لست موجودة في كنيسة، لكنني أشعر كما لو أنني فيها، وفي هذه الأجواء لا يمكنني الضحك».





وكانت باستمرار شبه جامدة على المسرح، فيما حركة واحدة أو ابتسامة خجولة منها كفيلة بإشعال حماسة جمهورها.

ولدت فيروز في قرية الدبية في منطقة الشوف الجبلية في 21 نوفمبر 1934، لوالد يعمل في مطبعة ووالدة اهتمت برعاية الأسرة المكونة من 4 أولاد. وانتقلت العائلة في وقت لاحق للإقامة في حي زقاق البلاط في بيروت.

في نهاية الأربعينيات، اكتشف المؤلف الموسيقي محمد فيلفل الذي كان يبحث عن أصوات جميلة للانضمام إلى كورس الإذاعة اللبنانية، موهبة فيروز. وضمّها إلى الكونسرفاتوار لتتعلّم أصول الموسيقى والغناء.

وأُعجب المدير الموسيقي للإذاعة آنذاك حليم الرومي بجمال صوتها واقترح عليها اسمها الفني فيروز.





خفيفة الظل

في كواليس الإذاعة، تعرّفت فيروز على عاصي ومنصور الرحباني، المؤلفين الموسيقيين اللذين عرفا في وقت لاحق، خصوصاً معها، شهرة واسعة، وارتبط فنهما بشكل جذري بلبنان، فبات جزءاً لا يتجزأ من تراثه.

وتعاونت فيروز مع الأخوين رحباني اعتباراً من مطلع الخمسينيات. وأثمر ذلك مجموعة واسعة من الأعمال الغنائية والمسرحية والأفلام السينمائية التي جمعت بين الألحان الشرقية والفولكلور اللبناني والأنغام الغربية. ويحافظ عدد كبير منها على نضارته رغم مرور الزمن.

وغنّت فيروز لشعراء كبار، من الأخطل الصغير إلى سعيد عقل الذي لقبها بـ«سفيرة لبنان إلى النجوم»، مروراً بجبران خليل جبران وإلياس أبو شبكة. كما لحّن لها عبدالوهاب وفيلمون وهبة وزكي ناصيف.





علامة فارقة

وشكلت مع الأخوين الرحباني علامة فارقة في مهرجانات بعلبك الشهيرة ولُقبت بـ«عمود بعلبك السابع».

في منتصف الخمسينيات، تزوجت فيروز من عاصي الرحباني وأنجبا 4 أولاد، هم زياد، وليال التي توفيت عام 1987 بعد سنة من وفاة والدها، وهلي وريما.

ويقول مقربون منها إنها مرّت بمآسٍ كثيرة على الصعيد الشخصي، من وفاة ابنتها إلى إعاقة نجلها هلي، لكنها حافظت على خفّة ظلها في مجالسها الخاصة والعائلية.





وتقول الصحفية ضحى شمس التي عملت معها لفترة طويلة «في الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن الصورة الباردة التي تعكسها على المسرح. هي مضحكة جداً متى أرادت».





حماية الخصوصية

رغم شهرتها الواسعة، حرصت فيروز دائماً على حماية خصوصيتها العائلية. إلا أن ذلك لم يمنع الإعلام من تناول أخبار العائلة، وبينها خلافها مع زوجها عاصي في مرحلة معينة قبل مرضه، وبعد وفاته، خلافها مع عائلة منصور الرحباني حول حقوق الملكية الفنية، والخلافات حول توجهها الفني بين ولديها زياد وريما.

وكانت فيروز تعاونت مع زياد منذ الثمانينيات. في عام 1991، غنّت له «كيفك إنت؟» ضمن أسطوانة أثارت جدلاً بين من يحبون زياد الرحباني والتجديد في مسيرة فيروز والرافضين لذلك. وحقّّق الإصدار نجاحاً كبيراً.





دعم وطني

على مدى عقود، شكّلت أغاني فيروز صلة وصل بين اللبنانيين. خلال الحرب الأهلية، رفضت الغناء في لبنان لتجنّب أن تُحسب على منطقة دون أخرى، فيما بلدها ساحة صراع بين قوى طائفية مدعومة من قوى خارجية.

لكنها نظمت حفلات في الخارج مثيرة الحنين والتأثر في نفوس اللبنانيين الفارين إلى عواصم العالم مع أغانٍ مثل «بحبك يا لبنان» و«ردني إلى بلادي» و«لبيروت» التي ترافق منذ 4 أغسطس، تاريخ وقوع الانفجار المروع في العاصمة، مقاطع فيديو عن الكارثة تبثها محطات التلفزة المحلية.





أوسمة

وغنّت فيروز أجمل ما قيل عن القدس، فكانت «زهرة المدائن» و«سنرجع يوماً». ونقل إليها نائبان عربيان مفتاح المدينة عام 1968. كما غنّت لدمشق ومكة وسواها، وللأوطان والثورات والشعوب.

قلّدها ملك الأردن الراحل حسين 3 أوسمة. وتبث الإذاعات في سوريا والأردن وسواها من الدول العربية أغانيها بكثافة حتى اليوم.

ورغم تحفّظها الشديد، أثارت جدلاً في 2008 عندما غنت في دمشق بعد 3 سنوات من انسحاب القوات السورية من لبنان تحت ضغط الشارع الذي وجّه أصابع الاتهام آنذاك إلى سوريا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

كان آخر ظهور لها في أبريل مع تفشي فيروس كورونا المستجد، في مقطع مصوّر قرأت فيه مقاطع من سفر المزامير في الكتاب المقدس، استهلته بـ«يا ربّ، لماذا تقف بعيداً، لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟».