الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

«الظاهرة» علي حميدة.. لماذا لم يتمكن من إحراز «الخطوة الثانية» بعد «لولاكي»؟

«الظاهرة» علي حميدة.. لماذا لم يتمكن من إحراز «الخطوة الثانية» بعد «لولاكي»؟

«من رحم المعاناة.. يولد الأمل».. هذا ما ينطبق على فنان البادية «علي حميدة» الذي لقب بـ«الظاهرة» في فترة أواخر الثمانينيات، بعد تحقيق نجاح ساحق لم يصل إليه أي فنان مبتدئ من قبل، وذلك بعد تقديمه أغنية «لولاكي» صاحبة الأرقام المليونية والتي كانت متفردة حينها في سماء عالم الغناء المصري والعربي.

لم يأتِ نجاح «لولاكي» في أول تجربة لحميدة، بينما أتى بعد محاولات عديدة في إثبات حبه وشغفه للغناء، وبعد معاناة لعدة سنوات، منذ رحيله من محافظته الأم «مرسى مطروح» إلى «القاهرة» لاستكمال دراسته بعد إتمام مرحلة الثانوية العامة.



بداية علي حميدة:



كان الشاب الصغير قادماً من محافظة مرسى مطروح إلى القاهرة «أصل الفنون» مليئاً بالحيوية والنشاط والمثابرة، مقتنعاً أن لديه موهبة تمكنه من تحطيم أي حواجز أو عوائق تقف في طريقه، ورغم أن أهله في المحافظة البعيدة كانوا يعلمون أن ابنهم في القاهرة لدراسة «التربية» ليصبح معلماً، إلا أنه سلك طريقاً آخر، والتحق بالمعهد العالي للموسيقى العربية، بجانب دراسته في معهد إعداد المعلمين.

كان «العود» الصديق المفضل للشاب الصغير، والذي تخصص فيه فيما بعد، ثم أصبح الأول على دفعته، وعُين معيداً ثم مدرساً مساعداً ثم مدرساً في معهد الموسيقى العربية، وظل يعمل دكتوراً في المعهد لفترة طويلة من الوقت، فقد تعلم على يده تلاميذ يفوقونه في الشهرة، من بينهم «المطربة وردة، المطرب محمد الحلو، الملحن سامي الحفناوي، وغيرهم».



نجاح بعد فشل



اعتمد فنان البادية علي حميدة في الإذاعة المصرية كمطرب، وبالفعل قدم أول ألبوم غنائي له في بداية الثمانينيات، ولكن التجربة كللت بالفشل ولم يكتب لها النجاح نهائياً.

كانت حينها معاناة الفنان علي حميدة تزيد، حيث إن أسرته لم تعلم عن عمله شيئاً ولا أين موقعه في القاهرة حتى لا يعرفوا الحقيقة، ولم يحصل على الأموال من أي جهة، فظل يتسكع في شوارع محافظة الجيزة التي يأخذ منها منزلاً صغيراً له ينام فيه نهاية اليوم، وقال عن هذا الأمر في أحد لقاءاته التلفزيونية من قبل: «أتوسد هدومي.. وأحضن عودي».



حكاية «لولاكي» صاحبة الـ80 مليون نسخة



أغنية «لولاكي» الشهيرة في الحقيقة هي البداية والنهاية للفنان البدوي، على الرغم مما حققته من نجاح ساحق، إلا أن حميدة لم يتمكن من إحراز الهدف الثاني بعدها، وكانت هي «شهادة الموت» للفنان المبتدئ.

دق علي حميدة أبواب شركات إنتاج كثيرة بعد فشل ألبومه الأول، إلا أن جميع الأبواب أغلقت في وجهه، ولم يجد أمامه سوى «تلميذه» الملحن سامي الحفناوي، الذي كان معجباً بصوت معلمه ويتنبأ له بمستقبل واعد في مجال الغناء، وبالفعل قدمه إلى المنتج هاشم يوسف الذي كان متحمساً لتقديم الأصوات الجديدة، لكنه لم يكن يتخذ أي قرار من دون الرجوع إلى مستشاره الفني «حميد الشاعري».

عند مقابلة «الشاعري وحميدة» الأولى، وجد فيه فناناً مدفوناً حاول أن يقدمه بشكل مختلف، ومن هنا جاءت فكرة «لولاكي» التي حينها أطلق عليها «موسيقى الجيل»، وعلى عكس ما يعتقد الكثير، فإن الأغنية الشهيرة هي كانت وطنية في البداية، حيث تقول كلماتها: «لولاكي يا مصر ما غنيت ولا حبيت ولا دقيت على إيدي تلت وشمات، لولاكي ما غنيت، ولا هزت الأنغام كياني، لولاكي ما مشيت خطوة ولا رديت مكاني».

بعد سماع حميدة لكلمات الأغنية، طلب أن يجري بعد التغيرات فيها، ولكن تظل كلمة «لولاكي» كما هي، على أن تكون أغنية عاطفية أفضل من وطنية، لتحقق نجاحاً أسرع، نظراً لأن الأغاني الوطنية كانت حينها مرتبطة بالمناسبات والأحداث فقط.

كما أن علي حميدة، شعر أن كلمات الأغنية، يمكن أن تعبر عن الحب بشكل عام، سواء كان لمصر أو حبيبة أو صديقة أو أخت أو أم، ولم يكن اسم الألبوم سيحمل اسم الأغنية، لكن سمعها المتخصصون وقرروا أن تكون اسمه نظراً لاختلافها.

بعد طرح الأغنية بـ«3 ساعات» حققت نجاحاً ليس له مثيل، وتم تقديمها بـ6 لغات مختلفة حول العالم، ليفاجأ حميدة بما حققته أغنية «لولاكي»، فقد حققت في أول أسابيع 6 ملايين جنيه داخل مصر فقط، وتم توزيع 80 مليون نسخة منها، ولكن بسبب بخل المنتج لم يتقاضَ عليها سوى «20 ألف جنيه» فقط وعلى دفعات.

بعد حصوله على هذا المبلغ الذي كان ضخماً حينها ولكنه جزء ضئيل مما تقاضاه المنتج، اشترى حميدة شقة على نهر النيل وأخرى في محافظته مرسى مطروح لتكون استراحة لأهل مدينته، بالإضافة إلى شراء 3 سيارات خاصة.



«لولاكي» شهادة وفاة علي حميدة



رغم نجاح الأغنية الأكثر مبيعاً في مصر والوطن العربي حتى اليوم، إلا أنها كانت بمثابة شهادة الوفاة للظاهرة علي حميدة كما كان يلقب حينها، حيث فوجئ بمطالبات مالية كبيرة جداً من مصلحة الضرائب، نظراً لانتشار الأغنية وتحقيقها مبيعات هائلة في مصر وخارج مصر، لأن المصلحة اعتبرت هذه الأموال تصب في ماله الخاص وليس الشركة، وبالتالي حجزت عليه عام 1994، وطالبته بدفع 13 مليون جنيه.

حينها قدم حميدة، شقته وسياراته إلى مصلحة الضرائب، لتجنب حبسه، وقام بسداد الضرائب وعاش فترة عصيبة مليئة بالشائعات والمشاكل والفقر، لأنه لم يكن يمتلك أي شيء، بعدما تحصلت الضرائب على كل ممتلكاته.

بعدها حاول حميدة أن يعود للفن والغناء مرة أخرى، لكن كل محاولاته باءت بالفشل، لأن مقاييس النجاح تغيرت ولم يستطع أن يواكب الأحداث والتغييرات السريعة التي تجري من حوله، فلم يحصل على الأغنية الثانية التي تكلل نجاحه وتكمل مسيرته المتعثرة في الفن.

وفي يوم الخميس الماضي، رحل عن عالمنا علي حميدة عن عمر يناهز 73 عاماً، بعد صراع مع مرض السرطان، الذي كان انتشر وتوغل في أغلب أجهزة جسده، وبقيت «لولاكي لولا لولا».