الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

الغزو التكنولوجي.. وتحدي الهوية

الغزو التكنولوجي.. وتحدي الهوية

الغزو التكنولوجي.. وتحدي الهوية

علاء الدين عشور مشارك في برنامج القيادات الإعلامية العربية ـ الجزائر

أدى التطور التكنولوجي الرهيب والمتسارع إلى بروز إشكالات عدة على مستويات وجهات مختلفة، وأظن أن أهم المشكلات التي نعيشها اليوم في ظل هذا الغزو هي الهوية بكل أنواعها سواء الشخصية، أو الوطنية، أو القومية.

العديد من الباحثين والعلماء ركزوا على جهتين متلازمتين هما العولمة والهوية، وهذا لما ينتج عنهما من تغييرات جذرية داخل المنظومة المجتمعية.


يمكن للفرد أن ينتمي على مدار حياته إلى عدة هويات اجتماعية، انطلاقاً من تغيُّر قناعاته وظروفه، فبإمكانه أن يغير دينه أو جنسيته أو حتى اللغة التي يتكلم بها، أو توجهه السياسي، لذلك فالفرد لا يكون «هو» دائماً في كل الحالات والمواقف.


ومن هنا كان لزاماً أن نعترف بصعوبة إمساك كل الخيوط التي نُسج منها هذا المفهوم، الذي يرى الكثير من الباحثين أنه مفهوم معقد من ناحية التناول النظري.

ومن بين التعريفات التي جاءت متناغمة مع ما سبق الإشارة إليه - من المرونة التي تصبغ مفهوم الهوية - نجد تعريف «تاغفل» الذي يرى أن: «الهوية هي التي تعكس ذلك الجزء من مفهوم الشخص عن ذاته، والذي يتأسس في ضوء معرفته المسبقة بانتمائه لعضوية جماعة (أو جماعات) معينة، وهو ما يقتضي تمسكه بالقيم والأعراف السائدة في إطارها».

يقودنا هذا التعريف للإشارة إلى أن الهوية مستويات؛ فهناك هوية شخصية، وهوية وطنية، وهوية قومية، وهوية دينية، دون أن يقودنا هذا التقسيم إلى الاعتقاد بانفصال هذه المستويات عن بعضها حتما على مستوى الفرد، فالمواطنون مثلاً في لبنان قد يختلفون في الدين، لكن لا ينزع منهم ذلك الحق في الهوية اللبنانية.

وحتماً، بقدر ما كانت الجماعة تحمل الهوية ذاتها على المستويات الثلاثة السابقة، كان ذلك عاملاً مساعداً على استقرارها وعدم طرحها لما يسمى بـ«أزمة الهوية».

إن فكرة أن العالم أصبح «قرية صغيرة» حسب ماكلوهان بفعل تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة، لم تعد كافية لتوصيف الواقع الاجتماعي، لأنّ العالم أصبح بمثابة عمارة ضخمة على حد تعبير ريتشارد بلاك.

وقيام مجتمعات افتراضية من خلال الشبكات الاجتماعية بهذه الأعداد المذهلة دون قيود، يدعونا إلى التساؤل حول الانعكاسات المحتملة على المشتركين فيها، أو بتعبير أصح «على أفراد هذه المجتمعات»، خصوصاً إذا عرفنا أن كل النشاطات المعروفة في المجتمعات التقليدية، يمكن القيام بها في هذه المجتمعات الافتراضية، بشكل أسرع، وفعالية أكبر.

ولقد وصل قلق البعض من هذا الواقع الجديد إلى توقع أن ينتهي زمن التنوع الثقافي، ومن ثم إعادة تشكيل هويات جديدة في ظل ثقافة غربية مهيمنة، هويات رقمية تفرز مزيجاً جديداً من السمات والتفاعلات والتمظهرات الفردية والجماعية في فضاء سيبراني لا حد له ولا قيد عليه.

ثم إن ما تتيحه هذه الشبكات من الدخول بشخصيات افتراضية، تدفع الفرد إلى تقمص ذات أو ذوات مثالية، أو «عالمثالية» كما سماها الباحث «سعد البازعي»، وهي هوية هجينة تجمع بين الثقافة المحلية من لغة ودين وموروث ثقافي وشعبي، وثقافة أجنبية بكل مكوناتها، وهذا ما يهدد في الأخير هوية الفرد الأصلية من خلال انتمائه للمجتمع الأصلي، ما يطرح في مرحلة ثانية تساؤلاً عن مدى شرعية انتمائه لهذا المجتمع التقليدي.

ونستطيع القول ختاماً، إنّنا لا ندعو لاعتزال التكنولوجيا، بل ندعو لاكتشاف حلول تساعد في الحفاظ على هويتنا وثقافتنا وديننا بدرجة أولى، والاستفادة مما تقدمه هذه المواقع في تطوير مجتمعاتنا.