الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الهوية العربية.. وقوة لغة الضاد

الهوية العربية.. وقوة لغة الضاد
لا شك أن الهوية الإنسانية ترتكز على مقومات حيوية متعددة، أهمها: اللغة المنطوقة والثقافة القومية والتاريخ المشترك، بالإضافة إلى الجغرافيا التي تحتضن كل هذه المقومات، والهوية العربية تمتلك مزايا متعددة ذات قيم متميزة في العادات المتوارثة والتقاليد وفن العمارة والفنون والآداب والموسيقى والمأكولات التراثية، بمعنى أنها تمتلك كافة مقومات ومزايا الهوية المتكاملة والشاملة، ولديها الخصوصية التي تبرزها ثقافياً عن بقية الهويات الإنسانية، وتجعلها مختلفة عن الهويات الأخرى، لكن هويتنا العربية تواجه، الأيام في فضاءاتها المتعددة والممتدة، هجوماً يرقى إلى مستوى الحرب، يعمل أصحابه بوعي لأجل إخراجنا أو القضاء علينا ما استطاعوا لذلك سبيلاً.

ففي العراق، مثلاً، تعاني الهوية العربية من أزمة التدخل الإيراني، ذلك أن أجندة الحرس الثوري تقتضي «تنهيج» الطائفية العنصرية بين الفئات المجتمعية العراقية كجدار عزل ثقافي يفصلهم عن هويتهم العربية، والمدهش أن من يسهم في ذلك عراقيون عرب، أو هكذا يدّعون، ولعل آخر تلك المشاهد يتجلى في تعليق صورة كبيرة لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني على جدران كبرى قاعات البرلمان العراقي، استعداداً لإحياء الذكرى السنوية لمقتله على يد القوات الأمريكية، وهذا الاستفزاز الثقافي يعكس مدى صورة الدلالة الصارخة لدى الذهنية الفارسية، وحرصها الثقافي على تغييب الهوية العربية في بلاد الرافدين.

صورة أخرى مماثلة في سوريا، فبعد احتلال القوات التركية لعدة مناطق من الشمال السوري لمحافظات حلب والرقة والحسكة خلال الحرب الأهلية، دشنت أنقرة سياسة التتريك في جغرافيا الشمال السوري عبر فرض اللغة التركية لدى الناشئة في المدارس الابتدائية، وتغيير أسماء المعالم الرسمية كحادثة تغيير مسمى الساحة الرئيسية في عفرين إلى ساحة كمال أتاتورك، إضافة إلى فرض اللغة التركية إلى جوار العربية في المؤسسات والمستشفيات والجامعات، وإقامة معاهد متخصصة لتعليم اللغة التركية، ولعل آخر تلك الاستفزازات الثقافية يكمن في رفع الأعلام التركية على المباني والإدارات الحكومية.


الهوية العربية عانت أيضاً من الانهزامية الثقافية عند بعض المثقفين العرب، الذين صدعوا منصاتنا الإعلامية بقيم الثقافة الغربية كقيمة حقوق الإنسان، التي قد تكون في أحيان كثيرة قضية حق، لكن يراد بها باطل، ولعل جائحة كورونا قد أبانت للعالم مدى غرق الهوية الغربية في غياهب المادية وشهوة المال أمام القيمة الإنسانية، والصراع الجنوني المُستَعِر، بين شركات الدواء، على جني الأرباح الفلكية من اللقاحات المطورة لكوفيد-19، يعكس مدى زيف مبادئ حقوق الإنسان في الغرب كما يرى الأستاذ رضوان السيد.


بينما نجد أن دولاً ذات هوية عربية كالمملكة العربية السعودية والإمارات وغيرهما قد برزت إنسانياً أمام العالم وبوجهها المشرق عندما منحت الإنسان أولويته على الاقتصاد والسياسة حتى نجحت في احتواء الجائحة، ثم توجت هذه الإنسانية بإعلانها عن توفير اللقاح بصورة مجانية وعادلة بين المواطنين والمقيمين.

بهذا الخصوص يقول الأستاذ سلمان الدوسري: «إن هذا النموذج الإنساني الفريد ربما يعيد صياغة وتعريف مبادئ حقوق الإنسان، التي طالما ارتبطت تاريخياً بمعطيات الهوية الغربية!».

بقيت الإشارة هنا إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي: إن اللغة تظل هي المكون الأساسي لأي هوية بشرية في العالم، فهي الانعكاس الفعلي للوعي القومي والفكر الثقافي، وهي الأداة الفعالة للتفكير الإبداعي والابتكاري.

وفي هذه الأيام، يشهد العالم عبر منظمة اليونيسكو احتفالية ثقافية عالمية مهمة، وهي الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية.. اللغة التي تمثل هويتنا القومية وعروبتنا التاريخية وقيمتنا الحضارية بين الشعوب الإنسانية الأخرى.. والتي قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقي:

إن الذي ملأ اللغات محاسناً

جعل الجمال وسره في الضاد.