الأربعاء - 01 مايو 2024
الأربعاء - 01 مايو 2024

التعليم العالي العربي.. فاقد الشيء لا يعطيه

التعليم العالي العربي.. فاقد الشيء لا يعطيه

التعليم العالي

بقلم: د. صلاح عبدالله العجلوني إعلامي وباحث - الأردن

يعد التعليم العالي استثماراً في رأس المال البشري المرتبطة مخرجاته برفد سوق العمل باحتياجاته ورفع مستويات التنمية في المجالات المختلفة، لا بل إن مخرجاته تشكل رافداً أساسياً لمن يرنو للنهضة والصعود، وفي السياق التاريخي العربي للفكرة، فإن البعثات العلمية التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا في بدايات القرن التاسع عشر شكّلت أساساً للنهضة المصرية الحديثة التي كانت ذروتها بين 1801 و1840.

إن المدقق في موازنات بعض الجامعات العريقة سيجد أنها تخطت عشرات المليارات، فجامعة هارفارد مثلاً وصلت موازنتها عام 2009 إلى 39.2 مليار دولار، ومن جهة أخرى فإن موازنة البحث العلمي الذي يعد آلية للتقدم عبر ما ينتجه من ابتكارات واختراعات تأخذ مخصصات هائلة من موازنات الدول المتقدمة، التي تعتبره من وسائل القوة والدفع باتجاه المنافسة الاقتصادية الشاملة على الساحة الدولية. إن السياق التالي للموضوع يوضح المستوى المتواضع الذي وصلت إليه حاضنات التعليم العالي العربي من جامعات ومعاهد، فكثير منها يشكو أوضاعاً مالية صعبة، وديوناً تثقل كاهلها، وبالكاد يستطيع بعضها تدبير المخصصات المالية لأساتذتها وموظفيها.


أما البحث العلمي، فهو بالنسبة إلى تلك الجامعات يكاد يكون شيئاً ثانوياً أو على الهامش، وما تخصصه وزارة التعليم العالي لا يقوى على التأسيس لمسيرة بحث علمي رصين قادر على الإنجاز، وتكاد موازنة وزارة الرياضة أو بعض المجالات الترفيهية الأخرى تفوقه بعشرات المرات.


وبالنسبة إلى ما ينجزه الأساتذة من أبحاث فهدفها الرئيس هو الترقية، وما يتبعها من درجة أكاديمية ومستتبعات مالية وحظوة اجتماعية، وحتى سنة التفرغ العلمي تستباح لمصلحة التطلعات المادية للأستاذ الجامعي من خلال التدريس في جامعة أخرى، كل ذلك مع تغاضينا عن السرقات العلمية في مجال الأبحاث أو استئجار من يقوم بكتابتها مقابل ثمن يدفع له.

الطامة الكبرى حينما تُضيق المساحة على الكفاءات، فالتعيين في بعض الجامعات يكون حكراً على أهل إقليم ما بعينه، وأحياناً يتم التعيين لحفظ التوازنات القبلية داخل الحرم الجامعي، حتى إن تعيين أستاذ جامعي من العشيرة (س) يحتم تعيين أستاذ جامعي من العشيرة (ص)، أما التدخلات الأمنية والحزبية فتكاد لا تخلو منها جامعة عربية إلا ما رحم ربي، وبتلك الآليات المهترئة فتح باب الهجرة على مصراعيه للكفاءات والأدمغة.

أما المناهج فنجد خططاً دراسية جاءت مغلفة ومستوردة، وفيها الكثير من الحشو الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، مع اعتماد التلقين وتغييب العقل وتضييق مساحات إبداء الرأي وتحفيز التفكير الحر المستقل، وكل ذلك مع تدخل الواسطة وعناصر الضغط المختلفة لتحديد الدرجة أو العلامة أحياناً.

وخلال العقود الثلاثة الأخيرة دخل رأس المال بقوة عبر الجامعات الخاصة، فغدت معادلة الربح والخسارة حاضرة في سوق التعليم العالي، ما أثر في نوعية وجودة المخرجات، أي أن التعليم العالي بات باباً من أبواب التكسب لجماعات رأس المال بعيداً عن أي اهتمام يتعلق بتحقيق تقدم علمي.

وفي سياق ما تقدم غدت الجامعات مصنعاً للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وباتت من الروافد الرئيسة في تزويد سوق العمل بأعداد هائلة من الخريجين غير المؤهلين لا سيما في مجال التخصصات الإنسانية، فارتفعت بذلك أرقام البطالة والفقر.

بالمحصلة يمكن القول: إن فاقد الشيء لا يعطيه، ذلك أن جامعات بهذه المواصفات لا يمكن أن تلعب دوراً في النهضة والتقدم بعد أن باتت عبئاً على الدول والمجتمعات وعلى التعليم العالي.