الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التحرر من الملذات.. إدراك من نكون

التحرر من الملذات.. إدراك من نكون
بقلم: ميثاء السبوسي روائية ـ الإمارات

نجري وراء منصب، أو وظيفة، أو شريك حياة، أو أبناء.. وهكذا تنقضي سنوات من العمر ونحن لاهثون وراء شيء لم يكن لنا نصيب منه.

نربط سعادتنا بحصولنا على الأمور السابقة الذكر، وإن لم يحدث ذلك نتذمر وتضيق علينا الدنيا، بل تُظْلم علينا ونراها من ثقب إبرة.


نتعلق بشخص ويكون محور حياتنا مبنياً عليه.. لا نشعر بالفرح والبهجة إلا إذا ارتبطت بابتسامة أساريره، كأن تربط الأم نجاحها بنجاح أبنائها وسعادتها بسعادتهم، متناسيةً تماماً أنهم أشخاص خلقوا مستقلين يرتبط وجودهم معها لأنهم أطفال وما إن ينبت لهم ريش حتى يطيروا كبقية العصافير.


الأم، والباحث عن وظيفة، والطامح لمنصب عالٍ، ورجل الأعمال، جميعهم لم يضعوا نصب أعينهم أنها نعم وهدايا وهبت من الخالق عز وجل وله كل الحق في استرجاعها، ولذلك عند فقدانها يصيبنا ألم نفسي وكسر قلب يضاهي الألم العضوي، لأنها وضعت في المكان الخطأ، فمحل الهدية في اليد وليس القلب، فالألم الناتج يساوي قوة التعلق وهذا ما يشعرنا بالفقد حقاً، فلو كان الألم محله اليد فسنتألم، ولكنه سيزول مع الوقت، سنشفى منه وسيتلاشى تدريجياً ويكون القلب مفرغاً تماماً لله وحده فقط.

إن الإدمان على السيارات الفارهة، أو استحواذ إلكترونيات جديدة أو رسائل من أشخاص بالاعتقاد أنهم مهمون في الحياة، وكأنه لا يبدأ اليوم إلا بعد حضورهم فيه، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي.. كل هذا وهْم يكشف أننا غير قادرين على التخلي عنه، ورغم علمنا بأنه مضر لنا، وقد يفسد علاقتنا بربنا وحياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، وينمي داخلنا صراعاً كبيراً بين ما نحن عليه وما يجب أن نكون عليه، ويكون الاستسلام هو الحل لنتفادى صعوبة الصراع، لنكتشف أن هذا الإدمان جاء لسد فراغ كبير نعيشه، وبالمختصر لم نجد البديل عنه، لتكون النتيجة النهائية هي: التعلق الشديد به.

نحن ننسى تماماً أننا وجدنا بنفخة من روح خالقها، والفراغ لا يملأه إلا القرب من رب العالمين، وعندما يغوص الإنسان في أعماق ملذات الدنيا وتأتيه مصيبة أو كارثة أو تحد، يضعف وينهار ولكن المراد منه هو العودة إلى الأصل واستجماع القوى والاستزادة منها بالقرب من الله، ويكون ذلك بالسجود والشعور بجمال روحانية الخالق والأمان والسكينة التي تفرغها فيك الصلاة، فكل عثرة المقصود منها رفع عائق آخر يحول بيننا وبين قربنا من الله.

ثم إننا بشر ونعلم بأننا غير كاملين وضعفاء أمام أهواء الدنيا وسنرتكب أخطاء، فلا نتوقع عالماً من المثالية، ونضع الآخرين في معيار غير واقعي، لذا يجب أدراك أن العالم في ذاته غير كامل، والسؤال هنا: هل نحن أول من تعرض للأذى؟ لا طبعاً.. وهذا الإدراك هو بداية مواجهة النفس بأن الحياة صعبة وليست هينة لينة، وأن البشر ارتكبوا على مر التاريخ الكثير من الجرائم وهي حقيقة محزنة، ولا يمكن تجنبها، ولكن إذا عدلنا من توقعاتنا وردود أفعالنا نستطيع تجنب الكثير من الدمار النفسي، بعد اعتمادنا وأملنا في الله، فهو العروة الوثقى الوحيدة التي لا تنكسر، وهذا سينقذنا من خيبات أمل كثيرة نحن في غنى عنها.

إنَّ تقمصنا هذا الاعتقاد والعمل به يعلمنا معنى التسامح ومنهجه وكيفية التعامل معه، فالتسامح هو من سجايا المؤمن فاستعدادنا للتسامح ينبع من إدراكنا لعيوبنا ونقصنا وأخطائنا اتجاه الآخرين، ومعرفتنا أن الله هو سيد الكون يغفر ذنوب عباده فنأمل بأن يغفر لنا ويصفح عن ذنوب ويعفو عن أخرى ويسامح لنيل الجنة، فمن نكون حتى لا نسامح الآخرين؟