الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

رحلة مع القدر.. غير مدفوعة مُسْبَقاً

رحلة مع القدر.. غير مدفوعة مُسْبَقاً
آية رائد حسن محللة استراتيجية وكاتبة ـ فلسطين

عيون لأجناس على اختلاف أعراقها تترقّب الفرج في مشهد عالمي غير مألوف، فلطالما كنا نحلم بالوحدة وشيء من الإنسانية على كوكب الأرض حتى ولو كانت مبطنة فلا نريد الطمع ثانية، إلا أن الأيام في تسلسلها لم يختلف ترتيبها في التقويم المعلق على الحائط، ولكننا كما يبدو لم نكترث كثيراً للشروط والأحكام، فقد اعتدنا كثيراً على مسارها المثالي.

فالصبح برأيي كان جديراً بتحية لاجئ يحضن تراب وطنه ويردد النشيد الوطني أمام علمه، تعمدتُ استخدام الأرض في التشبيه فهي لغة الانتماء الصامتة الأقرب إلى الوجدان دوماً.


لم تتباهَ الشمس يوماً بعطائها، بل كانت النعم ربما تنتظر منا بعضاً من التقدير لتجليها أمامنا بإبداع دون إلحاح، حيث النهار كان يأذن لنا بممارسة كل طقوس الحرية على اختلاف أعرافنا فلا يتأثر بضجرنا.. عادةً، قائمةُ المهام اليومية لا تفرض نفسها علينا هي بالأحرى تختبر فينا سرعة الإنجاز المحسوم بالقدر، بضجيج زحمة الطريق أو بفنجان قهوة ساخن من كشك بسيط قد نافسه جاره ليحتار رواده أمام وفرة تلك النعم.


يأتي علينا يوم يشغل المخزون الغذائي وعربات المؤن المكدسة عناوين الصحف الأولى، ولا نحتاج إلى قاعات أفراح فارهة لنتمم مراسيم الزواج، بل تنقلب موازين مجتمعاتنا ونثني على زوجين فرض الحجر على مراسيم زواجهما البساطة المفرطة كل الثناء.. لا أدري هل كنا نحتاج لكورونا لتنحرف عقولنا عن العرف والمعتاد؟.. ربما كانا محظوظين من كان لزواجهما في كورونا نصيب، ولا يعلم كلاهما كمية الزخرفة الاجتماعية التي ترفَّعا عنها.

كان لا بد من نقاش قرارات الحجر المنزلي والغرامات لمخالفيها مع زوجي، وكوننا نتناول الأخبار يومياً، كان علي أن أتنحى عن الجدية بعض الشيء وأواسي القلق الذي يترقب هدوءنا بالفكاهة، ونتناقش في بعض القصص الطريفة التي ولدتها القيود، فمنهم على سبيل المثال من استعصى عليه تحقيق العدل بين الزوجتين، وكُتب عليه الحجر مع واحدة فقط!.. كنت أقول في نفسي ربما كان بحاجة لكورونا ليعلم أن العدل في الدنيا مستحيل، ومنهم من تحقق حلم زوجته المنتظر سنوات عدة، واضطر للتخلي عن دور السلطان بمشاركتها في أمور البيت.

لقد شدني جواب زوجي وهو يتساءل:

ــ أين هو الحجر؟

ساد الصمت بيننا، وكأنني أتفرّس من كلماته مساحة مخضرمة من القوة، فتهيأ لي من عباراته تاريخ لم أعاصره، غير أنه استكمل بارتجال:

ــ بما أن الطحين والملح والسكر والزيت متوفر، فحجرك ملكي.

لم أكن أتوقع أن يُلخص نقاشنا بإجابة ختمتُ عندها الفصل الأول والأخير لمبادئ الحمد والشكر والعرفان، وتمنّيت لو أن برنامج «الاتجاه المعاكس» بيننا يقطعه فاصل إعلاني، فبعض الدقائق تقلب الموازين فعلاً.

أتوقع أنني نسيت أنه نشأ في بلاد محتلة كان منع التجول فيها دستور الحياة، فكيف لي أن أناقش من أرضعه الاحتلال قوة وإصراراً بحجر كهذا؟

تمنحنا كورونا روحانية توقد فينا فطرة الإيمان، فيأتي علينا الوقت لنحاسب جوارحنا، فنجد الضمير قد استأسد تارة وتارة تعود الروح لتحتويه، هو شيء من العتاب الأنيق اللطيف، نجد أنفسنا لا ننتظرأمام محطة وقود أو موقف سيارات أو محل تجاري بل نرقد على أخبار الصحف اليومية نقلب بين أحبارها لتجف، ونترك التعليق لكورونا، وننتهي بمشاهد حرب لا تسقط فيها قطرةُ دم واحدة ولا يُسمع فيها صوت رصاصة، لندرك أننا لسنا في حرب بل نحن في رحلة مع القدر غير مدفوعة مسبقاً.