الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

صناديق الكواسر.. واستراتيجية الممانعة

صناديق الكواسر.. واستراتيجية الممانعة
د. خالد رمضان تخصص في العلاقات الدولية الدبلوماسية ـ مصر

يبدو أن جائحة كورونا ستُعزِّز موقف الدول المدينة عند التفاوض على شروط السداد مع دائنيها، حيث ستجد تلك الدول المتعثرة نفسها مضطرة إلى التمسك بمواقفها، معتمدة على أن صندوق النقد الدولي سيكون حازماً للغاية في الضغط على الدائنين للحصول على خصومات وربما إعفاءات، وسيضع هذا الأمر صناديق الاستثمار التي تتطلع إلى اتخاذ موقف عدواني خلال أي محادثات مقبلة في مأزق حقيقي، في ظل اعتقاد بعض الدول المدينة بأن الوباء يمنحه مزيداً من النفوذ لإرجاء السداد.

يصنف مستثمرو «الصناديق الكواسر» على أنهم الأكثر عدوانية تجاه المدينين المتعثرين، إذ يسعون إلى الاستفادة من أزمات الديون من خلال العناد والتهديدات القانونية، والأخطر أنهم لا يتورعون عن افتراس البلدان الفقيرة، عبر شرائهم ديونها المتعثرة، ومن ثم يطلبون سدادها كاملة، حيث تلجأ تلك الصناديق إلى استرداد أموالها عبر شراء الديون المتعثرة بخصم معين، ثم رفض المشاركة في إعادة هيكلة عامة يتم خلالها شطب قيمة الدين، ومن ثم يبدؤون مقاضاة قانونية بهدف اقتناص قيمة سداد أعلى.


تعتمد الاستراتيجية الأساسية لتلك الصناديق على «الصمود والممانعة»، إذ ترفض إعادة هيكلة الديون السيادية، وتطالب بمبلغ الدين كاملاً، وغالباً ما يكون عدد الممانعين ضئيلاً، فتختار الدول المدينة في كثير من الأحيان التسديد لهم ببساطة، بدلاً من التعامل مع إزعاج المحاكم، وهكذا يبدو الأمر وكأنه لعبة كر وفر طويلة من النوع المكلف وغير المؤكد، لكنها استراتيجية صمود تحقق نتائج مبهرة، كما أن صناديق الكواسر تتخذ منهجاً أكثر عدائية ضد حكومات البلدان الفقيرة التي ليس لديها خبرة في التقاضي الدولي.


في بداية الألفية الجديدة، بدأ الاقتصاديون يتنبهون بشدة إلى أنشطة تلك الصناديق، بعدما فرض «إليوت أسوشييتس»، وهو صندوق استثماري مقره نيويورك، على دولة بيرو، أن تدفع مبلغ 55 مليون دولار، فاضطرت الدولة الواقعة غرب أمريكا الجنوبية للدفع رغبة منها في استعادة الاحترام والثقة، للاقتراض ثانية من أسواق رأس المال الدولية حيث قايضت سداد ديون الأقلية من حملة السندات المشاكسين مقابل الحصول على حياة هادئة في أسواق الائتمان الدولية.

اليونان تعد مثالاً آخر على النزعة العدوانية لصناديق الكواسر، إذ إنها عندما أعادت هيكلة ديونها في عام 2012، اختارت على مضض السداد لمجموعة صغيرة من سندات خارجية تجمعت في صناديق التحوط، بينما اختار آخرون القتال مثل الأرجنتين اعتماداً على عدم اليقين بالنتيجة، ومدى صعوبة إجبار دولة معينة على الدفع من خلال وسائل الضغط القانونية، إلا أن صندوق «إليوت مانجمنت» استطاع في عام 2016، اقتناص 2.4 مليار دولار من الأرجنتين، بعد معركة ماراثونية قانونية، ما ألهم كثيرين تقليده، لكن استمرار هذا النهج سيعقد بكل تأكيد أزمات الديون المستفحلة في الأسواق الناشئة، ما يهدد بكابوس طويل الأمد للمقرضين والمقترضين.

يدفع مسؤولو تلك الصناديق الاتهامات عنهم بممارسة التنمر على المدينين بأنهم يقومون بالتفاوض مع مقترضي أموال مستثمريهم، نيابة عن ملايين الأشخاص وآلاف المستشارين الماليين والمؤسسات، الذين عهدوا إليهم بأموالهم لاستثمارها، ويشدِّدون على أن مديري الأصول التقليديين ليسوا بالعنيدين أو رغبتهم في إشهار سلاح نزاع المحاكم مثل صندوق إليوت، إلا أنه من الواضح أن سلوك الممانعين ينطوي على فلسفة تضمن لهم الحصول على مقعد أمام المائدة، من دون أن يكون لديهم معرفة دقيقة بموعد تناول الطعام، وبالتالي فهم يقاتلون حتى آخر طلقة لاقتناص كل المائدة.