الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

حديث حول القرن الحالي

حديث حول القرن الحالي
عبدالله العولقي كاتب ـ السعودية

بعد مُضي عقدَين من القرن الحالي، يمكننا القول: إن هناك سمات متباينة وصفات حديثة قد بدأت تتشكَّل معالمها وتتضح أُطرها الأساسية في صورة التغيرات النوعية، التي تشهدها البشرية على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، تختلف جذرياً عمَّا عهدناه في القرن العشرين، وفي هذا المقال سنتطرق إلى بعض تلك التغيرات التي ربما ستسهم في رسم ملامح العقود المتبقية من القرن الحادي والعشرين.

الأمر الأول، يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، ومدى قدراتها الفعلية على قيادة العالم مستقبلاً، فالبعض يرى أن سياسة الانكفاء على الذات قد بدأت تسيطر على ذهنية قادة البيت الأبيض، ولا سيَّما في مناطق الصراع الملتهبة في الشرق الأوسط، على سبيل المثال: ليبيا وسوريا والعراق، حيث شهدت هذه الدول، تحديداً، شبه تنازل من الولايات المتحدة لخصومها التقليديين روسيا وإيران.


لهذا يؤكِّد بعض المُحلِّلين عن اتجاه العالم نحو تعدُّد القطبية، بالإضافة إلى أن هناك حديثاً ساخناً عن تشكُّل تكتلات دولية كمجموعة «البريكس»، والتي تمثل قوة صناعية وتنموية صاعدة تجمع كلاً من: الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وهذه المجموعة تُشكِّل ربع مساحة العالم من اليابسة و40% من سكان العالم، وتهدف إلى مواجهة واشنطن وخلق نظام عالمي جديد.


هناك تغير آخر مهم يتعلق بشركات التقنية العملاقة ذات الصلة بعالم الاتصالات، مثل: تويتر، وفيسبوك، وألفابيت (غوغل)، وأبل، ومايكروسوفت، وأمازون، بحيث أصبحت هذه الشركات تتصدر المشهد الاقتصادي والسياسي حول العالم.

وتأتي هذه التغيرات، نتيجةً لتغير مفاهيم الثراء في القرن الحالي عمَّا كانت معهودة عليه سابقاً، إذْ لم تعد الثروات العظمى تأتي فقط من كنوز الأرض كالذهب والفضة والنفط والغاز، بل أضحت تأتي من بوابة الثراء الأولى، وهي المجال التقني، ولهذا يتصدر مُلَّاك هذه الشركات قائمة أثرياء العالم، يُضاف إلى ذلك أمر ثانٍ وهو أن هذه الشركات التقنية قد بدأت تلعب أدواراً جسيمة في ميادين الانتخابات الحكومية والسياسة الدولية، ولهذا تم استدعاء بعض مُلَّاك هذه الشركات للاستجواب في جلسات الكونغرس الأمريكي، كما أعلن الرئيس دونالد ترامب، حظر التطبيق الصيني الشهير «تيك توك» تحصيناً للأمن القومي، وخشيةَ أن يلعب أدواراً حساسة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

الأمر الثالث، يتعلق بالمنظمات والهيئات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية وحلف الناتو، فهناك حديث طويل وجاد في الإعلام الغربي والعالمي حول تلك المُنظَّمات، حيث يطرح السؤال الآتي: هل هي بحاجة إلى إصلاح بنيوي وتطوير إداري، أم أن الضرورة تقتضي تأسيس منظمات بديلة بأُسس عصرية تتلاءم مع طبيعة القرن الحادي والعشرين؟ فالشعوب المكلومة مثلاً من الاعتداءات الجائرة، كالإرهاب الإسرائيلي في فلسطين أو الانقلاب الحوثي في صنعاء، لم يعد يعنيها خطابات شجب واستنكار الأمم المتحدة دون تقديم حلول ناجعة حقيقية، بالإضافة إلى فشل منظمة الصحة العالمية في التعامل مع جائحة كوفيد-19.

وأخيراً، هل ستشكِّل هذه التغيرات النوعية علامات بارزة في تاريخ القرن الحالي؟ وهل لديها القدرة الفعلية على تحديد الخطوط العريضة ورسمها، لفهم مؤشرات التنبؤ المستقبلي؟ أم أن سيرورة التاريخ وإعادة إنتاجه ستفرض تكرارها الزمني لما عهدناه في القرن العشرين؟