السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

التشريع والتكنولوجيا.. والمُشرع الإماراتي

التشريع والتكنولوجيا.. والمُشرع الإماراتي
ياسر محمد عطية الرئيس السابق بنيابة الاستئناف ـ أبوظبي

«يقصد بالقانون مجموعة القواعد المطبقة في مجتمع معين، في وقت معين، وتكون ملزمة للأفراد في المجتمع بما تملكه السلطة العامة فيه من عنصر الإجبار».

وتنطلق أهمية القانون من كونه حاجة أساسية لتنظيم سلوك الأفراد في المجتمع على نحو ملزم، وتنظيم العلاقات فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين السلطة العامة من جهة ثانية، وهو بالإضافة إلى ذلك حاجة لتنظيم العلاقات فيما بين الدول والجماعات، إذ إن مجموعة القواعد القانونية السائدة في دولة ما، هي التي تظهر مدى انسجام هذه الدولة مع المعايير الدولية أو بعدها عنها، فالنظام القانوني في الدولة يعكس استراتيجية الدولة، ويحدد برامجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعلنة لمجتمعها وللعالم من حولها.


ويربتط القانون بالعلوم الاجتماعية، ولعل أبرزها علم الاقتصاد إذ لا تخلو المؤلفات القانونية والاقتصادية من بيان العلاقة بينهما، لكن ما أُثيره اليوم هو علاقة القانون بالتطور العلمي، ولا سيّما فيما يتعلق بوسائل الاتصال والتواصل.


لقد شهد العالم تطوراً وتقدماً غير مسبوق في الآونة الأخيرة، وتطورت عجلة العلم بشكل سريع، وبدأ الإنسان بالاستفادة من هذا التقدم، وتطويعه لخدمة البشرية جمعاء، وظهر العديد من الاكتشافات، والاختراعات الحديثة، في جميع مناحي الحياة، حيث عملت على جعل الحياة أسهل، وإنجاز الأعمال بشكل أسرع، وبجودة عالية، ودقة لامتناهية وعمل التطور العلمي على تطوير وسائل الاتصال والتواصل بين الناس، وظهر العديد من الأجهزة الحديثة، والتي جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة، وتمكنت من تقريب البعيد، وجعلت من المستحيل ممكناً، وأصبحت طرق التواصل بين الناس أسرع، وأسهل، وتمكنت من إلغاء المسافات الواصلة بين الأشخاص، وأتاحت فرصة التواصل بالصوت والصورة رغم المسافات، والهدف من التقدم العلمي هو التقليل من الأمور الصعبة التي يتعرض لها الناس، وتأمين حياة آمنة ومريحة عبر متصفحات الإنترنت، والبريد الإلكتروني، وغيرها من التطبيقات لعمل نقلة نوعية في حياتنا، ومن صور استخدام ذلك: التقدم في مجال الاتصالات الحكومة الإلكترونية، وهو نظام تتبناه الحكومات باستخدام الشبكة العنكبوتية العالمية في ربط مؤسساتها بعضها ببعض، وربط مختلف خدماتها بالمؤسسات الخاصة والجمهور.

وأحد صور الحكومة الإلكترونية التقاضي الإلكتروني، وهو نظام يهدف إلى تطبيق إجراءات التقاضي للفصل في الدعاوى، بدءاً من رفع الدعوى وصدور الحكم وتنفيذه بطرق غير تقليدية، أي بوساطة استخدام وسائل الاتصال الحديثة لمواكبة حالة التطور التقني المعلوماتي، وذلك من خلال تطويع وتوظيف القواعد العامة للعمل بتلك الوسائل التقنية المعلوماتية، وهدفه توفير الوقت والجهد والنفقات لكل دعوى وتجاوز أمد الفصل فيها.

لكن التشريعات التقليدية لا تسمح بذلك وكان لا بد من التدخل التشريعي، وقد فطن المُشرع الإماراتي للحاجة للتعديل في وقت مبكر بالنسبة للمنطقة العربية، فأجرى حزمة من التعديلات سمحت باستخدام وسائل الاتصال الحديثة في القضاء، وذلك من خلال التعديلات التي تمت على قانون الإجراءات المدنية من خلال المرسوم بقانون اتحادي رقم (10) لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1992، وقرار مجلس الوزراء رقم (57) لسنة 2018 في شأن اللائحة التنظيمية للقانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1992 بشأن قانون الإجراءات المدنية، والقرار الوزاري رقم 260 لسنة 2019 الصادر بتاريخ 27-3-2019. في شأن الدليل الإجرائي لتنظيم التقاضي باستخدام الوسائل الإلكترونية والاتصال عن بُعد في الإجراءات المدنية لوزير العدل، وقرار رئيس المجلس التنفيذي رقم «15 لسنة 2017» بشأن الإعلان الإلكتروني.

ما أسهم في ممارسة هذا القطاع لدوره خلال التباعد الاجتماعي، الذي فرضته الظروف الصحية، التي اجتاحت العالم بأسره خلال الحقبة الماضية، ما يؤكد الجهود المبذولة من الدولة لترسيخ سيادة القانون، وزيادة ثقة المجتمع والمستثمرين بالمنظومة القضائية الإماراتية، وهو ما سيسهم بشكل ملموس في تقدم الدولة بتقارير التنافسية الدولية.