الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العراق غداً.. صدام الدولة واللادولة

العراق غداً.. صدام الدولة واللادولة
حسام الطائي باحث واعلامي ـ العراق

التركيبة السياسية المعقَّدة في العراق لم تُبنَ على مبدأ وطني، وإنما بُنيت على مجموعة مبادئ نقلها بعض السياسيين من ماضيهم المعارض، وأوجدوا بها حكومة، وحكومة عميقة تترأس اللادولة، التي تمثل حالة «العشوائية» شبه المطلقة في القوانين وإدارة السلطة.

واللادولة في العراق تعمل عكس اتجاه الدولة، فكل ما يقدمه رئيس الوزراء من وعود، مثل: «حصر السلاح بيد الدولة وتعزيز هيبتها، مكافحة الفساد، دعم القوات الأمنية، استقلال القرار السياسي، إصلاحات جذرية، خدمة المواطن، وغيرها»، تعمل اللادولة على إضعاف بل وإيقاف إجراءات تنفيذها بقيادة بعض الأحزاب الحكومية، التي خططت أن تكون الدولة واجهة، واللادولة الأساس.


اللادولة تملك مكونات الدولة نفسها، من ذلك على سبيل المثال: الجماعات المسلحة مقابل قوات الأمن، مكاتب اقتصادية تسرق من موارد الدولة المالية المتمثلة بالموانئ والمنافذ الحدودية والعقود الحكومية وغيرها تخصص لنفقاتها، الدولة تملك مؤسسات ووزارات ظاهرياً لكن اللادولة تملك وزراء هذه الوزارات ومديري مؤسساتها، حتى وسائل الإعلام ترجح كفتها عدداً لمصلحة اللادولة، فحين تملك الدولة قناة حكومية واحدة، تملك اللادولة عدة قنوات وإذاعات خاصة، تابعة للأحزاب والسياسيين، تقف بالضد من الإعلام الحكومي إذا روج للإصلاحات.


الدولة واللادولة تتواصلان بشكل غير مباشر دوماً، فعند حدوث تجاوز كبير من اللادولة، تصدر تصريحات حكومية من رئيس الوزراء بأنه سيتخذ إجراءات حاسمة تجاه هذه القضية، مع تقديم شروحات كيف أنها أثرت كثيراً في السيادة أو الدخل المالي في إشارة إلى اللادولة: «لقد تجاوزتم بشكل كبير جداً ولا يمكن التغاضي»، أي إصدار رسالة تنبيه دون الإشارة إلى أي جهة، ومثال عن ذلك: أمر رئيس الوزراء القوات الأمنية بالسيطرة على المنافذ الحدودية للعراق دون إلقاء القبض أو اتهام أي أحد، فمن يستطيع السيطرة على المنافذ الحدودية غير شخصيات من الحكومة العميقة تدير اللادولة؟

بالمقابل، وفي حال بلغت وعود الإصلاح درجة تؤثر في اللادولة تقوم بعض الشخصيات السياسية التي تترأس اللادولة بالتصريح من خلال لقاءات تلفزيونية بأنها لا تتفق ولا ترضى على بعض الإجراءات الحكومية الإصلاحية وإطلاق تهديدات غير مباشرة برفع السلاح أو إسقاط الحكومة، إن استمرت الحملة، أو تشبيه بعض الإجراءات الإصلاحية بأنها بعثية وديكتاتورية، هذه التصريحات يكون لها معنى آخر يعرفه رئيس الوزراء، فيضطر على إثرها لتخفيف بعض الإجراءات.

أو يتم إيصال الرسالة من خلال الاجتماعات الحكومية مع رئيس الوزراء، حيث يقوم سياسيو اللادولة بتقديم اقتراحات وحلول، تحمل ظاهرياً معنى إصلاحياً، ولكن باطنياً هي مقترحات لحماية اللادولة من مشروع الإصلاح.

وفي ظل تضخم اللادولة المستمر دون أي رادع، ومحاولة الدولة بسط سيطرتها تدريجياً، سيشهد العراق اصطداماً كبيراً بينهما، وبوادر هذا الاصطدام بدأت مع استمرار قصف مقر الحكومة في بغداد، الذي سبب حرجاً كبيراً رغم رسائل الحكومة المتمثلة «بأنها ستتخذ إجراءات شديدة ضد من أسمتهم (جماعات)».

ورغم إلقاء القبض على عدد من مطلقي الصواريخ التابعين لفصيل مسلح، لكن قادة اللادولة من بعض الأحزاب أصدروا بيانات استنكار ومارسوا ضغوطاً على رئيس الوزراء للإفراج عنهم، وتم ذلك بالفعل، بالإضافة إلى خروج جماعات مسلحة إلى شوارع بغداد لاستعراض أسلحتها، وتهديدها الحكومة، ومحاصرتها للجهاز الأمني في تحدٍّ واضح للحكومة والدولة.

كما انطلقت حملة اغتيالات من هذه الجماعات ضد ناشطين وإعلاميين، وصلت إلى اغتيال خبير الجماعات المسلحة الشهيد هشام الهاشمي، في إشارة على تحدي الحكومة، التي وعدت بمحاسبة قتلة المتظاهرين. إذن الصدام مقبل بين الدولة واللادولة، نظراً لتقاطع المصالح والسلطة على مؤسسات الحكومة في بلد واحد.