الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

نفوذ «قطر - الإخوان» في أوروبا.. بدايته 2013

نفوذ «قطر - الإخوان» في أوروبا.. بدايته 2013
أحمد الباز باحث في العلاقات الدولية - مصر

اتبعت كل من قطر وتركيا مساراً خاصاً في تأسيس نمط علاقاتهما الدولية، فبدلاً من الارتباط بدول ذات سيادة فإن الدولتين ربطتا علاقاتهما الدولية بتنظيمات من دون الدولة (Non Actor State)، وعلى رأسها الإخوان، ولذلك شكل عام 2013 مرحلة جديدة لإدارة النفوذ الإقليمي قطريّاً وتركيّاً، ففي ظل خسارة الإخوان لمصر، فإن هذه الخسارة ضربت النفوذ التركي والقطري في مقتل.

ونظراً لأنَّ هاتين الدولتين ربطتا مستقبل علاقاتهما الدولية بتنظيمات من دون الدولة كالإخوان، فإنه كان من الضروري لهما أن يضمنا استمرار الإخوان على قيد الحياة بأي شكل من الأشكال.


قطر، الدولة الصغيرة جدّاً جدّاً، ظنت أنها لا يمكن أن تحيا بالاعتماد على حجمها هذا، لذلك نمط علاقاتها الدولية غريب بعض الشيء، حيث تعمل على ركوب أنظمة سياسية لتكون لها اليد الطُّولى على مقدرات البلد الذي يقوده هذا النظام السياسي، ولهذا كان وصول الإخوان لسدة الحكم في مصر فرصة ممتازة للدوحة لتوسيع حجمها إقليميّاً، بجعل مصر امتداداً للنفوذ القسري في ظل حكم تنظيم تابع كالإخوان، لتكون قطر بذلك قد نجحت في الحصول على حل لمعضلتها الدائمة.


تمت الإطاحة بالإخوان في عام 2013، لكن لا يمكن بل من المستحيل لقطر أن ترضى بخسارة هذا التنظيم التابع، لذلك كانت الدوحة أكثر حرصاً من مكتب الإرشاد نفسه على بقاء التنظيم بأي وسيلة وبأي تكلفة مهما كانت، باعتبار أن تنظيم الإخوان مفيد جداً لإدارة النفوذ القطري، ومناكفة الأطراف الإقليمية، هذه المناكفة عمادها ابتزاز دول الإقليم بصداع الإخوان والإسلامويّة، وبذلك تكون قطر قد نجحت في صناعة كارت قوية تستطيع من خلالها إدارة علاقاتها الإقليمية.

حيث نلاحظ مثلاً أنه عندما يتم يتناول موضوع مصالحة مصرية ـ قطرية، فإن الإخوان يظهرون في صورة هذه المصالحة المحتملة ككارت قطرية، وهذا يوضح لنا كيف أن تنظيم الإخوان كتنظيم مفيد للدوحة، ولنا أن نتخيل مثلاً أن تنظيم الإخوان غير موجود.. فبماذا ستضغط قطر على مصر؟

لقد كان البديل بعد الإطاحة بتنظيم الإخوان في مصر عام 2013، هو القيام بعملية إزاحة للنفوذ بعيداً عن أعين السلطات المصرية الجديدة، وفي بلاد تسمح بحرية فائقة للحركة مهما كانت خطورة هذه التحركات، مستفيدين من القيم التي تتأسست عليها دول أوروبية، وأهمها قيم العلمانية التي كانت التنظيمات الإسلامية أكثر المستفيدين منها.

وقد منح هذا التأسيس الجديد جماعة الإخوان دعماً لا يمكن لأحد أن يتخيله.. نحن هنا بصدد الحديث عما يمكن وصفه بخزائن الأرض التي لا تؤثر سلباً في قطر كواحدة من أكثر الدول ثراء حول العالم، بما يمكن وصفه بأن قطر قامت فعلياً باستخدام فائض ثروتها في التأسيس لأداة نفوذ خطيرة ومؤذية في أوروبا عبر تنظيم الإخوان.

وبالتالي، تكون قطر قد قامت بتدشين ما يمكن وصفه بغرفة قيادة في قلب أوروبا لتدير من خلالها نفوذها المؤذي والخطير في الشرق الأوسط، مستفيدة من العديد من المميزات المتوافرة في أوروبا، أهمها: عدم فهم الأوروبيين أنفسهم للأوضاع المعقدة في الشرق الأوسط، ووقوعهم في فخاخ «الصوابيّة» السياسية التي يغذيها قطاع من المثقفين وأساتذة الجامعة المرتبطين بقطر في أوروبا.

ما يعني في النهاية، أن قطر قامت باستغلال الإسلاموية والجمهور، كماكينات استهلاك لإدارة النفوذ، أو كدروع بشرية للدفاع عنها وعن حليفها تركيا، لأن قطر الدولة متناهية الصغر لا يمكن لها أن تحيا دون توسيع نفوذها القسري، أو تكبير حجمها الجغرافي افتراضيّاً بشكل عابر للجغرافيا نفسها.