السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الشهداء.. باقون فينا رسالة حب ونبع عطاء

الشهداء.. باقون فينا رسالة حب ونبع عطاء
نوره حسن الحوسني كاتبة وروائية ـ الإمارات

كما تطوف أرواحنا في الحلم فتلتقي مع الراحلين من أحبتنا، لنصحو بعد ذلك على حقيقة الغياب المؤلمة، يأتي يومك أيها الشهيد في كل عام، ليحملنا على أجنحة ذاكراتنا، التي لم تبرح مكانك فيها، ويمر فيها طيفك مرور الندى على صغيرات الأزاهير في الصباحات الندية، ليبعث فيها الأمل بالحياة من جديد.

إنه الثلاثون من نوفمبر، لكنه ليس ككل الأيام بالنسبة لي، لأنه يومك أنت أيها الشهيد، وأي من الناس أحق بالاحتفال بيومه منك، وأنت الذي قدمت روحك رخيصة في سبيل الله، فكنت فينا كدفق الروح في الجسد؟


وها هو يا رفيق دربي يومك يأتي علينا في هذا العام أيضاً، حاملاً معه لي جميل الذكريات، ممزوجة بآلام الفراق، وها أنا ألمح وجهك المشرق بالإيمان والعزيمة كطيف يلوح في السماء، تلوِّح لي ولأطفالك من العلا، وكأنك تأبى إلا أن تشاركنا الاحتفال بهذا اليوم، في وقت تجتاح فيه العالم جائحة ألقت بظلالها الثقيلة على كل مناحي الحياة، وفي مواجهتها كثير ممن شابهوك في العطاء، ليكونوا شهداء الإنسانية كما أنت.


في هذا اليوم يا زوجي الشهيد لن أذرف الدموع كما تعودت، رغم ما يختلج في النفس من مشاعر الحزن، لكنني سأشاركك احتفالاً بيوم كل الشهداء من بلادي، ومن شهداء الإنسانية على مساحة الكون، الذين رحلوا في الحرب على وباء قاتل داهمنا على حين غرة، فارضاً علينا قيوده عبر الحجر المنزلي، الذي كان فيه طيفك أنيسنا في تلك الليالي الملبدة بالقلق، حيث كنا نراك تتنقل في جنبات البيت، ونسمع صدى صوتك في أرجائه، لتهدئ من روعنا، وتربت على أكتافنا بيديك الحنونتين يا رفيق عمري الأجمل.

وعلى الرغم من غيابك القاسي، لكن تلك الأيام ذكرتنا بحضورك الذي ما انفك مقيماً فينا، حتى غدوت طيفاً تعلق على جدران ذاكرتنا.

في يوم الشهيد لن أتَّشح بالسواد، إذ يحق لي الخجل إن فعلت ما يلقي في نفسك ولو قليلاً من الحزن، وكيف لي أن أفعل وأنت من ألبسني تاجاً من العزة والفخر، دونه كل متاع الدنيا، وأنت الذي كنت القدوة والنبراس الذي يشع في ليلنا كمشكاة، والسور الذي أحاط بنا بدفق من العطاء والحنان.

في اليوم السنوي للشهيد تعجز مفردات اللغة عن وصف تلك المشاعر التي تنتاب أهل الشهداء الذين رحلوا تاركين لنا طيب الذكر، وجميل الذكريات، فكانوا درساً في الوطنية والإنسانية، منهم نستمد قوتنا، وبهم تعلو هاماتنا إلى السماء.

وإذا طُوّعت لي اللغة كي أبوح بما يكتنزه صدري من مشاعر، فكل قواميس الأرض قد لا تكفي للتعبير عما يختلج في النفس من مشاعر، فما هي إلا خليط من الفخر والكبرياء الممزوج بالحزن وآلام الفراق الأبدي.

في يوم الشهيد كم نبدو صغاراً أمام هاماتهم العالية، وكم يبدو هذا اليوم قليلاً على هؤلاء المؤمنين الذين رحلوا عن حيواتنا، مسربلين بدمائهم الطاهرة، ملتحفين برداء الإيمان بالله والوطن.

فسلاماً وألف سلام على تلك الأرواح الطاهرة، التي روتنا بإكسير الحياة، فكانوا خالدين في ملكوت الله تعالى، ينعمون في جنات الخلد خالدين فيها، بقوله تعالى:«ولا تحسبنَّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتاً ۚ بل أحياء عند ربهم يُرزقون» (سورة آل عمران ـ الآية 169)

فإلى أرواحكم الطاهرة ـ أيها الباقون فينا ـ ألف سلام، وليكن هذا اليوم مناسبة للتمسك بالقيم والمبادئ التي رحلتهم من أجلها، وتأكيد الولاء لقيادتنا الحكيمة التي ما بخلت يوماً في دعم أهليكم وأحباءكم الذين رحلتم عن حيواتهم، في الدفاع عن الوطن وفي سبيل القيم والمبادئ الإنسانية، التي تربى عليها شعبنا العظيم.